تخطى إلى المحتوى

الدروس والنتائج المستخلصة من وباء كوفيد – 19

istock 1211946896 1200x629 1 6upeot48qmhq5mb224dievnfvefxa7j8fvru2hbwf6b 1

الدروس والنتائج المستخلصة من وباء كوفيد – 19 الحالية والمستشرفة مستقبلاً وعلى كافة المستويات: دولياً، وتكنولوجياً، واقتصادياً، وسياسياُ، واجتماعياً، وعلمياً، وصحياً، ودور المنظمات الدولية

د. محمد نجم نجم (باحث أكاديمي)

سنتطرق في هذا المقال مباشرة ودون الدخول في المقدمات إلى لائحة لأهم الدروس الحالية والمستشرفة المستقاة من جائحة ما سمي بـكوفيد – 19 (COVID19). سنطرح مباشرة كل درس ونستعرض تحليلا وتقييماُ له، ونقدم الأدلة الداعمة له، ونستخلص النتائج المستجرة منه، وبناء على تلك النتائج نطرح أفكاراُ ومقترحات مبتكرة لتوجهات وحلول آنية ومستقبلية ممكنة أو محتملة.

الدرس 1: نظرية المؤامرة وما يعاكسها وعدم شفافية بعض الدول بالإفصاح عن كافة المعلومات والبيانات فيما يتعلق بحيثيات وباء كوفيد – 19

قد يكون من الأنسب أولاً عرض الأمور بسياقها الصحيح والحقيقي وتجنب عدم المصداقية لكي يتم معالجة مشكلة وباء كوفيد – 19 على أسس واضحة بجوانبها العلمية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والصحية. ما يسمى بفيروس سارس كوف 2 ربما من الأفضل تسميته ووصفه حسب حقيقة منشأه ومصدره. ولا تعتبر هذه التسمية إبخاساُ أو إساءة إلى قوم أو فئة أو شخص بحد ذاته. فنشأة ومصدر الفيروس معروف للجميع ولم يكن مثلاً من كوكب زحل، أو من كوكب المريخ، أو من القطب الجنوبي! وقد يكون من الأنسب نعت الوباء بـ “وباء كوفيد – 19 الصيني” أسوة بـ “الحمى الإسبانية” التي انطلقت من إسبانيا (وإن كان هنالك بعض من الجدل بشان ذلك) والتي انتشرت إلى فرنسا ومن ثم إلى دول أخرى.

إن النظرية العامة الصحيحة هي تلك التي تسمي الأحداث ومصادرها على نحو حقيقي ومن المفترض أن تكون السائدة. أما النظرية التي يدافع عنها ويدلي بها باحثون ومنظمات حقوق الإنسان والطبقة الحاكمة بالصين هي التي من خلالها يحاول البعض ربما تفادي الحقيقة عبر التصريح بأن الفيروس سارس كوف 2 أو وباء COVID19 ليس له جنس او بلد أو صفة خاصة تنعته إلى بلد معين. وهذه التصريحات تقع في صلب جدلية التصريحات التي أطلقتها الصين لاحقاً بعد نشأة الفيروس وانتشاره. وقد ساهمت منظمة الصحة العالمية غافلة في دعمها لهذا التوجه فيما بعد، ففي 08 يناير 2020 أعلنت منظمة الصحة العالمية “أن هنالك نوعاُ جديداُ من فيروسات كورونا قد يكون مصدراُ لإلتهاب رئوي حاد مصدره مجهول وظهر في ووهان الصينية في ديسيمر 2019”. وفي 28 يناير 2020 تم لقاء بين مديرمنظمة الصحة العالمية والرئيس الصيني الذي خلص إلى أن منظمة الصحة العالمية سترسل خبراء دوليين في أقرب وقت ممكن للعمل مع نظرائهم الصينيين على زيادة فهم الوباء بغية توجيه جهود الإستجابة العالمية له. بعد اللقاء عاد مدير منظمة الصحة العالمية وكرر بأن المرض “إلتهاب رئوي مجهول السبب” وبأن مصدر تفشي الوباء ومدى انتشاره في الصين وطريقة انتشاره غير معروفة بعد. ومن ثم انضمت إليهما أصوات أخرى تدعم هذه المقولة الصينية وكانت مواقف تلك الأطراف ربما مبنية على أساس سياسي متقارب مع الصين أو بغية كسب ود الصين ولكن دون إبراز أي حقائق داعمة لمواقفها مبنية على أسس وبيانات ومعطيات علمية وعملية، ودون التحقق من مدى العواقب الوخيمة التي أحدثها الوباء حالياً أو مستقبلاُ بحق البشرية والدول وعلى كافة الأصعدة.

يمكن تقريع أو تفنيد تصريحات الصين بأنها ليست وافية عبر طرح عدة وقائع وجوانب، نستعرضها هنا. فمن جانب أول: لقد صمتت الصين وصحفيها وأعلامها وإعلاميها وحكامها والمشرعين فيها ومن نشر هذا الفيروس على نحو قد يكون غير أخلاقي وانكفأت عن التصريح عالميا عن حدوث وانتشار الوباء في مدينة ووهان وفي مقاطعة هوبي الصينية. وقد كانوا جميعاُ ربما يظنون أن أمر الفيروس سيضمحل بسرعة دون أن تظهر اُثاره داخل أو خارج الصين. إلا أن الأمر لم يمض كما تشتهيه الحكومة الصينية والحزب الحاكم الشيوعي فيها حيث خرج الأمر عن سيطرتهم وعن تكتمهم بعد أن سجلت إصابات ووفيات لصينين خارج الصين في تايلاند والفلبين وفرنسا وبدأت الإصابات تظهر في دول أخرى منها كوريا الجنوبية واليابان وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا. ومن جانب ثاني: هل كانت الصين صادقة في تصريحاتها بأن الوباء بدأ في شهر كانون الثاني 2019! ومن يدري متى تفشى الفيروس في ظل حزب حاكم أحادي يحكم الصين بقبضة فولاذية سياسياً واجتماعياً وانسانياً واقتصادياً وسلوكياً. ومن جانب ثالث: مع منتصف شهر كانون الثاني من عام 2020 عرفت الصين بأن الوباء قد تم انتقاله خارج حدودها إلى دول أخرى كفرنسا وإيطاليا وكوريا الجنوبية واليابان وإسبانيا وايران وبريطانيا وأن انتشاره عبر دول أخرى لا مفر منه وبات مسألة وقت. وبالتالي أدركت الصين وقتئذ وحال توثيق انتشار الوباء خارج حدودها بأنه لن يشار اليها بعدئذ بالبنان ولن يتم نعت الجائحة المصطنعة على أنه يحمل صفة صينية، بل تسميته مسمى آخر ما يؤدي في نهاية المطاف تجنيبها لطخة التسمية الأبدية هذه. وقد يعمل ذلك على أن تنسى الأجيال القادمة ما حدث في الصين من كارثة كبيرة. وربما أن تسمية الوباء على أنه كوفيد 19 (COVID19) سيجنب الصين مشاكل إقتصادية على المستوى العالمي نتيجة حذر الدول والشركات الأخرى من إبرام صفقات تعاقد إنتاجية أو تجارية مع المؤسسات والشركات الصينية. ومن جانب رابع: لقد صرحت الصين في النصف الأول من يناير 2020 بوجود الوباء وانطلاقه من ووهان الصينية وذلك بعد أن بدأت بعض اقتصاديات ومؤسسات الدول الأخرى تصاب بما قد أصاب الاقتصاد والمؤسسات الصينية، وكان ذلك بعد أن رتبت الصين ظروفها الصحية وجندت المستشفيات والأطباء والكوادر الطبية واستجلبت المصادر اللازمة لمقارعة الوباء. وربما قد يظن المرء بأن ذلك يخفي في طياته تصديراً للدعاية السياسية والإقتصادية والصحية بأن الصين قادرة وفاعلة على التصدي والسيطرة على الأزمات الطارئة، وستظهر الصين لاحقا عند السيطرة على سرعة انتشاره والتغلب على شدته بمظهر المنتصر صحيا واقتصاديا وأنها تمتلك أطر ومجتمع صيني متماسك منظم. وكل ذلك ظنا منها أنها ستجني ثمار ذلك عندما يتم ضبط ايقاع انتشار الفيروس بسرعة خاطفة على أراضيها بينما ستظهر الدول الأخرى كبريطانيا وإيطاليا واسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها عاجزة وتترنح اقتصاديا وسياسيا وصحيا واجتماعيا وتنظيمياً بالتصدي للوباء. وجميعها عندئذ سيلجأ إلى الصين في طلب المستلزمات الصحية والتكنولوجية والموافقة على نشر الجيل الخامس لإنترنيت الأشياء (G5) دون شروط او قيود بعد أن بات الأمر ملحا لسرعة تبادل المعلومات. وعلاوة على ذلك ومن جانب خامس: لا زالت السلطات الصينية تخفي المصدر الحقيقي للفيروس، ولا زالت مصرة على أن الفيروس تم نقله من الحيوان إلى الانسان بالرغم من أن السلطات الصينية تنشر الكثير من كاميرات المراقبة والأعين والجواسيس التي تغطي كافة أرجاء الصين ومنها مدينة ووهان. وهنا يثار السؤال التالي يا ترى من ذاك الشخص الذي كان في سوق حيوانات ووهان الصينية البرية وما هو مستواه العلمي والوظيفي وكيف لشخص واحد أو عدة أشخاص لم يتم تحديد صفاتهم وحالتهم الصحية أن ينشروا الفيروس لمئات بل لألاف الأشخاص وخاصة السياح الأجانب منهم! وأيضاُ نشره للقاطنين الصينين أنفسهم والذين يعيشون بعدة أحياء مختلفة متباعدة في مدينة ووهان وعلى نحو عام في مقاطعة هوبي.

