تخطى إلى المحتوى

سر الضابط الآشوري الذي خدم آل الأسد بكل إخلاص وتفـ.ـاني حتى آخر المشوار

1625215143

سر الضابط الآشوري الذي خدم آل الأسد بكل إخلاص

حاول نظام الأسد، الأب والابن، أن يقدم عدداً من أبناء الأقليات الأخرى، ويرفع من شأنهم، ليخبّئ الطبيعة الطائفية المقيتة لحكمه، ويُظهر للعالم أنه وطني علماني يؤمن بالتعددية، ويحمي هذه الأقليات، ويضمن سلامتها واستمرار وجودها، ويشجع اندماجها في المجتمع السوري. 

ولكن اختياره وقع دائماً على أناس بلا رأي أو عديمي الشخصية، ويتصفون بالولاء والطاعة العمياء لنظامه، ولا يشكلون أي خطر عليه في حال صعودهم وبروز نجوميتهم. ومن بين هؤلاء كان الآشوري قرياقوس متشو قرياقوس (1942 – 2018)؛ الذي رُفّع إلى رتبة لواء ركن في جيش التعفيش الباسل، وشغل منصب رئيس دائرة الاستخبارات العسكرية الخارجية لمدة 17 عاماً؛ ليشكل ظاهرة فريدة ونادرة بالنسبة للآشوريين الآخرين خلال تاريخ سورية الحديث!

كان الآشوري قرياقوس متشو قرياقوس (1942 – 2018)؛ الذي رُفّع إلى رتبة لواء ركن وشغل منصب رئيس دائرة الاستخبارات العسكرية الخارجية لمدة 17 عاماً؛ ليشكل ظاهرة فريدة ونادرة بالنسبة للآشوريين

ينحدر أجداد قرياقوس من عشيرة تياري العليا، التي قطنت الضفة الغربية لنهر الزاب العراقي، والتي تعد من أكبر العشائر الآشورية في العالم، حيث نزحوا بداية إلى داخل البلاد، ومن ثم هربوا إلى سورية، نتيجة المذبحة التي جرت في سميل والقرى الآشورية الأخرى عام 1930، ملتحقين بأقرانهم من السريان الذين استوطنوا ضفاف نهر الخابور في محافظة الحسكة عقب مذابح سيفو، وأسسوا في تلك الأنحاء أكثر من 30 قرية أهمها تل تمر. لم تمنع سلطات الانتداب الفرنسية الحاكمة لسورية آنذاك، توطينهم بعدما أجرت تفاهماً مع بريطانيا وتركيا والعراق بهذا الشأن.. كذلك اعترفت الحكومات الوطنية اللاحقة بهم، ومنحتهم الجنسية السورية. 

اقرأ ايضا : روسيا تعلن عن مبادرة بين فئة من السوريين المعارضين والنظام نحو تسوية وصلح يرضي الأطراف

ولد قرياقوس عام 1942 في مدينة تل تمر الواقعة على نهر الخابور.. ساعده طارق عزيز، الذي كان منفياً في سورية وينتسب للطائفة الكلدانية الكاثوليكية، للانضمام إلى “حزب البعث” عام 1953 وهو لا يزال صغيراً نسبياً. أحبّ الرياضة ومارس كرة القدم. 

أنهى المرحلة الإعدادية في العام الدراسي 1959-1960، وتم قبوله في كلية الطب بمدينة أسيوط المصرية، إبان فترة الوحدة بين مصر وسورية. لكن قرياقوس لم يرغب بدراسة الطب هناك وانجذب أكثر إلى الحياة العسكرية، وأحب أن يصبح طياراً، لذلك ناشد جمال عبد الناصر عام 1961 للالتحاق بمدرسة الطيران. وعده هذا الأخير بأنه سيكون “أول طيار في القوة المُشتركة للجمهورية العربية المُتحدة”. ولكن انهيار هذه الدولة عام 1962، حال دون تحقيق هذا الهدف. لكن حلم قرياقوس لم ينهر؛ فبعد عودته إلى سورية تطوع في الكلية العسكرية السورية عام 1967،

وشارك في حرب حزيران بصفة تلميذ ضابط.. بعد عام تخرج ضابطاً عاملاً!.   

يقال إنه خلال الحرب العربية الإسرائيلية، كان يتجول بلا خوف بين الخنادق

وهو يقود العمليات العسكرية، رغم رصاص وقذائف العدو. ووفقاً لشهادة آمر اللواء العراقي حسن جميل،

فإن الدعاية الإسرائيلية خاطبت قرياقوس شخصياً بالكلمات: “لماذا تحاربنا؟ أنت لست مسلماً أو عربياً، فلماذا تقاتل ضدنا؟”. 

