تخطى إلى المحتوى

مصدر استخباراتي مطلع يوضح ماتم الاتفاق عليه بين أردوغان وبوتين حول سوريا خلال القمة الأخيرة

مصدر استخباراتي مطلع يوضح ماتم الاتفاق عليه بين أردوغان وبوتين حول سوريا خلال القمة الأخيرة

يقول الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل معراوي: “أعتقد أن الأجواء الإيجابية التي رافقت قمة سوتشي وما بعدها، والشعور بالراحة من الطرفين، وعدم إطلاق تصريحات متشنّجة أو نارية (كما حدث أثناء وبعد قمة أستانة الأخيرة في طهران) معطيات تدل على أن ضوءاً أخضر روسياً قد مُنح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من أجل طرد (قسد) من منطقتي منبج وتل رفعت بريف حلب، بهدف تلبية المطالب الأمنية العادلة لتركيا، كما أسماها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولإحداث شرخ بالعلاقات التركية الأمريكية، وتقريب أنقرة أكثر إلى المحور الروسي.

ويذهب بعيداً أكثر في تفاؤله بالقول: أعتقد أنه لن ينتهي الشهر الحالي إلا ومنبج وتل رفعت مُطهّرتان من قسد.

هذا الانطباع الإيجابي عن القمة لم يكن مقتصراً على معراوي، بل يشاركه به، من حيث قراءة أجواء قمة سوتشي على الأقل، الدكتور نصر اليوسف، الخبير بالشؤون الروسية.

ويقول من ناحيته في حديث مع “أورينت نت”: كل شيء في القمة كان يعطي انطباعاً بالإيجابية فيما يتعلق بتركيا، وهذا لا يقتصر على التصريحات التي رافقتها، بل يشمل كذلك المشاهد التي التقطتها الكاميرات. فبوتين استقبل نظيره التركي بحرارة، وودّعه بحرارة أكبر، وظهر ذلك بوضوح عندما انتبه إلى أنه يقف على درجة أعلى من مستوى سيارة أردوغان وهو يغادر، فهبط ليكون بمستوى العربة، وهذا له معنى يجعلني أعتقد أن أردوغان حصل، إن لم نقل على ضوء أخضر، فعلى الأقل على وعد بغض الطرف عن العملية العسكرية التي تريد أنقرة تنفيذها بشمال سوريا.

بين الانطباعات والتقديرات

هذه الانطباعات الإيجابية التي عبّر عنها اليوسف ومعراوي تبدو مغايرة للانطباع السلبي العام الذي يسيطر على المعارضين السوريين حيال التوجهات التركية الأخيرة، والتي تسبّبت بقلق كبير في أوساطهم، منذ انتهاء قمة دول مسار أستانة التي عُقدت في العاصمة الإيرانية طهران، في التاسع عشر من تموز/ يوليو الماضي، وما تلاها من تصريحات لوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، وصولاً إلى حديث أردوغان للصحفيين في الطائرة التي أقلّته من سوتشي إلى أنقرة.

فمن مطالبة الرئيس التركي بانسحاب القوات الأمريكية من سوريا، إلى إعلان وزير خارجيته استعداد بلاده لدعم نظام أسد سياسياً من أجل عودته إلى المناطق التي تسيطر عليها قسد والتعاون معه من أجل مكافحة الإرهاب، انتهاء بتأكيد أردوغان استمرار التعاون بين أجهزة مخابرات بلاده مع مخابرات دمشق من أجل هذه الغاية.. كلها معطيات ألقت بظلال قاتمة على أجواء المعارضة السورية التي رأت في هذه التصريحات والمواقف، انعطافة تركية سلبية كبيرة تجاه الملف السوري.