وكنتيحة جدلية فإن كل ما تقدم قد يخفي في طياته بأنه على الأرجح أن مصدر فيروس سارس كوف 2 هو مختبرات أكبر معهد لأبحاث الفيروسات التابع للأكاديمية الصينية للعلوم والكائن في منطقة جيانغكسيا في ووهان الصينية والذي يتمتع بمستوى أمان بيولوجي BSL-4 والذي كان قد تم إنشاءه في عام 2003 بمساعدة فرنسية. وقد يكون هنالك احتمال كبير بأن الفيروس خرج من المختبر نتيجة خطأ بشري وليس عن عمد. وقد يكون المسؤولون الصينيون قد علموا بذلك إلا أنهم قاموا عن غير قصد بالتغطية عليه. وربما كانت هذه التغطية مماثلة لما حدث في الإتحاد السوفياتي في الثاني من إبريل عام 1979 عندما نشرت منشأة البحث العسكرية الروسية وعن طريق الخطأ الأنتركاس (ANTHRAX) في مدينة Sverdlovsk الروسية ومنعت أي صحفي أو أعلامي من دخول المنطقة وتم الاعتراف بهذا الحادث لاحقا من قبل الرئيس الروسي بوريس يلسين في مايو عام 1992 (Matthew Meselson et al. 1994, December). إن طريقة معالجة مكافحة هذا الوباء في مدينة ووهان ومقاطعة هوبي الصينية من حيث فرض الحظر الشامل على السكان برمتهم واساليب تنطيف الشوارع والأبنية والأزقة والبيوت ومرأب السيارات قد توحي وتعزز هذا المبدأ وربما تخالف بذلك مقولة الصين ومنظمة الصحة العالمية بأن الفيروس انتقل عبر العدوى عن طريق الحيوانات البرية أو ما كرره مدير منظمة الصحة العالمية في 08/04/2020 أثناء دفاعه عن اتهامات الولايات المتحدة الأمريكية له بعدم الوضوح والشفافية والإنحياز للصين (Luthi, S., Paun, C. 08/04/2020) حيث بقي مصرا على تسميته “التهاب رئوي مجهول السبب” ومكرراُ بذلك تسمية الصين له في 31/12/2019 دون الاستناد إلى حقائق ملموسة لديه. وعلاوة على ذلك فهنالك جدلية أخرى تثيرها الصين حيث أنها بدأت ومع بداية شهر إبريل 2020 وفي إطار ممارسة دعاية إعلامية جديدة تتدعي بأن أراضيها باتت خالية من المصابين بينما يأتي إليها الصينيون المصابون بفيروس سارس كوف 2 من دول أخرى كروسيا ودول أوروبا. وهنا يجب الوقوف عند هذه الدعاية الجديدة التي قد تكون مبطنة بدوافع مسيسة التي الهدف منها تحويل الأنظار إلى أن مصدر الفيروس بات هو تلك الدول. إن ما تحاول الصين جاهدة من خلال هذه الدعاية الأعلامية هو التغطية والنأي بالنفس على أنها كانت هي بالفعل المصدرالحقيقي لهذا الوباء، وأن أفراد الجاليات الصينية لم ينقلوا العدوى للأخرين. وبأن هؤلاء الأفراد الصينيون العائدون إليها من دول اخرى بحلول منتصف شهر مارس وبدايات شهر إبريل 2020 لم يكونوا أصلاً مصابين بوباء كوفيد – 19 عندما غادروا الأراضي الصينية إلى تلك الدول، وإنما تمت إصابتهم فعليا نتيجة لتواجدهم أو قضاء سياحتهم في تلك الدول. وهنا قد ينظر المرء بريبة إلى هذه الدعاية الأعلامية الجديدة ويتساءل كيف للصين طرح ذلك، ويطرح تساؤله لماذا لم يكونوا هؤلاء الأفراد المصابين بوباء كوفيد – 19 هم أصلاً كانوا من فئة هؤلا المصابين به دون أعراض ولكن سمحت لهم السلطات الصينية بمغادرة الصين في شهر ديسمبر 2019 وفي شهري كانون الثاني وفبراير من عام 2020 دون علمها بأنهم مصابون به أصلاً. وللأسف فقد ساهم هؤلاء بتوسيع رقعة نشر الوباء في كل من روسيا والدول الأوروبية، وبالتالي نجم عن ذلك إعطاء صبغة عالمية على الوباء.

وعموما تبقى نظرية المؤامرة وتقصي الحقائق خاضعة لتجاذبات سياسية واقتصادية وعلاقات دولية وخاصة التجاذبات القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وتايوان من جهة، والصين ومن وراءها من جهة أخرى، ولكن في نهاية المطاف لا بد من وجود أليات علمية وعملية للوصول إلى الحقيقة وإثباتها.

لقد تكتمت بعض الدول ولم تكن هنالك شفافية كاملة لإصدارها بيانات ومعلومات حقيقية عن أعداد المصابين ومستوى ومواقع إصاباتهم وتنقلاتهم وخاصة منهم المنتمون للسلك العسكري والإستخبارتي والديبلوماسي كما حدث في الصين والولايات المتحدة الأمريكية وإيران. كما عملت وسائل إعلام على تضليل الرأي العام بإصدار تقارير خاطئة فيما يتعلق بتطورات فيروس كوف 2 وانتشاره وبإنهيار الأنظمة الاقتصادية والأنظمة الصحية في دول أخرى، مثال ذلك وكالة RT and Sputnik الروسيتان ونشرهما تقارير بمعلومات مضللة على ما يقع في أوروبا (Scott, M. 01/04/2020).

الدرس 2: منظمة الصحة العالمية وبيروقراطيتها وتباطؤها بإعلان كافة المعطيات والإجراءات اللازمة مبكراً في هذا الوباء

صحيح أن منظمة الصحة العالمية لها دور كبير في العمل على مكافحة العديد من الأمراض منها مثلاُ شلل الأطفال وإيبولا ونقص المناعة الإيدز وغيرها، وصحيح أيضاُ أنها تعمل على تطوير النظم الصحية في العديد من الدول، وتساهم في مكافحة الشائعات والتضليل على مواقع التواصل الإجتماعي، إلا أنها أخطأت في تقديراتها وقراراتها وبياناتها خلال الفترة الممتدة من كانون الأول 2019 إلى نهاية شهر مارس 2020 فيما يتعلق بوباء كوفيد – 19. فقد أوضحت منظمة الصحة العالمية في 28 يناير 2020 بأنه يمكن لمديرها أن يستأنف اجتماع لجنة الطوارئ في اللوائح الصحية الدولية لعام 2005 في وقت قصير حسب الحاجة، وأن أعضاء اللجنة هم على أهبة الاستعداد ويتم إبلاغهم بانتظام بالتطورات. ولكن تم التأخر بإعلان أن وباء كوفيد -19 هو وباء عالمي إلى 11 مارس 2020، وهذا التأخير أربك عدة دول.

في إطار فيروس سارس كوف 2 كيف تحققت منظمة الصحة العالمية من أن مصدره ناجم عن انتقال الفيروس من حيوان بري؟ وكيف لا يكون قد انتقل عبر عدة حيوانات قبل أن يصل إلى الإنسان؟ ولماذا صدقت المنظمة إدعاءات السلطة الديكتاتورية الحاكمة بالصين بأن الوباء بدأ في ديسميبر 2019؟ ولماذا باتت تخمن هي الأخرى بأن المصدر كان تارة من الخفافيش وتارة من أكل النمل الحرشفي؟ ولماذا لم تشكل لجنة تقصي حقائق تستكشف سكان مدينة ووهان ومقاطعة هوبي الصينية البالغ عددهم قبل الوباء 60 مليونا في مقاطعة هوبي منهم 11 مليون في مدينة ووهان وتنظر بعد انحدار وتقلص شدته في نهاية مارس 2020 في أعدادهم المتبقية على قيد الحياة وفي الأعداد الحقيقية للمتوفين والمصابين منهم.

