تخطى إلى المحتوى

زلزلزال تركيا وسوريا 2023 وتعاطي مواقع التواصل والمشاهير

US NEWS SCI CALIF QUAKE THREAT GET

الكاتب: طارق السيد

اعتاد الناس مؤخرا خلال السنوات المنصرمة لدى كل صغير وكبير يحدث في حياتهم أن يلجؤوا إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ليتابعوا الأخبار ويشاهدوا المستجدات اللحظية.

ولا شك أن مواقع التواصل وتأثيرها بات أكبر بكثير من القنوات التلفزيونية والصحف وغيرها من وسائل الإعلام القديمة، الأمر الذي دعا كبرى وسائل الإعلام بالتوجه والحشد إلى مواقع التواصل، وإقامة مشاريع إعلامية بالمليارات، حتى يسابقوا الزمن ويلحقوا بركب التطور الحاصل عالمياً، قبل أن نقول وداعا للصحيفة والتلفاز كما قلنا في وقت قريب للراديو وداعاً.

عندما ألمت جائحة كورونا في 2020 وأصبحنا جميعا أسرى منازلنا لأشهر طويلة، كانت مواقع التواصل الملجأ الوحيد والمتنفس لنا، وأصبحت البديل للعلاقات الاجتماعية والزيارات العائلية، وأخذت حيزا جيدا من حياتنا وحياة أطفالنا فباتت دروسهم أونلاين وباتت سهراتنا وأحاديثنا تتم بواسطة الهواتف ولا داعي للخروج من المنزل إلا للضرورة.

ومع التطور الحاصل والانتشار الكبير لمواقع التواصل، ودخول عالم التيك توك وتوفير فرص الربح من صفحات الفيس بوك والمجموعات وكذلك التيلجرام وغيره.

بات هناك سعاراً اجتماعيا لدى أصحاب الصفحات والحسابات، إما للحصول على اللايكات بهدف الوصول إلى الحد الأدنى للربح والمشاهدات التي جعلتهم عبيداً عند كبرى مواقع التواصل، أو لحصد المزيد من التفاعل بهدف جذب المعلنين الذين يدفعون الأموال لقاء النشر في صفحاتهم الكبيرة.

“زلزال تركيا وسوريا 2023”

هبط علينا الزلزال في السادس من شباط الساعة الرابعة فجرا، وأنا أعيش في مدينة مرسين التركية الساحلية، التي تأثرت بالزلزال بشكل وسطي ولم يحدث فيها قتلى أو جرحى أو هدم، ولكن عشنا رعباً كبيراً لاسيما من يقطن في الطوابق العليا.

ولكن وبفضل مواقع التواصل والقائمين عليها من أطفال الميديا ومن ليس لديهم أي حس إنساني، بدأ نشر الأخبار والشائعات هنا وهناك.

أمثلة:

زلزال قادم بقوة 9.6 من البحر

التحذير من موجات تسونامي ستضرب المدن الساحلية بمسافة 140 كلم

الخبير الهولندي يتوقع زلزال أقوى من الأول سيمسح تركيا وسوريا من الخارطة

ستحدث تشققات أرضية تبتلع الأخضر واليابس والمنازل

لا ننصح بالعودة إلى المنازل

ابقو في الشوارع حتى إشعار آخر

زلزال قادم في الساعة 6 زلزال في الساعة 1 زلزال في الساعة 5 فجرا

بعد 50 ساعة ستتوقف الزلازل

مئات المنشورات من هذه النوعية القذرة قرأتها في عدة صفحات.

على الجانب الآخر

بدأت هذه الصفحات والشخصيات الهرائية، بجعل نفسها منصات إنسانية، تارة للبحث عن مفقودين وتارة لنقل الصور والأحداث القادمة من مناطق الزلزال.

فأصبحت الصفحات والكثير الشخصيات، عبارة عن صفحات خبرني يا طير.