ويقال أيضاً إن القوات الإسرائيلية هاجمت فجأة المواقع التي شغلتها قوات سورية،

ما دفع 17 ضابطاً للفرار من هناك؛ ليبقى هو الضابط الوحيد مع الجنود، ويقود الدفاع المكلف به على الجبهة.

لم يتمكن الإسرائيليون من الاستيلاء على المواقع التي دافع عنها جنود قرياقوس، حيث قتل 19 منهم نتيجة ذلك

اقرأ ايضا : وكالة أوربية تكشف عن استعداد العالم لاتخاذ قرار حاسم في سوريا سيغير مستقبل الشعب

وبعد ذلك استقبله حافظ الأسد.. الغريب أنه لم يسأله لماذا فرّ الضباط، بل سأله: “لماذا لم تفرّ مع الآخرين وبقيت لوحدك في الجبهة؟”؛

فأجابه: “سيدي أنا لا أستطيع أن أفرّ من الجبهة”. قال: “لماذا، من أين أنت؟”. قال له: أنا آشوري”؛ وأراد أن يكمل،

لكن قاطعه قائلاً: “لا تُكمل أنتم الآشوريون معروفون؛ في حياتك كلها مهما احتجت لشيء تعال إليّ ومكتبي مفتوح أمامك”..

لا أعرف مدى صحة هذه المعلومات، لكنها متداولة في أغلب المواقع التي تأتي على ذكر الضابط الآشوري! 

استقبله حافظ الأسد.. وسأله: “لماذا لم تفرّ مع الآخرين وبقيت لوحدك في الجبهة؟” فأجابه: “سيدي أنا لا أستطيع أن أفرّ من الجبهة”.

قال: “لماذا، من أين أنت؟”. قال له: أنا آشوري”؛ وأراد أن يكمل، لكن قاطعه قائلاً: “لا تُكمل أنتم الآشوريون معروفون”!

حاز عام 1970 على رتبة استثنائية ـ ملازم ثان في سلاح المدفعية والصواريخ ـ ووسام بطل الجمهورية أثناء معارك الاستنزاف مع الإسرائيليين. ويقال إن “خطة قرياقوس” في العمليات الناجحة ضد الإسرائيليين بدأت تدرس في المدارس والكليات العسكرية السورية؛ رغم شكّي بالموضوع، لأنه في هذه الأماكن لا تدرس سوى الخطط السوفييتية ـ الروسية، والإيرانية!. 

عُيّن ضابط ارتباط بين المخابرات السورية وقيادة “الحركة الديمقراطية الآشورية”، التي قاتلت نظام صدام حسين، ووفر لها كل الدعم الممكن. وقام بدعم تجمع حزبي دعا إليه “حزب بيت النهرين” لدعم “الحركة الديمقراطية الآشورية” في العراق والمعروفة اختصاراً بـ “زوعا”؛ التي انضمت إلى الفصائل العراقية المعارضة في العصيان المسلح بشمال العراق خلال فترة الثمانينيات.

وعندما حدثت الانتكاسة في العراق هربوا باتجاه الشمال، ثم فرّ الكثير منهم إلى إيران عندما بدأت الحرب العراقية الإيرانية،

وبعدها وصل بعضهم إلى سورية؛ ليساعدهم قرياقوس بالحصول على التبرعات والمساعدات المادية واللوجستية،

وفتح المكاتب التمثيلية لهم في دمشق. وكل ذلك كان بموافقة المخابرات السورية والتنسيق معها!

عمل هو ورفعت الأسد بين عامي 1981-1982 على وضع خطة لاغتيال صدام حسين، وكان حينها برتبة رائد، وقد وصلت إلى مراحلها الأخيرة؛ لكن حافظ الأسد لم يعط موافقته، حسب كلام قرياقوس، وأوقف التنفيذ؛ لذلك وعد صدام حسين بمكافأة قدرها مليون دولار، وفي بعض المصادر الأخرى مليون دينار عراقي، مقابل رأس الضابط المندفع والمتحمس

ترأس قرياقوس جهاز الاستخبارات الخارجية السورية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. وشارك بنشاط في أحداث حماه، وبالتحقيق مع المعتقلين من الإخوان المسلمين

عمل هو ورفعت الأسد بين عامي 1981-1982 على وضع خطة لاغتيال صدام حسين،

وكان حينها برتبة رائد، وقد وصلت إلى مراحلها الأخيرة؛ لكن حافظ الأسد لم يعط موافقته

يقول في لقاء أجراه معه وســام كاكو عام 2008: “نحن بالطبع رجال أمن ومن طبيعتنا أن نكتسح العدو أو المُقابل، ونرفع كل شيء من أمامنا لنصل إلى مرحلة صالحة للتفاوض السياسي”. 