لقد حدثت أخطاء قد تعد جسيمة من قبل هذه المنظمة وإن المسلسل الزمني لقرارتها وتعليماتها خاصة في بداية الأحداث لوباء كوفيد – 19 يوحي بذلك. فكيف للمنظمة أن تحكم وتؤكد أن بداية ظهور فيروس سارس كوف 2 كانت في ديسيمبر 2019 وليس في وقت أبكر من ذلك، وعلى ماذا استندت من معطيات وحقائق علمية في هذا الإستنتاج؟ ولماذا تأخرت المنظمة في الإعلان عن الوباء بأنه جائحة عالمية؟ وفي صدد التأخر نوجز بما يلي: في 6 مارس 2020 سجلت في العالم أكثر من 100 ألف إصابة، وفي 8 مارس 2020 عزلت إيطاليا منطقة الشمال. في حين دعت منظمة الصحة العالمية في 8 مارس 2020 إلى التزود بأجهزة التنفس الصناعي، وبالتالي فهي كانت على علم مسبق بحدة الوباء على مصابيه وضحاياه في الصين. إلا أنها تأخرت إلى 11 مارس 2020 حتى أعلنت أن كوفيد 19 وباءاً عالمياً ووقتئذ أغلقت الولايات المتحدة الأمريكية حدودها مع 30 دولة. وفي 13 مارس 2020 أعلنت منظمة الصحة العالمية أن أوروبا باتت بؤرة الوباء العالمي، وفي 14 مارس 2020 فرضت إسبانيا العزل الإلزامي وتلتها فرنسا في فرضه في 17 مارس 2020.

كيف يمكن لشخص واحد وهو مدير منظمة الصحة العالمية بأن يقرر مصير البشرية في حالة وباء طارئ بزخم وباء كوفيد – 19 ولماذا هذه البيروقراطية؟ ولماذا لا تكون هنالك قرارات صادرة من لجنة الطوارئ فيها أو من لجنة جديدة طارئة مؤلفة من عدة أشخاص (مثلاً خمسة أشخاص) في رأس الهرم لهذه المنظمة تصدر قرارتها وبيانتها على أساس الأغلبية؟

بالتالي باتت هنالك حاجة ماسة وربما فورية إلى إجراء تعديلات جذرية في أنظمة وهيكلية ومهام وأساليب عمل منظمة الصحة العالمية توخياً للجودة والفاعلية الأمثل، ولكي تكون قادرة وبديناميكية على التفاعل مع أي حدث صحي عابر حاد كوباء كوفيد – 19. وفي هذا السياق قد يكون من الأمثل إنشاء ما يسمى بخلايا الأزمات الدولية الصحية الطارئة وبحيث تستطيع هذه الخلايا من إدارة سريعة واتخاذ القرارات المناسبة والصحيحة على نحو سريع بتحديد مدى خطورة الأوبئة الجديدة على مختلف الدول وعلى البشرية. وعلى المنظمة أن تحصل على شرعية دخولها إلى أي دولة من دول العالم تحل بها جائحة طارئة ما دون إذن من السلطات ودون الإنتظار للحصول على التصاريح اللازمة من مختلف السلطات فيها وخاصة في الدخول إلى البلدان ذات النظم السلطوية. وقد يكون من الأمثل أن تجري منظمة الصحة العالمية في أروقتها تحقيقاً شفافاُ للوصول إلى الحقائق فيما إذا كان هنالك أي تأخير في الإستجابة لوباء كوفيد – 19 واتخاذ القرارت المناسبة في الوقت المناسب، أو إذا كان هنالك أي ارتباطات مسيسة أو أفكار تحزبية أو كان هنالك أي انحيازات مبطنة لبعض الأفراد القائمين على المنظمة والتي هيمنت على أدائهم وتوجيه دفة القرارات الصادرة في اتجاه ما يخدم مصالح جهات دولية ما، أو فيما إذا كان هنالك أية مآرب شخصية أو معطيات مادية تم استغلالها مما أدى إلى تغليب للمصالح الشخصية على الأمور العامة.

الدرس 3: عدم امتلاك الأفراد والمؤسسات الشجاعة وأخلاقيات المهنة في دق ناقوس الخطر في الزمان والمكان المناسب

نقلت شبكة “ABC News” الأمريكية في 08/04/2020 على موقعها على الإنترنت (Margolin J., Gordon J. 08/04/2020) بان ترامب تجاهل تقريرا استخباريا حذر من أزمة وباء كوفيد – 19 منذ نوفيمبر 2019. أين كانت المصادر الأربعة التي سربت الخبر لشبكة “ABC News” الأمريكية ولماذا صمتت هي والمركز الوطني للاستخبارات الطبية التابعة للجيش الأمريكي عن دحض ادعاءات الصين وبيانات منظمة الصحية العالمية التي أفادت بتواريخ مخالفة لذلك والتي أفادت بأن الوباء كان قد بدأ في ديسمبر 2019. فماذا كانت تخشى هذه الجهات ومن منعها عن إعلان المعلومات على مواقعها وفي وكالات الأعلام طالما أن لديها معلومات وتقارير مثبته ومؤكدة ناتجة عن تحليل اعتراضات لاسلكية وسلكية وحاسوبية مدعومة بالأقمار الصنعية والتي تشير إلى وجود عدوى تنتشر في منطقة ووهان الصينية وتغير نمط الحياة والأعمال وتشكل تهديدا للسكان.

لقد كان نشر المعلومات والتقارير من قبل تلك الجهات وحسب ضوابط أخلاق المهنة وتغليب سلامة الشعب أمر ضروي وواجب أخلاقي وإنساني لتجنيب الناس خطر الوباء وتجنب زهق الأرواح ولوصم صفة الوباء على أنه “فيروس صيني” وليس عولمته. إن وصم الوباء على أنه صيني سيؤدي إلى أن تتحمل الصين لاحقا عواقبه الوخيمة على كافة المستويات والمجالات وعلى مستوى تغيير سلوك المجتمع الصيني والحزب الشيوعي الشوفيني الحاكم في الصين.

على الرغم من توافرمختلف الوسائل التكنولوجية ووسائل الإتصالات المكتوبة والمسموعة والمرئية التي من خلالها يمكن لقاطني منطقة ووهان الصينية أن ينشروا انطلاقة الوباء وبأن هنالك وباء قاتل يجتاح مدينة ووهان ومقاطعة هوبي إلا أنه لم يمتلك أيا منهم الصفة الأخلاقية أو الإنسانية والجرأة على دق ناقوس الخطر داخلياً أو خارجياً على الرغم من أنهم كانوا يرون أفراد أسرهم وأقربائهم واصداقهم يتألمون ويموتون أمام أعينهم سواء بالبيوت أو في وحدات العناية المركزة. وبالتالي من ذاك الذي سيثق بعد حادثة فيروس كوف 2 بالحكومة الصينية وببياناتها ومختلف مؤسساتها وشركاتها العاملة داخل البر الصيني.

أين كان الصحفيون الصينيون ووسائل الأعلام الصينية المسموعة والمرئية ولماذا صمتت هي الأخرى عن الإعلان عن هذا الوباء. وأين كانت منظمة الصحة العالمية ولماذا لم يكن في صلب عملها ميكانيزم إلزامي ينص على تلقيها تقارير من مختلف الأطباء وفي أي بلد حول العالم عندما يشك أحدهم بأمر وباء جديد ولماذا البيروقراطية والهرمية في قرارات وبيانات هذه المنظمة عندما يتعلق الأمر بوباء قاتل على مستوى البشربة جمعاء.

من جانب آخر لم يبح الصينيون العاملون في أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو كندا أو غيرها من الدول عند قدومهم من ووهان وهوبي الصينية إلى مراكز عملهم في هذه الدول بما حدث ويحدث في بلادهم وادى ذلك إلى إنتشار وباء كوفيد – 19عن طريقهم وانتقاله إلى زملائهم في العمل، وأوضح مثال على ذلك ما حدث في شهر كانون الثاني في شركة فيباستو غروب Webasto Group في ميونخ عندما نقلت إمرأة صينية الفيروس لزميلها الذي نقله بدوره لزميله في العمل والتي عرفت باسم “سلسة ميونخ”. كان من المفترض وحسب أخلاقيات المهنة والعمل أن يخبر هؤلاء الصينيون القادمون من الصين إلى ممارسة أعمالهم في دول أخرى عن ما كان يحدث في مدينة ووهان وفي مقاطعة هوبي ولكنهم لم يفعلوا ذلك، وربما كان ذلك بدافع خوفهم من فقدان وظائفهم. إن سوء تصرف هؤلاء الأفراد والتستر على الحدث أديا إلى سوء انتشار الوباء أكثر فأكثر في تلك الدول. كما ساهم ذلك في عدم دق ناقوس الخطر لدى سلطات تلك الدول كي يتخذ بناء عليه المسؤولون والمؤسسات الصحية في تلك البلدان القرارات المناسبة في عمليات الإغلاق في وقت مبكر.

الدرس 4: قصور في دور الإستخبارات الأمريكية والروسية والبريطانية وغيرها في تقصي بدء ونشأة إرهاب وباء كوفيد – 19

لماذا تتسارع الإستخبارات في مختلف دول العالم بتبادل المعلومات فيما يتعلق بالإرهاب الدولي وما تنعته منه بالإرهاب الإسلامي. وأين كانت تلك الدوائر غائبة عن الوعي في تبادل معلومات الإرهاب المنبثق عن فيروس كوف 2 الصيني المنشأ. لماذا لم تتبادل الاستخبارات الصينية معلومات إرهاب وباء كوفيد – 19 في مقاطعة هوبي الصينية مع باقي دوائر الاستخبارات حول العالم علما أنها كانت تعلم ومتيقنة أنه خرج عن السيطرة وسيستفحل أمره ويتوسع إلى إرهاب مواطني وكافة المجالات الأخرى في كل دول العالم.

