تخطى إلى المحتوى

هل ستعقد تركيا صلحا مع نظام الأسد؟

هل ستعقد تركيا صلحا مع نظام الأسد؟

هل ستعقد تركيا صلحا مع نظام الأسد؟ لا، تركيا لن تفعل، هل ستحاول تركيا أن تعقد صلحا مع نظام الأسد؟ على الأرجح ستفعل

تصريح وزير الخارجية التركي بخصوص الحاجة إلى صلح بين نظام الأسد والمعارضة السورية أدى إلى خروج مظاهرات واسعة النطاق في سوريا، وكذلك فتح نقاشا جديدا في تركيا بخصوص إمكانيات التوصل إلى اتفاق مع نظام الأسد

لقد تغير الحديث في تركيا بخصوص سوريا في الآونة الأخيرة، على الأقل منذ سقوط حلب، فالدولة التركية لم تعد تتبع سياسة لإسقاط نظام الأسد بالوسائل العسكرية. وكما قيل لسنوات عديدة “من يربح حلب يربح الحرب” هذه الحقيقة العسكرية أدركتها تركيا بسرعة، ومنذ ذلك الوقت ركزت تركيا في الملف السوري بشكل أكبر على تحقيق هدفين اثنين:

الأول: الحفاظ على المعارضة السورية وضمان عدم الذهاب إلى حل عسكري للصراع عبر إرسالها قوات عسكرية وحتى التضحية بحياة جنودها، ووقف تقدم نظام الأسد وإيران وروسيا في إدلب. لقد حالت تركيا دون انهيار المعارضة السورية المسلحة. هذا الواقع الجديد لخسارة الحرب مع الحفاظ على المعارضة السورية المسلحة كان يؤمل منه تأمين مساحة للثورة السورية لتزدهر وتفسح المجال للوصول إلى حل سياسي للحرب في سوريا. أما الهدف الثاني لتركيا فقد كان مكافحة التهديد الذي تشكله “وحدات حماية الشعب” الكردية

يعتقد صناع القرار الأتراك أن وحدة الأراضي السورية مرتبطة ارتباطا مباشرا بوحدة أراضي تركيا، وإذا لم تتدخل تركيا، فإن القوى الأجنبية ستبذل قصارى جهدها لتقسيم سوريا ورسم حدود جديدة

انضمت تركيا إلى الحكومة السورية المؤقتة وقواتها المسلحة وشنت عدة عمليات عسكرية ضد “وحدات حماية الشعب” في سوريا، ولا زال هناك عمليات أخرى مخطط لها تلوح في الأفق. ساعد هذا النهج تركيا على منع إنشاء دويلة “وحدات حماية الشعب” في سوريا والحفاظ على وحدة أراضي سوريا. يعتقد صناع القرار الأتراك أن وحدة الأراضي السورية مرتبطة ارتباطا مباشرا بوحدة أراضي تركيا، وإذا لم تتدخل تركيا، فإن القوى الأجنبية ستبذل قصارى جهدها لتقسيم سوريا ورسم حدود جديدة

بالرغم من ذلك، فإن السياسة التركية في سوريا لها بُعد ثان وهو: السياسات الداخلية. هذا البعد يتضمن أيضا هدفين للحرب في سوريا: الأول هدف القضاء على “وحدات حماية الشعب” الذي هو نفسه هدف السياسة الخارجية. أما الهدف الثاني فهو تمكين عودة السوريين إلى سوريا إذ إنه بموجب القانون التركي، يتعين على اللاجئين السوريين العودة إلى سوريا كونهم تحت الحماية المؤقتة فحسب. تماما كحال اللاجئين العراقيين في أوائل القرن الحادي والعشرين. المناقشات حول منطق هذا القانون ومدى ملاءمته وحسن توقيته سيكون موضوعا لمقال آخر