عاملان مُقلقان

والواقع فإن هذا الانطباع السلبي يبدو، بل يجب أن يكون، متفهَّماً ومبرَّراً بالنظر إلى عاملين أساسيين:

الأول: أن أنقرة هي الحليف الأخير الصُّلب الذي تبقّى للمعارضة السورية، بعد الانزياحات الكبيرة التي بات عليها الموقف الإقليمي والدولي من نظام أسد خلال السنوات الماضية. ولذا فإن السوريين يرون أن بيضهم الذي وضعوه كلّه في السلة التركية، يبدو مهدداً بشكل نهائي هذه المرة، خاصة مع حديث “محور أستانة الثلاثي” عن ضرورة البدء بخطوات الحل السياسي النهائي للقضية السورية، وهو أمر تريده المعارضة طبعاً، لكنها لا تتمنى بأي حال أن يُنجَز من خلال هذا المسار، الذي إن قبلت به مضطرةً في يوم ما، فعلى أساس أنه مجرد مسار لتمرير الوقت لا أكثر، بانتظار الوقت المناسب لإعادة تفعيل مسار جنيف المدعوم غربياً.

أما عامل القلق الثاني، فيتعلق بالتخوف من أن يتم ربط منطقة إدلب بمناطق سيطرة قسد عند الحديث عن تفاهم بين كل من روسيا وطهران وأنقرة ودمشق، على الاشتراك والتعاون من أجل “مكافحة الإرهاب” في شمال سوريا، حيث تُعدّ هيئة تحرير الشام، كما هو معلوم للجميع، منظمة إرهابية أيضاً، وبالتالي الخشية من أن يتم إطلاق يد “حلف النظام” في إدلب، مقابل إطلاق يد تركيا، بشكل أو بآخر في الشمال الشرقي.

لكن معراوي يستبعد تماماً هذا السيناريو الذي “لا يخدم الإستراتيجية والأهداف التركية في هذه المرحلة” كما يقول، بل على العكس “إن أي توسع لقوات النظام على حساب قسد أو مناطق سيطرة المعارضة، سواء في إدلب أو غيرها، سيؤدي لتدفق مزيد من اللاجئين إلى حدود تركيا وعلى أراضيها، بينما تريد هي التخفيف من عدد السوريين الموجودين لديها، من خلال توسيع مناطق نفوذها في الشمال بما يسمح بإعادة مليون لاجئ سوري على الأقل قبل الانتخابات القادمة منتصف العام ٢٠٢٣ كما هو مُعلن”.

الثمن الروسي

لكن إذا لم تكن هناك أيّ نيّة بتطبيق صفقة تبادل للأراضي بين أطراف أستانة، وإذا كان هناك غضّ طرف روسي وقبول إيراني (بالرّضا أو بالإكراه) حيال عملية عسكرية تركية جديدة ضد “قسد”، فما هو المقابل الذي حصل عليه بوتين من أردوغان وجعله يقبل بذلك؟

سؤال يجيب عنه الدكتور نصر اليوسف بالقول: “إن هذا المقابل تم دفعه سلفاً من جانب الأتراك، ويتعلق بموقف أنقرة من الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية المفروضة على موسكو”.

ويضيف: “الحفاظ على تركيا غير منخرطة في العقوبات، وكـ”سفيرة” لروسيا في الناتو والعالم الغربي، هو أكبر هدية وأغلى ثمن تحصل عليه موسكو. واليوم هناك تهديدات أوروبية لأنقرة بحال مواصلتها العمل كنافذة اقتصادية لروسيا تتيح لها مقاومة العقوبات، لذلك فأنا لا أعتقد أن بوتين سيكون مهتماً بالملف السوري أكثر من اهتمامه بما يحصل عليه هناك، وما يهمه في هذا الملف هو القواعد الروسية وبقاء الساحل “سوريا المفيدة” تحت سيطرته، أما الباقي فليس على هذه الدرجة من الأهمية”.

ما الخطوة التالية؟

قد لا يبدو هذا الكلام، على أهميته، مُطَمئناً بالنسبة للمعارضين السوريين، خاصة مع الحديث المتكرر من قبل المسؤولين الأتراك عن التعاون مع نظام الأسد والاستعداد لتطوير هذا التعاون، وإن كان مقتصراً على الجانب الأمني والاستخباراتي، إذ لا يستبعد أن يكون مقدمة لما هو أبعد من ذلك.