لقد فشلت المخابرات الأمريكية والروسية والبريطانية في تقصي إرهاب وباء كوفيد – 19 على الرغم من كافة الموارد البشرية والتكنولوجية والوسائل والتمويل المتاح لها. أين الجواسيس وأين الأقمار الصنيعة واين وسائل الاستطلاع وأين الكاميرات المخفية ووسائل التنصت ووسائل الولوج إلى وسائل الإتصالات في الدول الأخرى ومنها الصين التي تشكل خطرا على كل منهم؟ كيف خفي على تلك الوسائط كم الحركة داخل ووهان وهوبي والدخول إليهما والخروج منهما قبل إخضاعهما للحجر الكامل؟

مستنيرة بتقرير وزراة الصحة العامة في تايلاند في 13/01/2020 عن أول حالة إصابة مؤكدة للمرأة الصينية البالغة من العمر 61 عاماُ وعن تنقلاتها داخل الصين قبل وصولها إلى تايلاند لماذا لم تتطلب أي من الإستخبارات الأمريكية أو الروسية أو البريطانية أو السلط في هذه الدول أو منظمة الصحة العالمية من الصين بالسماح بدخول فريق من علماء الأوبئة إلى مدينة ووهان ومقاطعة هوبي الصينية للحصول على عينات من الناس والحيوانات والطيور والتربة والمنازل والأسواق والماء والصرف الصحي ويصاحب هذا الفريق فريق أخر من خبراء التكنولوجيا والجنائيات لمراجعة كاميرات التصوير وحالة المظاهر العامة التي سادت مدينة ووهان ومقاطعة هوبي وكذلك الدخول إلى معهد أبحاث الفيروسات التابع للأكاديمية الصينية للعلوم في ووهان وكل ذلك لغاية تقصي مصدر فيروس سارس كوف 2 ومعرفة الحقائق حول مصدره.

من حق الشعوب وفق “مبدأ تعظيم المصالح” والتي تدفع مخصصات هؤلاء العاملين في الاستخبارات وتكاليف مختلف وسائطهم أن تستدعيهم بل وتجبرهم على نشر التقارير التي يمتلكونها على الملأ. إن حجة كون التقارير سرية جداُ لم تعد مجدية ويجب حذفها كاستثناء تحت وطأة إرهاب فيروس سارس كوف 2 الصيني المنشأ. إن أخلاقيات تأدية الواجب وجعل حماية متطلبات الشعب هي الأعلى وتتطلب ممن هم مسؤولون في قمة الاستخبارات أن يتقدموا على نحو شفاف إلى نشر أقوالهم وتقاريرهم حتى يكون الشعب على اطلاع كامل من جانب أول، ومن جانب أخر معرفة من كان مقصراُ في اتخاذ القرارات الفاعلة في مواجهة إرهاب كوفيد – 19 في كل دولة.

الدرس 5: هشاشة النظم الصحية القائمة في معظم الدول ومنها دول متقدمة أمام جائحة جديدة جائرة تتطلب وحدات العناية المركزة

لقد عرى وباء كوفيد – 19 النظم السياسية الديكتوراية أو الديموقراطية في مختلف الدول ومدى ما وظفته في نظمها الصحية ومدى نجاعة هذا التوظيف والقدرة على وجود دلائل لترشيد توظيف الموارد والكوادر في محلها عند الكارثة. كما عرى كوفيد – 19 أيضاُ البنى الهيكلية والأطر الصحية في كل دولة وبين أن تلك الدول وتلك الأطر والمؤسسات لم تأخذ بحساباتها أي خطط طوارئ صحية لأي جائحة. لقد كان هنالك نقص في مختلف المستلزمات الطبية ومستلزمات الوقاية للكوادر الطبية وأجهزة الفحص وأجهزة التنفس الصناعي.

لقد عرى وباء كوفيد – 19 نقص قدرة النظم الصحية على التعاون فيما بينها على كافة المستويات من المستشفيات إلى الولايات إلى الدول. فجميعها لم يكن مستعدا لحدوث جائحة عارمة. وبات كل منها همه المحاولة في توسيع آمد الوقت لاطول ما يمكن قبل الوصول إلى الذروة. وطبقت معظم النظم السياسية استدعاء الجيش وتطبيق الإنتاج العسكري (DPA) كما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية (Forgey, Q. 24/03/2020)، وتم ذلك لأجل التغطية على التأخر في اتخاذ تلك النظم قرارات الإغلاق في وقت مبكر والذي كان مفترضاُ إتخاذه قبل أن يتوسع إنتشار الوباء في الولايات والمقاطعات والمدن. ولكن استداع الجيش كان له جانبان إيجابيان الأول الذي تمثل عبر مساهمة الجيش في النظافة العامة ومساعدة الكوادر الطبية والمواطنين والحفاظ على الأمن والسلامة والتباعد الإجتماعي. والجانب الإيجابي الثاني تمثل في إلزام الشركات بزيادة إنتاجها من مختلف المستلزمات والأجهزة الطبية على وجه السرعة وتغطية السوق المحلية أولاً.

إن الهلع والخوف الذي دب في كل دولة كان بمجمله ناجم عن ماذا سيحدث فيما لو انهار النظام الصحي فيها نتيجة لاخطاء السلطة الحاكمة ومؤسسات الرعاية الصحية باتخاذ القرارات بالإغلاق مبكرا وتفادي الوصول إلى قمة ذروة عالية المطال. حيث نجحت ألمانيا وكوريا الجنوبية واليابان في ذلك مبكراُ وبالطبع الصين التي كانت على علم مسبق بكافة معطيات ومعلومات الوباء ومصدره وتأثيره. بينما فشلت بعض الدول الأخرى باتخاذ قرارات الإغلاق في وقت مبكر ومناسب كما حدث بشمال إيطاليا وبريطانيا وفي ولاية نيويورك الأمريكية وبالتالي لم يكن هنالك مناص من وقوع خسائر بشرية وإقتصادية كبيرة.

نتيجة لما تقدم ومع تلاشي مستويات الذروة لوباء كوفيد – 19 بحلول شهر مايو إلى جون 2020 كما هو متوقع، فإنه ستظهر أمام كافة المؤسسات الطبية فائض في احتياجاتها لأجهزة التنفس الصناعي ووسائل الفحص وغيرها من المستلزمات الطبية وفائض في البنى الإضافية الجانبية التي تم بناؤها للتصدي لذروة وباء كوفيد – 19. وهنا سيقع على عاتق مختلف الإدرات التحضير لأدلة وخطط لكيفة ترشيد تلك الموارد والمحافظة على مستويات معقولة منها للتصدي لأي عودة لظهور الوباء على نحو شرس خاصة في فصول الخريف والشتاء القادمة. وقد يتطلب الأمر إصدار قوانين بتخزين الفائض من تلك المستلزمات في المخزون الوطني العام للدولة.

الدرس 6: كشف وباء كوفيد – 19 وجود نقص بالمعلومات ووجود قصور تكنولوجي بيولوجي كيميائي في توفر أجهزة طبية وإجراءت تشخيص ذات قدرة كشف عالية الدقة وموثوقة عن الوباء

هل قائمة الأعراض التي تم الإعلان عنها من مختلف الجهات الصحية والبحثية في العالم لتحديد من هو مصاب وغير مصاب بوباء كوفيد – 19 كانت نهاءية وكافية؟ إن المعلومات المتوفرة عن فيروس سارس كوف 2 لا زالت في مهدها ولا زالت غير كافية لإعطاء بيانات قاطعة عن أعراض المرض. ولقد تم تحديد قائمة الأعراض من قبل الجهات الصحية ومنظمة الصحة العالمية بناء على معلومات وخبرات سابقة تتعلق بأعراض الأنفلونزا وأعراض ما فيروسات فصيلة كورونا السابقة. إن عدم معرفة الأعراض بمختلف أنواعها هو بحد ذانه إرباك للكشف عن من هو مصاب ومن هو غير مصاب بكوفيد – 19. إضافة إلى ذلك لا زال هنالك نقص في المعلومات المتعلقة بمفهوم تحديد عتبات شدة المرض بكوفيد – 19 وما هي مجالات قياسها. فحتى تكون هنالك أجهزة كشف فعالة ينبغي أولاً تحديد مفهوم قياس عتبات شدة المرض هذه، كما أن شدة المرض وعتباتها واختلاف الأعضاء المتأثرة به في الجسم تتقاوت بين مصاب ليس لديه أعراض إلى مصاب لديه أعراض حادة. وبالتالي ونتيحة لنقص المعرفة هذه فهل كانت أجهزة الكشف عن الوباء تعمل في كشف مختلف الحالات المصابة بفيروس سارس كوف 2 وخاصة تلك الحالات التي لا تظهر عليها عوارض المرض، وأيضا تلك الحالات التي تحتوي العينات فيها على كثافة من فيروسات سارس كوف 2 أقل من دقة القياس لتلك الاجهزة؟ والجواب هنا لا. إن النتائج السلبية الخاطئة (False-negative test results) التي فيها يتم إعلام الأشخاص بأن ليس لديهم إصابة وهم في واقع الأمر مصابون أربكت القائمين على الرعاية الصحية ومتخذي القرار نظراُ لعدم الدقة والوثوقية في نتائج الإختبارات (DePillis, L., Chen, C. 10/04/2020). عموماُ لا يوجد إختبار تشخيصي بدقة 100%، أفاد (Gallagher, J. 13/02/2020) أن الفحوصات “RT-PCR” التي تستخدم بالطب لتشخيص الفيروسات مثل الإيدز والأنفولونزا هي فحوصات موثوقة وبنتائج سلبية – خاطئة أو بنتائج إيجابية – خاطئة منخفضة جداً. ولكن دراسة في جورنال الأشعة (Journal Radiology) أظهرت أن 5 من 167 مريض كانت نتائجهم سلبية على الرغم من أن التصوير الشعاعي للرئتين يبين أنهم مرضى، وقد بينت فحوصات لاحقة بأن نتائج فحصهم كانت إيجابية وأنهم مصابون فعلاُ بوباء كوفيد – 19.