قبل الخوض في كيفية محاولة تركيا تحقيق الهدف الداخلي الثاني نحتاج أولا إلى النظر في مستوى الفهم للواقع السوري في الداخل التركي. من المؤسف أن الحرب في سوريا، وأسبابها، وما حدث هناك، وسبب فرار السوريين من بلادهم، ومن هم أطراف النزاع، والعديد من الجوانب الأخرى غير معروفة لدى الجمهور التركي، إذ لم تستطع وسائل الإعلام التركية وكذلك الشخصيات العامة التركية تفسير ما حدث في سوريا. علاوة على ذلك، فإن العديد من الخبراء والمسؤولين أنفسهم لا يفهمون تفاصيل الحرب في سوريا. والنتيجة أن العديد من الطروحات التي تتجاوز نطاق الواقع تبدو منطقية بالنسبة للكثيرين في تركيا

منذ عام 2011 عارض الأوروآسيويون (المؤيدون لروسيا) وبعض أطياف المعارضة التركية بشدة سياسات تركيا في سوريا وجادلوا بأن على تركيا العمل مع نظام الأسد. إلا أنه مع ارتفاع حرارة الأجواء الانتخابية في تركيا، برز مجالان للاهتمام هما: الاقتصاد والهجرة. لقد حاولت الحكومة التركية تسهيل العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى سوريا من خلال إقامة مناطق آمنة فيها، لكن عمق تلك المناطق الجغرافي تم تقييده من قبل الولايات المتحدة وروسيا. مع العلم أن الخطة المعلنة لتسهيل عودة مليون سوري إلى سوريا لم تخفف من انتقادات المجتمع التركي للحكومة التركية

نتيجة لذلك، بدأ المزيد من الناس داخل الدائرة الحكومية يؤمنون بما تطرحه المعارضة التركية. ونظرا لأن المعارضة التركية تكرر نفس نقاط الجدل لأكثر من 11 عاما حتى الآن، فإنها تبدو بطريقة ما أكثر مصداقية. أضف إلى ذلك استمرار الضغط الروسي على تركيا للتحدث مع نظام الأسد. تضغط بعض دوائر القوة في الحكومة التركية معا من أجل فتح خط اتصال مع نظام الأسد. كما أعرب شريك الحكومة التركية دولت بهجلي عن دعمه للتواصل مع نظام الأسد

لا تزال العديد من المؤسسات في تركيا تعارض بشدة فكرة التواصل مع نظام الأسد وتشير إلى أن خطوة كهذه لن تجلب لتركيا سوى فقدان النفوذ والثقة في سوريا

إلا أن هذا الطرح يفتقر إلى الواقعية، إذ إنه حتى لو كان ثمة سلام بين نظام الأسد وتركيا، فلا النظام سيقبل بعودة السوريين في تركيا ولا السوريون أنفسهم سيعودون من تركيا. حتى لو عاد اللاجئون السوريون في لبنان فإن السوريين في تركيا لن يفعلوا. علاوة على ذلك، لا يجمع صناع القرار في الحكومة التركية على رأي واحد. إذ لا تزال العديد من المؤسسات في تركيا تعارض بشدة فكرة التواصل مع نظام الأسد وتشير إلى أن خطوة كهذه لن تجلب لتركيا سوى فقدان النفوذ والثقة في سوريا. لا تسمح الديناميكيات في سوريا والحقائق الجيوسياسية بالتقارب بين تركيا ونظام الأسد – حتى لو أراد كلاهما – حتى يتم التوصل إلى حل سياسي وفقا لقرار الأمم المتحدة 2254

ماذا في وسع السوريين أن يفعلوا؟.. عبر إدراك هذا الجدل الداخلي داخل الحكومة التركية والشعب التركي، يمكن للسوريين تذكير الجميع بأنهم لن يقدموا على صنع السلام مع نظام الأسد بغير عملية تتم وفق منظور الأمم المتحدة، وكذلك يمكنهم دعم دوائر السلطة في الحكومة التركية التي تعارض هذه الفكرة الجديدة وذلك من خلال سلوكهم وسياساتهم. على سبيل المثال: من خلال الدفاع عن القضية السورية في أنقرة بدلا من المنشورات المكتوبة بالعربية على وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم السماح لأي شخص بحرق العلم التركي

Advertisements