وما هو أبعد من ذلك، ربما يتجاوز ملف التعاون لتقويض “قسد” والتوجه لاحقاً لتطبيع العلاقات، ومن ثم إنهاء الصراع بما يتناسب وإستراتيجية موسكو للحل السياسي في سوريا، السيناريو الذي يبدو أن الدكتور باسل معراوي يستبعده بثقة.

فالرئيس التركي، كما يقول، لم يكشف سراً عندما أعلن أن الاتصالات بينهم وبين النظام السوري مستمرة على مستوى أجهزة الاستخبارات، حيث توجد حدود مشتركة طويلة، كما إن هذه الاتصالات هي كالعلاقات القنصلية، تُبقيها الدول قائمة مهما كان حجم الخلافات السياسية بينهما.

ويضيف: “من المهم التوقف عند تصريح أردوغان الأخير الذي أكد عدم حصول فائدة من الاتصالات الأمنية مع النظام، لأنها كما قال بدون فائدة، والتعويل هو على النتائج، ولا أظن أن نتائج حاسمة أو مهمة سيتحصل عليها الجانب التركي من هذا التعاون، لأن الجميع يعلم مدى ارتباط حزب العمال الكردستاني بالنظام السوري”.

“أما فيما يتعلق بالتطبيع بين أنقرة ودمشق -يتابع معراوي- فأنا لا أرى أي مصلحة لتركيا بذلك، على الأقل قبل تطبيع العرب معه، ونعلم موقف الجامعة العربية من عدم نضوج ظروف عودة النظام لشغل مقعد سوريا فيها، وبالتالي فإن أي تطبيع تركي معه غير ممكن، كما إن عودة قوات النظام إلى مناطق كانت تحت سيطرة قوات قسد لا تخدم الإستراتيجية التركية”.

“أما تمنّي الرئيس الروسي على أردوغان تسوية الخلافات بين تركيا وبين النظام السوري، فهي تمنيات لطالما سعى بوتين من أجل تحويلها إلى واقع، لكنه لم ينجح، وقد فشلت الوساطة الإيرانية مؤخراً لإحداث اختراقة على صعيد العلاقات بين أنقرة ودمشق” يختم معراوي.

تشكل “قسد” تحدّياً أمنياً للدولة التركية، هذا أمر محسوم، لكن مشكلة أنقرة الآن، كما هو واضح، تتمثل في الأربعة مليون لاجئ سوري في تركيا، ورغبة حكومتها بتخفيف هذا العدد من خلال إعادة أكثر من مليون إلى الداخل السوري قبل حلول الصيف القادم، بل وربما مع نهاية هذا العام، حيث تمثّل العملية العسكرية أحد الحلول التي تساعد على إنجاز هذه المهمة، ومن هنا لا يبدو بالفعل أن تبادل أراضٍ مع ميليشيا نظام أسد يساعد تركيا على إنفاذ هذه الإستراتيجية.

لكن بالمقابل، لا يبدو أن الدول الراعية للنظام، إيران وروسيا، تريدان أن تحدُث هذه العملية بدون التنسيق والتعاون المشترك معها، وهذا يتطلب ترتيبات تبدو ملتبسة وغامضة، وتفتح باب التأويلات المقلقة بالنسبة للمعارضة السورية على مصراعيه، خاصة عند التفكير بسيناريو عودة ميليشيا النظام إلى المناطق الحدودية مع تركيا لتحل مكان ميليشيا قسد، على مبدأ “ليس حباً بالنظام ولكن كرهاً بقسد” وهو الأمر الذي لا يبدو مستساغاً على الإطلاق من قبل الثوار السوريين، ليس حباً بقسد طبعاً، ولكن كرهاً شديداً بالنظام.

Advertisements