إن هذه الفحوصات غير الدقيقة والموثوقة ستؤثر على قرارت التخفيض لإجراءات الحجر والتباعد الاجتماعي بوثوقية عالية. ولقد أظهر وباء كوفيد – 19 أن أي وباء جديد قد يتطلب تطوير أجهزة وخوارزميات وأساليب فحص سابقة، أو تحديث إجراءات تشخيص سابقة، أو تطوير وسائل وإجراءات تشخيص جديدة أكثر دقة ووثوقية. كما أظهر فيروس سارس كوف 2 قصراً تكنولوجيا لدى جميع المؤسسات العسكرية ومراكز بحثها البيولوجية بأنها لا تمتلك أجهزة إنذار مبكر أو أجهزة فحص لجائحة ميكروبية فيروسية جديدة وبالتالي لم يكن لتلك الجهات دور فاعل في التخفيف أو الحد من انتشار وباء كوفيد – 19 أومعالجته حتى على الصعيد الوطني.

إن طلب الجهات الصحية في عدة دول من المصابين أو المشتبه بأنهم مصابين إلى التوجه إلى مراكز الفحص العامة هو إجراء قد لا يكون صائباُ. فهنالك احتمالات لأن تحدث في هذه المراكز فجوات أو هفوات قد ينجم عنها إنتقال المرض من شخص مصاب إلى شخص أخر مشتبه بإصابته ولكنه لم يكن مصاباُ. إضافة إلى أن الفيروس وظروف حضانته تختلف من مصاب إلى أخر مما قد يعقد الأمر. وبالتالي قد يكون من الأمثل أن يكون الفحص فردياً وشخصياُ دون تجمعات ضارة. والأكثر مثالية من ذلك هو توفر أجهزة فحص فردية رخيصة التكلفة والتي يمكن شراءها أو يمكن استئجارها وعلى أن تكون تلك الأجهزة قادرة على إعطاء نتائج الفحص على نحو سريع وفعال وبدقة عالية.

من جانب أخر أظهر فيروس سارس كوف 2 أنه لم تكن المستشفيات تمتلك أجهزة سريعة لتعقيم مطلق 100% خاصة للكمامات والفضاء العام داخل غرف وممرات المستشفيات، وبالتالي قد يكون هنالك فرص سانحة للشركات بإنتاج مثل هذه الأجهزة مستقبلاً مستخدمة مثلا الأشعة فوق البنفسجية بعيارات وأطوال موجات غير ضارة للإنسان.

الدرس 7: دور التكنولوجيا والفضاء الافتراضي للتذليل من إجراءات العمل والإدارة والتعليم والتجارة والتسوق عن بعد، والحريات الشخصية، وبزوغ تكنولوجبات جديدة

بدأ الناس مع دخول الحظر في كل دولة بالتكيف مع الوضع الطارئ واكتشفوا أن بإمكانهم العمل والتواصل عن بعد وبطرق قليلة التكاليف وصديقة للبيئة عبر الاتصالات الرقمية واستخدام الإنترنيت وتطبيقات مؤتمرات الفيديو والتواصل الإجتماعي فيسبوك وواتس أب وإنستغرام وتوتير وماسينجر وغيرها. كما قام العديد من مواطني دول العالم الثالث حديثا بإدخال خدمة الإنترنيت إلى منازلهم. وقام العديد منهم ايضاً وربما لأول مرة بشراء أجهزة حواسيب وأجهزة نقالة محمولة وتسوق لحاجياتهم عبر الإنترنيت. وبهذا ستنمو في السنين القادمة التجارة الإلكترونية نموا كبيراُ. كما تكيفت عدة شركات على إنتاج المستلزمات والأجهزة الطبية التي لم تكن ضمن خطوط إنتاجها سابقاً ونذكر منها كمثال شركة فورد وجنيرال موتورز حيث دخلت على خط انتاج أجهزة التنفس الصناعي.

حرصا على التباعد الإجتماعي نقلت العديد من مؤسسات التعليم والجامعات المحاضرات والوظائف والإمتحانات والمناقشات لتكون عبر الإنترنيت وخاصة عبر استخدام نظم إدارة التعليم (Learning Management Systems). وهنا ظهرت عيوب مؤسسات التعليم والجامعات خاصة منها الواقعة في دول العالم الثالث التي هي بحد ذاتها في الأصل تمتلك بنى تكنولوجية متهالكة متأخرة نظرا للواقع الاستبداي في تلك الدول وعدم رصد الأموال الكافية للتطويرات التكنولوجية فيها. فتجلت العيوب في افتقار تلك المؤسسات والجامعات للمحتوى الرقمي إضافة إلى نشوب صعوبات في مهام التعليم والتقييم عن بعد وعدم امتلاك الكوادر التعليمية للخبرات اللازمة. علاوة على ذلك هنالك العديد من الطلبة والأسر برمتها لا يمتلكون أصلاً حواسيب أو هواتف نقالة. لقد أحدث وباء كوفيد – 19 إرباكاً للعديد من المؤسسات التعليمية ومنها على سبيل المثال مؤسسات التعليم العراقية والمغربية والمصرية نظراً لأن تلك المؤسسات لم تضع بعد الخطط المناسبة للتعامل مع الحدث. وحتى في دول متقدمة ظهرت مشاكل في التعليم عن بعد للطلبة القاطنين في الأماكن النائية والبعيدة عن مراكز المدن (Rural Areas).

سيفتح كوفيد – 19 طرقا وأفاق وإبداعات جديدة في الفضاء الإفتراضي وتكنولوجياته ويدعوا ذلك إلى الحاجة إلى تطوير للبنى التكنولوجية ومختلف وسائل الإتصالات ووسائل التواصل ورزم الكيان اللين والكيان الجامد على المستويين المحلي والعالمي. سيؤدي هذا التطوير إلى متطلبات جديدة لتفعيل شبكات سريعة لنقل المعلومات وإلى متطلبات جديدة في حماية البيانات وأمن المعلومات. إضافة إلى تطوير في رزم البرميحات والتطبيقات لأساليب التواصل الحالية بين الأفراد والعاملين كاستخدام فيسبوك لايف، وزوم المحدّث، وغوغل ميتينغ للمؤتمرات المرئية. وسيكون هنالك أيضاُ إبداعات جديدة كليا في بروز تطبيقات أخرى في العديد من المجالات سواء على مستوي الأفراد أو المؤسسات أو الشركات أو الحكومات، والاستخبارات والجيوش. كما سينمو الكيان اللين والجامد المفتوح (Open Source) ليقدم خدمات وتسهيلات مجانية على مستوى العالم.

فعلى سبيل المثال، على مستوى التعليم عن بعد، ستظهر أساليب تعليم إضافية ومناهج تعليم جديدة في مجالات العلوم، والعلوم التطبيقية وخاصة فيما يتعلق في إنجاز التجارب المختبرية، والمشاريع العملية، ومشاريع التخرج، وإجراء التجارب المختبرية عن بعد. وستظهر شركات جديدة لتقدم وسائل وأدوات ومجموعات تجريبية (Kits) تستعمل فرديا في المختبرات المنزلية إضافة إلى تقديم أجهزة فحص مبسطة وبأسعار رخيصة. وسيظهر أيضاً تعزيزا كبيرا في إجراء التجارب والمشاريع عن بعد عبر الواقع الإفتراضي وعبر رزم النمذجة التي تستخدم عن بعد، وقد يكون للذكاء الاصطناعي وللروبوتات والطائرات المسيرة دوراُ هاما في ذلك.