أمثلة:

فلان مفقود

فلانة تحت الأنقاض

فلان توفي

عائلة فلان توفيت بشكل كامل

شاهد رجل يريد الوضوء تحت الأنقاض

امرأة تطلب الحجاب قبل أن تخرج من تحت الركام

طفلة تريد أن تصبح خادمة للمنقذ

أصيب هؤلاء الأشخاص بسعار اللايكات وهلوسة الشهرة وحمى التفاعل.

الجميع يتفق أن كل هذه المنشورات وأصحابها لا يوجد أي فائدة لهم، لا بمساعدة المنكوبين ولا بإعادة مفقود ولا بمداواة جريح، لا يوجد أي دور لهم على أرض الواقع على الإطلاق.

“الحقيقة”

بل على العكس تماما دورهم تخريبي للعقول ومدمر للنفوس ويجعل الناس لا يخرجون من الحالة التي دخلوا بها ويعيدونهم إلى مسلسل الرعب مرارا وتكرارا.

آلاف المواطنين باتوا خارج منازلهم لأيام بسبب هذه المنشورات، وبسبب متابعتهم لهذه الشخصيات، أنا أعيش في منطقة أصابتها الهزة ولم يصبها الزلزال، ولكن بسبب منشورات التواصل الاجتماعي بات ليومين أكثر من 1.2 مليون شخص خارج منازلهم بسبب التأثر بمواقع التواصل وما يشاهدونه في المناطق الأخرى فقط!

بسبب هؤلاء الأشخاص الذين لا يوجد أي طريقة للأسف لمحاسبتهم خاصة أنهم لا ينتمون لقانون أو دولة.

“نكرات في سياق النفي”

عشرات الصفحات التي لا أستحضرها ولدرجة أهميتها لا أذكر أسماءها الرنانة.

على الجانب التالي نجد من أصبح حسابه مسجداً متنقلاً ومنبرا للخطب الرنانة والمواعظ.

أمثلة:

قال عمر ابن الخطاب لا ينزل الزلزال بقوم إلا بسبب المعاصي

تذكروا آيات العذاب

الزلزال بسبب المعاصي في سوريا وتركيا

دعاء يحميك من الزلزال

دعاء الزلزال المدمر

تذكروا سورة الواقعة والزلزلة والزمر

سنقرأ الليلة سورة يس على نية الفرج

وإلى ما هنالك من الترهات الإيمانية التي جعلت لبعض الحمقى منابر يحاضرون علينا بالإيمانيات، ويجلدوننا بمازوخيتهم وانسحاق شخصياتهم الإيمانية وجعل أنفسهم عبيداً أذلاء.

لا يفكرون بالحلول والنجاة بل بالاستسلام والتعلق بالأوهام الفكرية، الأفكار التي لم تساعدنا على إنقاذ أكثر من 25 ألف شخصاً قضوا تحت الأنقاض بفعل الطبيعة وعواملها، التي يعجز الإنسان عن مقاومتها سوى بالعقل والتدبير والتفكير الحضاري كما فعلت اليابان.

لم ينفع دعاء واحد ولا صلاة ولا ذكر أمام الكارثة، ينفعك أن تتصرف بعقل وتدبير وأن تتعلم ما تفعله في المرة القادمة، أمام هذا النوع من الكوارث الطبيعية.

لم أجد منصة تحترم نفسها تنشر طرق الحماية من الزلزال، وماذا نفعل في اللحظات الأولى وكيف نحمي أطفالنا وأنفسنا خلال الكارثة وبعدها.

“فئة أخيرة”

لا أنسى هنا من يريد تسيس الكارثة ومن يريدون جعلها معركة بين موالاة ومعارضة ما بين شرق وغرب وما بين عرب وترك، أمام المصيبة تجد من يدعو لعدم التبرع لمناطق معينة بسبب توجهها السياسي!

أشخاص يجعلون همهم هاشتاغ على تويتر كي يتغلبوا على هاشتاغ آخر لفئة سياسية أخرى!