عندما تم إخراج رفعت الأسد من سورية، وضعوا قرياقوس في مكتب الأمن القومي لمدة ست سنوات، دون عمل أو نشاط، وأوقفوا ترفيعه؛ لذلك اشتكى للبطريرك الآشوري مار دنخا قائلاً:

“إذا لم يجر ترفيعي إلى رتبة عميد فإنه سيجري إحالتي على التقاعد خلال سنة واحدة!”. وعندما التقى هذا الأخير مع حافظ الأسد قال له:

“نحن لنا ضابط واحد فقط لديكم ولحد الآن لم يتم ترفيعه فهو عقيد من ثماني سنوات، فقال له حافظ الأسد:

سيادة البطريرك أنا أعرف العقيد قرياقوس جيداً وأعتز به كثيراً، ولكن يجب أن يكون لدينا ملاك ليجري ترفيعه،

حتى أخي رفعت لا يوجد ملاك لترفيعه، ولكن اعتبر أن موضوع العقيد قرياقوس قد انتهى”..

يذكر أن كل الضباط الذين كانوا مع رفعت الأسد تم تسريحهم؛ إلا قرياقوس، وقريباً لحافظ الأسد وشخصاً آخر! 

وهكذا عاد إلى عمله بنشاط، حيث أصبح عام 1992 عميداً، وفي عام 1993 حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم العسكرية. وبعد ذلك تقاعد برتبة لواء ركن. 

اقرأ ايضا : ثورة متـ.سللة في مدينة سورية وتبدأ بصور بشار الأسد والقادم مبشر

التقى بصدام حسين في بغداد عام 2002، حيث ترأس وفداً مختصاً بالتصنيع العسكري، يرافق رئيس الوزراء الأسبق مصطفى ميرو. هاجر بعد ذلك واستقر في مدينة فينكس بولاية أريزونا الأمريكية

يقول في لقاء أجراه معه وســام كاكو عام 2008: “أنا أعمل لوطني ولأمتي، لا أستطيع أن أكون نافعاً لأحد إن لم أكن صالحاً لوطني. إن لم أكن جيداً في وطني لن أستطيع أن أكون جيداً لأمتي، أنا أفتخر بكوني سوريا وأنا أعبد وطني، صحيح أن آبائي عراقيون وهذا شرف لي ولكني أؤمن بوطني، أنا لست شوفينياً وأتعامل مع الكل وأؤمن بالكل، بالمسلم والمسيحي والكردي”

كان قرياقوس أحد أقرب المستشارين لحافظ الأسد ثم ابنه وخلفه بشار.. كذلك كان ابنه جوني، وهو طبيب مُتخصص بالأمراض القلبية في أحد مُستشفيات ولاية أريزونا، قد درس في صف واحد مع بشار الأسد؛ وهما صديقان مقربان جداً. 

كان قرياقوس أحد أقرب المستشارين لحافظ الأسد ثم ابنه وخلفه بشار.. كذلك كان ابنه جوني، وهو طبيب مُتخصص بالأمراض القلبية في أحد مُستشفيات ولاية أريزونا، درس في صف واحد مع بشار الأسد

أصيب قرياقوس بجلطة دماغية، وتوفي في 12 يونيو 2018.. نعته الحركة الديمقراطية الآشورية، والبيت الآرامي العراقي، وجهات سورية أخرى موالية لنظام الأسد

استغل النظام الأسدي قرياقوس أولاً ضد بلد أجداده العراق؛ ومن ثم ضد أبناء قوميته الآشورية، فقد دفعه للعمل على الدعوة إلى عقد مؤتمر لكل المنظمات والأحزاب الآشورية في سورية، محاولاً جرها إلى مستنقعه والاستفادة منها لاحقاً.  

لقد عرف قرياقوس متشو قرياقوس حدوده، وحفظ دروسه بعد تجميده لعدة سنوات،

وتكونت لديه قناعات راسخة بأن “نجاح الإنسان هو في عدم ارتكاب الخطأ”، لذلك حاول أن يكون مطيعاً جداً في حياته العسكرية.

كذلك عرف أنه في سورية لا يمكن العيش والتقدم والبروز إلا بالعمل لصالح عائلة الأسد والإخلاص لها بشكل مطلق..

لا عجب في ذلك، فهو القائل “أنا لا أخطو خطوة إلا بموافقة الحكومة السورية، لاسيما الأمن السوري!”

Advertisements