سيشهد العالم في إطار وباء كوفيد – 19 حالياُ ومستقبلاً تقييد للحريات الشخصية تحت عنوان متطلبات عدم الإصابة به ونشره للأخرين. وفي هذا السياق ستظهر أشياء الأنترنيت – المبنية على الذكاء الاصطناعي والتي سيرتديها أو يلبسها إجباراً كل فرد في كل مجتمع. وستعمل أشياء الأنترنيت هذه على قياس تغييرات درجات الحرارة، وتغييرات نبضات القلب، وتغييرات التعرق ومكوناته، وتغييرات الصوت، وتغيير التحكم والتوازن لكل فرد وسيتم إرسال هذه المعطيات إلى مراكز جمعها لتحليلها واتخاذ القرار. وسيكون من ضمن البيانات تلك: اسم الفرد، عنوانه، رقم هاتفه، ومكان تواجده، وربما يتم عندئذ استخدام الكاميرات أو الطائرات المسيرة لتحذيره ولمعرفة من كان يصاحبه. وسيكون المستفيد الأكبر من هذا التحول هي شركات التكنولوجيا الرقمية والإنترنيت. وفي إطار تقيد الحريات الشخصية ستظهر إجراءات قانونية وتطبيقات تكنولوجية تقيدها تحت مفهوم “تتبع مخالطي المصابين بوباء كوفيد – 19 ” وبالتالي حصر تحركات الأفراد سواء أكانوا مصابين فعلاُ أو مشتبه بإصابتهم وهذه التقييدات ستشكل سلسلة طويلة خاصة بين أفراد العائلات المترابطة أو أفراد المجموعات الدينية والعرقية.

وقد تتحول مستقبلا المباريات كسباق الخيل والهجين والألعاب الأولومبية الى إجراء تلك المباريات دون سفر اللاعبين وإنما ستتم المسابقات كالجري والقفز وألعاب القوى ومسابقات السباحة ورمي الرمح كل في بلده من خلال مضامير مخصصة لذلك – ومع مرعاة تغييرات الحرارة وطبيعة سطح المضمار وسرعة الرياح والرطوبة من بلد لأخر ليتم نقلها عبر الإنترنيت الى مجموعة التحكيم والمشاهدين.

من جانب أخر ستظهر صناعات ناشئة جديدة منها تصنيع الآلات والمعدات المتطورة الذكية، والإنترنيت الصناعي، وصناعات جديدة صديقة للبيئة. علاوة على ذلك ستتطور مختلف وسائل النقل الذكية. إضافة إلى ذلك سيحدث تطوير على قواعد المعطيات والمعلومات وعلى أدوات التقصي فيها بما يخدم مصالح السلط والمؤسسات في معظم الدول وقد يكون ذلك على حساب مفاهيم الخصوصية الشخصية. وسيكون للطائرات المسيرة دور كبير في المراقبة والتجسس على الأفراد والمؤسسات عبر ربطها لاسلكيا بمراكز متخصصة في تحليل تلك البيانات.

ونتيجة لأزمة وباء كوفيد – 19 تحاول الصين ضمن استراتيجيتها السيطرة على قسم كبير من التكنولوجيات عبر المساهمة في الشركات في دول أخرى أو عبر التدويل. وهي في ذلك تعمل على إنشاء مراكز لتحقيق ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بحيث يتم ذلك عبر إنشاء شركات ناشئة في هذه الدول ولكن إدارتها تكون من الصين، وتعمل أيضاً على تعزيز دور اللجان الوطنية الصينية للمقايس في منظمة المعايير الدولية (أي. أي. سي) (Bruyere, E., Picarsic, N. 11/04/2020)؛ وهنا يجب أن يتنبه الغرب والولايات المتحدة الأمريكية إلى ذلك وعدم استبدال تفشي وباء كوفيد – 19 بتفشي وباء أسوأ منه وهو “وباء الاستبدادية ” وخاصة ما يسمى بوباء الاستبدادية الصينية وانتقاله جزئياً إلى دول أخرى.

الدرس 8: عدم توفر أدلة “الاخلاقيات الطبية” في حالة الجائحات، وأخلاقيات العلاقات الدولية، وأخلاقيات المجموعات والأفراد التي ترتبط بقوانين واضحة

عموماُ تتوفر كتيبات وأدلة لأخلاق المهنة في إطار الأحوال العادية لمختلف المهن ومنها مهن المحترفين كالمهندسين والأطباء. ولكن ما كان ينقص في تلك الأدلة أو في توابع أدلة كملاحق لها هي وجود بنود عامة وخاصة تشرح وتحدد مفهوم “أولية المعالجة للمرضى في العناية المركزة في حالة الأوبئة الطارئة الحادة”، ولا بد لكل منظومة صحية بكل دولة من تشكيل دليل لهذه الأخلاقيات. فإيطاليا مثلاً اتخذت معيار السن كمعيار للأولوية. بينما في ألمانيا تم رفض المفاضلة بين المرضى على أساس العمر والحالة الإجتماعية، وكان ذلك نتيحة لعدم وجود إصابات كثيرة حادة في ألمانيا وكان متوافراُ فيها ما يكفي من المستلزمات الطبية واجهزة التنفس الاصطناعي، ومع ذلك قدمت ألمانيا للأطباء دليل مفاده أنه إذا لم يكن هنالك إلا خيار المفاضلة لعدم كفاية الأجهزة فإن قرار الاختيار يخضع لثلاثة شروط وهي: دخول المريض فعليا في غيبوية، وأن يكون المريض ميؤوساً من علاجه وتعافيه، وأن يكون البقاء على قيد الحياة لا يمكن ضمانه إلا بالبقاء بالعناية المركزة. ويتم تقييم حالة المريض بناء على معايير ذات صلة بدرجة مستوى الخطر الذي يتهدد المريض، وهي: درجة الوعي، وفقدان الدم، ودرجة الحرارة، ومدة المرض، ومستوى الآلم. أما في بريطانيا فكانت التوجيهات من الحكومة باعتماد ثلاثة معاييروهي: شدة المرض الحاد، ووجود أمراض مزمنة سابقة، ودرجة وعي المريض. كما سنت بعض الولايت الأمريكية اقتراحات بمتى يمكن أن يتم ترك أشخاص معينين من دون جهاز تنفس وحددت في هذا الإطار:- مرضى الشلل الدماغي، ومرضى التوحد، ومرضى الخرف المتقدم. وهنا يجب أن تتساءل الولايات الأمريكية ألباما، وبوتا، وتينسي لماذا لم يتم منذ زمن طويل إنهاء حياة مرضى الخرف والشلل والتوحد بالقتل الرحيم وعدم الإنتظار إلى أن تحدث جائحة كوباء كوفيد – 19، وهذا هو قتلهم كما كان يفعل هتلر النازي. ومع ذلك تبقى مختلف الحكومات مسؤولة أمام شعوبها أخلاقيا عن تقصيرها بعدم توفير الرعاية الصحية والمستلزمات الطبية المناسبة وترشيد المبالغ المخصصة للصحة في ميزانياتها على أسس علمية مدروسة بعناية. ومن المفترض أن لا تترك الدول رعاياها تحت رحمة وثائق وتوجيهات من أفراد في السلطة فحالة الطوارئ هي حالة عائمة وعرضية عابرة وعرضة للتغيير. وعليه يجب عدم إهمال أي مريض وإنما تقديم كل سبل الرعاية الصحية له مع تقديم الرعاية الصحية التلطيفية حيثما أمكن. إن حفظ الحياة والعدل والمساواة وتحقيق قدر عال من مصالح الناس أمر يجب أن يكفله القانون. وبالتالي لا يجوز إهمال المرضى عندما يصبحون بحالة حرجة فمعظم هؤلاء قدموا مساهمات سابقة في مختلف مناحي المجتمع.

لم تتوافر لدى معظم الدول قوانين واضحة تتطرق إلى كيفية معاقبة هؤلاء الأفراد والمجموعات الذين لا يمتلكون أخلاقيات الحرص على أنفسهم ولا على الحرص على الأخرين في منع إنتشار الوباء. وقد ظهرت سلوكيات لأفراد ومجموعات وهم يسعون عمداُ إلى نشر الوباء من خلال لعق المقابض والمقاعد، وأبواب الباصات والقطارات وغيرها ومنهم من كان سليماُ وأصابه المرض نتيحة لتصرفه المتهور. لا بد من أن تسن الدول قوانين صارمة واضحة تتعامل مع مختلف مكونات المجتمع في حالة الأوبئة والأزمات الطارئة. كما لا بد من وجود قوانين واضحة تحدد أسس معاقبة هؤلاء المحتكرين لمقدرات وقوت الشعب سواء أكانوا أفراد أم مؤسسات.

لقد قامت بعض الدول بالاستيلاء على مستلزمات وأجهزة طبية كانت في طريقها إلى دول وشعوب أخرى هي كانت في أمس الحاجة إليها من الأخرين. لقد مارست هذه الدول في قيامها بذلك أعمال القراصنة وعصابات المافيا. بالتالي لا بد من ظهور قوانين دولية وجهات دولية مخولة بمحاسبة تلك الدول والسلطات القائمة بها وجلبها للعدالة.

لا بد من وجود جهة علمية تقرر على المستوى الدولي من له الأرجحية في تلقي العلاج والحفاظ على النفس البشرية. ولا بد من بناء سياسة عامة لكل دولة تحدد معيار الأسبقية التي تنفذها المستشفيات في حالة الطوارئ العابرة.