لا تتبرع هنا وتبرع لهؤلاء، جماعتنا أولى من غيرها، لا تتعاطف مع الموالين لبشار الأسد فهذا عذاب لهم ورحمة لمعارضيهم!

“كوميديا فكرية وإيمانية”

الإنسان القادم من الغابات والكهوف الجليدية قبل أكثر من مليون عام، أبناء مجموعة من جامعي الثمار والصيادين وصلوا إلى القمر والنجوم، ولكن لا زال بعض جنس الهوموسابيان يعيش في الغابة بشراسة الغابة وافتراسها، لا ببساطتها وجمالها.

أهم الدروس التي نتعلمها من الكارثة:

البعد كل البعد عن وسائل التواصل الاجتماعي جميعها خلال الكارثة وبعدها.

رمي الهاتف واستخدامه فقط لمتابعة المنصات الموثوقة مثل الجزيرة والعربية وبي بي سي والحرة وغيرهم من المنصات الإعلامية المحترمة التي تديرها عقول يدفع لها ملايين الدولارات شهريا مقابل تقديم المحتوى المحترم والمفيد للمشاهد.

استخدام الموبايل للاطمئنان على الأهل والأصدقاء وطمأنة أحبائنا فقط.

الاعتماد كل الاعتماد على التلفاز والمحطات الموثوقة ومتابعتها فقط في تلقي المعلومات.

وسائل التواصل هي أماكن للترفيه والتسلية والتعارف والكسب المادي.

وسائل التواصل ليست منصات إخبارية و 80% من منشوراتها كاذبة خاصة في أوقات الكوارث.

أفضل شيئ تفعله الحكومات خلال الكارثة إغلاق وحظر مواقع التواصل.

لا تضيع وقتك بنشر فلان مفقود وفلانة عالقة لأن الدولة وأجهزتها أقرب إليك منه وأهل هذا الشخص مستنفرون وآخر همهم في هذا الوقت العصيب منشور على مواقع التواصل يدعمهم.

لا تثق بالفرق المحلية الغير رسمية مثل الفرق “التطوعية” التي تنتهز كل مصيبة لمصلحتها الشخصية، ومن يتقاسمون المساعدات مع المنكوبين.

“الإنسان”

في النهاية أذكر بعض الأشخاص الذين ترفع لهم القبعة احتراما لمواقفهم وأفعالهم النبيلة من الناشطين السوريين والأتراك والأجانب، الذين وقفوا على رأس الحادثة سواء في سوريا أو تركيا، وقفوا على أرض الواقع لا من منازلهم وعلى أريكتهم يتصيدون الأخبار هنا وهناك.

أشخاص يصنعون الخبر وينقلون الصورة، الأصدقاء الذين يجلسون الآن في المخيمات وبين الركام لهم الحب والاحترام.

أقف وقفة احترام وحب وإكبار للدولة التركية ومؤسساتها ومواطنيها، بسرعة استجابتهم للمنكوبين، وعبقرية إدارة الأزمة على كافة المستويات، أنا حقاً معجب بتلك الإدارة والإرادة الفذة، وكيف أظهرت نفسها بمكان القوة والحب إلى جانب الشعب، تكاتف الشعب التركي مع بعضه وكذلك السوريين الذين فتحوا منازلهم ومحالهم للقادمين من مناطق الكارثة، لهم أيضا كل التقدير، ولن ننسى مواقفهم وشجاعتهم.

“أخيراً”

نتعلم معاً ونسموا بحضارتنا الإنسانية، لن ينقذنا إلا العلم والثقافة، لن يفيدنا إلا الحضارة والتقدم، لنتعلم كيف نتصرف أثناء الكوارث قبل وقوعها، لنفكر أين سنلجأ في منازلنا الصغيرة وكيف نحمي أطفالنا، ليحيوا إلى جانبنا ونقص لهم في المستقبل قصة زلزال 2023 الأليمة.

Advertisements