الدرس 9: هل تعلمت السلطات والمؤسسات العسكرية ومراكز بحثها في الأسلحة البيولوجية الدرس من وباء كوفيد – 19

هل تعلمت السلطات والمؤسسات العسكرية ومركز بحثها في الأسلحة البيولوجية حول العالم الدرس من وباء كوفيد – 19 بأنه يجب وقف تطوير تلك الأسلحة لغاية قتل البشر، وإنما إبقاء وتوجيه تلك الآليات والموارد لغاية البحث العملي وأيضاً لغاية تطوير علاجات مناسبة ضد وباء كوفيد – 19 وفصيلته وضد أوبئة مستقبلية محتملة أو أي أوبئة قد يجلبها هجوم فضائي من عالم أخر على الأرض.

لقد أظهر فيروس سارس كوف 2 أو وباء كوفيد – 19 (COVID19) عجز مراكز الأبحاث والتكنولوجيات العسكرية التي من المفترض أن تكون السباقة إلى الكشف عن الفيروسات والميكروبات بدقة عالية وأفضى على نحو مؤكد إلى أنها لا تمتلك مثل هذه الأجهزة والوسائل ولا حتى أساليب الوقاية منها أو أساليب المعالجة. وهذا يشير إلى أن الأبحاث كانت منصبة ومركزة أكثر نحو تطوير الأسلحة البيولوجية (الفيروسية، والبكتيرية، والفطرية) التي ستقتل البشر بينما كان هنالك قصور بحثي في العمل على تطوير أجهزة الفحص ووسائل الوقاية واللقاحات وتوفيرها لكافة المواطنين وليس فقط للطبقة الحاكمة وعناصر الجيش ومالكي رؤوس الأموال.

وهنا نتوجه أولا إلى كافة السلطات في دول العالم ونقول لها أما آن الأوان لوقف تطوير الأسلحة البيولوجية طالما أصبحتم جميعاٌ على دراية ومعرفة بما أحدثه وباء كوفيد – 19 على كافة الصعد في دولكم وفي جماهيركم وعلى مستوى العالم؟ ونتوجه أيضاُ إلى هؤلاء الباحثين والعاملين في منشآت ومعاهد الأسلحة البيولوجية بنفس السؤال ونضيف إليه أن يتم تكريس أبحاثهم لغاية خدمة البشرية وإجراء أبحاث لتصميم وتطوير نظم ووسائط فحص فاعلة لها وتطوير قواعد المعرفة (KBs) وقواعد المعطيات (DBs) وتحسين معلوميات الصحة (Health Informatics) وتطوير المعلوميات البيوليجة والكيميائية. وكل ذلك بما يخدم تحسين إجراءات السلامة من مختلف الأوبئة عبر إجراء البحوث للتعرف على أوبئة جديدة وإجراء ابحاث لأجل التصدي لها وإيجاد اللقاحات مباشرة لها، وبحيث تكون الإنسانية جاهزة للتصدي لأي عمل إرهابي بيولوجي، أو عمل إرهابي ناجم عن غزو فضائي للأرض.

لقد آن الآوان بأن يتم توجيه الأمكانات المالية والموارد التي تم تجنيدها في هذه المجالات والتي يتحمل نفقاتها دافعو الضرائب من المواطنين في كل دولة على نحو سليم وبما يخدم مصالح الجماهير ونحو تعزيز كافة جوانب المستلزمات الصحية وتأمين العلاج واللقاحات على نحو سريع وفعال وأمثل.

الدرس 10: قصور في التعاون الدولي البحثي لمواجهة أزمة وبائية طارئة، والتسابق على ابتكار أي علاج مؤقت أو لقاح

أنتج فيروس سارس كوف 2 عند ظهوره وبدء إنتشاره تسابقا محموما بين مختلف الدول من جهة وبين مختلف مراكز الأبحاث والمختبرات من جهة أخرى في من سيكتشف أولا لقاحا للفيروس. ولكن مع ترسخ الفيروس وانتشاره في دول عدة ومع فهم عدوانيته وأثاره القاتلة بدأت مراكز البحث والمختبرات تلقائيا في تبادل المعلومات والمعطيات فيما بينها وتغيرت نبرة الزعماء حول اللقاح ومنهم نبرة ترامب الذي تحول من لقاح للأمريكين أولا إلى الحصول على لقاح للجميع دولياُ.

في ظل غياب لقاح خاص بفيروس سارس كوف 2 والذي قد تطول مدة تطويره إلى 18 شهراُ، تسابق الجميع كل يعرض ما لديه من حلول وقتية لأجل الحد من الوفيات الناجمة عنه أو لأجل تقليل أثار مستويات الإصابة به وفي هذا التسابق فالهدف الأول هو الربحية إضافة إلى تفعيل إقتصاديات الشركات الدوائية في تلك الدول. وهنا ظهرت حلول لاستخدام علاجات وقتية جميعها تحت التجريب والإختبار، منها (Abadi, M., Duarte, B. 20/03/2020):

استخدام عقار فيروس إيبولا المسمى بـ remdesivir،
استخدام عقار الإيدز المسمى بـ Kaletra ،
استخدام عقار الملاريا Chioroquine،
استخدام معالجات منع تمدد الفيروس على شكل Monoclonal antibofies،
استخدام الخلايا الجذعية Stem cells.
إضافة إلى استخدام المضادات الحيوية لمكافحة العدوى المصاحبة للمرض.
إضافة إلى هذه العلاجات فلا يزال خط الدفاع الأول ضد الوباء هو التباعد الإجتماعي والنظافة الفردية والمنزلية والنظافة العامة، إضافة إلى التعرض للشمس والهواء النقي ولكن بعيدأ عن الاختلاط بالآخرين.
عندما أدركت الدول والمختبرات العالمية ومع نهاية فبراير والنصف الأول من مارس 2020 أن الجميع في بوتقة واحدة في حربها ضد وباء كوفيد – 19 بدأت بوادر تبادل المعلومات والبيانات بين مختلف الدول والمختبرات ظاهرة للعيان. كان أخرها ما أعلنت عنه كوريا الجنوبية في 13/04/2020 من أنها أرسلت مجموعتين من العينات مع كافة بيانتهما إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليطلع عليها العلماء والباحثون الأمريكيون.

على الرغم من نشر لا يزيد عن خمسين ألف ورقة بحث تعالح عدة أسئلة بحثية وتناقش مواضيع وقضايا مختلقة عن فيروس سارس كوف 2، فإنه لا زال هنالك العديد من الأسئلة التي لا يوجد إجابة شافية لها بعد من قبل الأطباء والعلماء، منها: أي دواء من أدوية الفيروسات المتوفرة حالياً هو الأنسب والذي يمكن استخدامه لعلاج مريض ما؟ ما مدى مدة الحصانة من الفيروس بعد أن يخرج المعافى من المرض؟ فالبيانات لهذا السؤال غير متوفرة نظراً لأن المدة الزمنية لجمعها لا زالت ضيقة فهي حوالي ثلاثة أشهر منذ تفشي الوباء. ما دور الأطفال والأشخاص الذين لا يعانون من المرض في حمل الفيروس وما هي مدة حملهم له ونشرهم له؟ هل ستحدث طفرات على الفيروس؟ وهذا المجال لا زال تحت الإستكشاف من قبل العلماء والأطباء، حاله حال كيف بدأ الوباء. هل سيتم الحصول على لقاح عاجلاً أم سينتهي الوباء تلقائياً؟ وهنا يفيد المختصون بأن اللقاح وإن تم اكتشافه لن يكون متوفراً قبل عام إلى عام ونصف على الأقل، وهنالك حوالي 80 شركة ومعاهد أكاديمية تتسابق لإنتاج لقاح لفيروس سارس كوف 2 (Spinney, L. 06/04/2020)، وحسب تصريحات منظمة الصحة العالمية في 14/04/2020 فإن هنالك حالياً ثلاث لقاحات في مرحلة التقييم السريري والاختبار على البشر.

سيؤدي وباء كورونا المستجد إلى تحديثات وتطويرات في أساليب ومنهاج البحث العلمي ضد الأوبئة الفيروسية وسيحدث تعاون مستمر بين مختلف المختبرات للقيام بأبحاث مشتركة تؤدي إلى نتائج دوائية ومستحضرات طبية جديدة. وسيستفيد من تلك النتائج شركات الدواء التي هي الأخرى ستنضوي في عمليات تشاركية فيما بينها لإنتاج دوائيات مشتركة. ونتيجة لوباء كوفيد – 19 وأزماته ستظهر مجالس علمية دولية جديدة لمتابعة حدوث أي وباء جديد في أي دولة وقد يتم تحديث منظمة الصحة العالمية وإدخال بها هذه المجالس العلمية التخصصية وبالتالي الإستعاضة عن المركزية والبيروقراطية بمفهوم المجالس الموزعة ذاتية القرار والمنهج والمهام. يدير كل من هذه المجالس نخبة من الخبراء من علماء وأكاديميين وباحثين وإقتصاديين.

الدرس 11: التنافس بين الدول على إظهار من يمتلك الخبرة الأكبر في إدارة الأزمات الصحية، وتغيير سلم الأولويات لدى الدول والمؤسسات والأفراد، وإدخال خطط وبرامج وميزانيات لمواجهة الأوبئة الطارئة في مفهوم الأمن القومي، وفقدان دفة القيادة مؤقتاً

بدلاُ من التعاون الدولي في تبادل الخبرات، تنافست الدول على إظهار نفسها بأنها قادرة على الإنتصار على الفيروس وبالتالي قادرة على إدارة الأزمات والتصدي لها. حيث كان التنافس جليا بين الصين (بلد المنشأ لإرهاب كوفيد – 19) وبين الولايات المتحدة الأمريكية. وظنت الصين أن بمقدورها تغيير النظام السياسي والاقتصادي العالمي. لكن عادت واستدركت فيما بعد أنه لن يكون لها ذلك وبالتالي خاطبت عبر وزير خارجيتها الولايات المتحدة لفتح الأسواق والمجالات الإقتصادية لتصبح أكثر عدالة.

أجبر إرهاب كوفيد – 19 العديد من الدول على تغيير مسارها الإقتصادي، والإجتماعي، والإنساني، إضافة إلى تغيير مسار العلاقات الدولية. وقد نجم عن ذلك تغيير سلم الأولويات فقد بات الهدف على المستوى الداخلي عدم إنهيار النظم الصحية، وتأمين المستلزمات الصحية، وطرح رزم المساعدات للمتضررين ولتحفيز الإقتصاديات، وبات الهدف على المستوى الخارجي هو تغليب المصالح الذاتية لكل دولة فوق المصالح الدولية. إضافة إلى ذلك وفي إطار سلم الأوليات وتحقيق التباعد الاجتماعي فقد أجبر وباء كوفيد – 19 العديد من الدول والمؤسسات والمنظمات والهيئات على إلغاء المعارض والمباريات الرياضية والإحتفالات والتجمعات الدينية والتجمعات الترفيهية والسياحية وأدى ذلك إلى تبعات اجتماعية وأعباء إقتصادية إضافية. كما أجبر وباء كوفيد – 19 الولايات المتحدة الأمريكية ومن في إطارها من الدول الغربية على فقدان مؤقت لدفة القيادة العالمية نظراً لانشغال كل من هذه الدول بترتيب أوضاعه ومقدراته الداخلية أولاً.

لم تمتلك الدول الغربية وأمريكا أي خطط لمواجهات الأزمات الصحية الطارئة ولذلك جميعها تخبطت في بداية الأمر بمواجهة وباء كوفيد – 19 القادم إليها من الصين. وبالتالي بات على هذه النظم الغربية أن تدخل في مفهوم الأمن القومي لها خططا وبرامج وميزينيات لمواجهة الأوبئة الطارئة. وقد يتم ذلك عبر وجود رزم متكاملة جاهزة تتضمن صناديق سيادية إحادية لدى كل دولة أو مشتركة عبر التعاون مع عدة دول موثوقة لمجابهة ومعالجة أثار أي وباء طارئ.

ظنت الصين بتعافيها المبكر من وباء كوفيد – 19 وإنشغال الأخرين به بأنها يمكن أن تصبح قادرة على القيادة على المستوى العالمي إلا أنها اصطدمت بعدة جوانب منها نقص الإمكانيات التكنولوجية التي تؤهلها لذلك، وعدم وجود سيطرة لها على مختلف المؤسسات التجارية فمعظم الصفقات والتعاملات حول العالم تتم بالدولار الأمريكي، إضافة إلى أن الصين لا تمتلك نفوذ إقتصادي وسياسي وعسكري وعلمي قوي في الدول الأخرى وخاصة دول العالم الثالث. وعوضاً عن ذلك أرادت الصين أن تظهر للعالم بأنها باتت أكثر مسؤولية وبأنها الأكثر خبرة من الأخرين في مواجهة وباء كوفيد – 19 فأرسلت إضافة إلى خبراء طبيين صينيين بمساعدات إلى إيطاليا ولكن على أن تشتيري إيطاليا تلك المساعدات. كل ذلك يظهر مقدار اللاأخلاقية للصين فهي تريد بيع إيطاليا ذات الأقنعة التي كانت إيطاليا قد أرسلتها سابقاُ لها مجاناُ كمساعدات. أما مع فرنسا فقد فاوضت الصين فرنسا على أنه مقابل إرسال الصين أقنعة طبية إليها فعلى فرنسا أن تقوم بتنفيذ وتركيب شبكات الجيل الخامس بالتعاون مع شركة هواوي (Global Times and China Review News. 07/04/2020).

نتيحة لما تقدم، باتت الصين تركز في حربها الإقتصادية الحالية على أولية صناعة المستلزمات والتجهيزات الطبية وايضاُ على تقديم مستلزمات تنظيف الشوارع والمباني والمنازل والشركات وغيرها لترسلها وتبيعها في أوروبا وأمريكا وأفريقيا ودول أخرى وهي بذلك تصبو إلى السيطرة على هذه السوق العالمية بينما الأخرون ومنهم أمريكا وألمانيا مشغولون بفرض قوانين الدفاع لتوفيرها محليا والحد من تصديرها خارجيا. وهنا على الولايات المتحدة وألمانيا أن تحذرا هذه الهفوة وتعملا على ترميمها مباشرة دون تأخير ولو اقتضى ذلك إلى تشكيل تجمع أمريكي أوروبي كندي أسترالي للعمل على ذلك.

الدرس 12: قصور في دور مجلس الأمن والأمم المتحدة في إحداث معاهدات جديدة، وإيقاف الحروب، ومساعدة اللاجئين

أخذت الأمم المتحدة ومجلس الأمن مدة 3 أشهر وبعد أن بلغ عدد شهداء وباء كوفيد – 19 ما يناهز 87000 في حوالي 180 دولة وبعد عدة مناشدات واستجداءات تطالب بعقد جلسة طارئة لمناقشة ومواجهة وباء كوفيد – 19. وبعد جذر ومد أعلنت الأمم المتحدة أخيراً عن عقد الجلسة الأولى لمجلس الأمن في 09/04/2020 لمناقشة وباء كوفيد – 19. ولكن كان عقد هذه الجلسة متأخراُ وشكلياً فقط، ولم يصدر عنها أي قررات فاعلة وكان ذلك نظراُ لانعقادها بعد أن تمت مناقشة وباء كوفيد – 19 واتخذت القرارات بشان معالجته في قمة الواقع الإفتراضي لدول الـ G20 التي انعقدت في 27/03/2020.

لماذا تأخر مجلس الأمن في الانعقاد ولماذا لم تطلب إحدى الدول العظمى بانعقاده كما حدث في وباء إيبولا الذي طلبت الولايات المتحدة انعقاده عام 2013 وأعلن من خلاله أن وباء إيبولا مرض معد وخطير وعابر للحدود؟ لقد كانت الصين هي من يرأس مجلس الأمن في شهر مارس 2020 ولكنها لم تطلب انعقاده خوفا من أن يتم حشرها بالزاوية وإلقاء اللوم عليها بأنها كانت المصدر والمتسبب في نشر هذا الوباء. لقد تم عقد جلسة مجلس الأمن بعد أن تسلمت دولة دومنيكان الديموقراطية رئاسته في شهر إبريل 2020 حيث طالبت هي وثمانية دول أخرى بانعقاده. وعموماً فإن التنسيق العام الدولي ومن خلال المحافل الدولية لمواجهة وباء كوفيد – 19 كان ولا يزال ضئيلا جداً.

لم تتخذ أي قرارات واضحة من قبل الأمم المتحدة ولا من قبل مجلس الأمن فيما يتعلق بوقف القتال والتهجير في أي من دول النزاعات: سوريا، واليمن، ومانيمار، وأفغانستان، وليبيا، وكولومبيا، وأيضاً الحد من ممارسات الإحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة وحصاره لغزة.

في ضوء ما شهده العالم من إرهاب كوفيد – 19 لم تقم الأمم المتحدة أو مجلس الأمن بمراجعة شاملة لأولوياته، ولا بتحديث للمعاهدات الدولية الخاصة للحد من انتشار مختلف الأسلحة الفتاكة، ولم تصدر قرارات فاعلة فيما يتعلق بالنازحين الذي يبلغ تعدادهم حول العالم حوالي 80 مليون نازح. وفي هذا الصدد لم يسمع العالم سوى مناشدات وتحذيرات من قبل الأمين العام للأمم المتحدة.

لم تطرأ أي نداءات جديدة لإجراء تعديلات على أي من البروتوكلات كبروتوكول جنيف لعام 1925 الخاص بمنع انتشار المكونات الخاصة بانتاج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية وبحيث تعزز هذه التعديلات إدخال قرارات جديدة ملزمة بعدم إنتشار مثل هذه الأسلحة والكف عن إنتاجها لأغراض عسكرية، ومع تحديد أليات واضحة لكيفية الإمتثال لهذه الإتفاقيات وتطبيقها بما يخدم حماية الناس والبيئة.

الدرس 13: مواقع التواصل الإجتماعي ودورها كمتنفس، واكتظاظ محتواها بمعلومات صحيحة وأخرى خاطئة وأخرى مضللة، وتوجهات مستقبلية

هنالك العديد من مواقع التواصل الاجتماعي أهمها فيسبوك وتويتر ويوتيوب وواتس-أب وغيرها والتي تطرقت إلى وباء كوفيد – 19 واكتظ محتواها بمعلوما صحيحة وبمعلومات خاطئة إضافة إلى مزاعم كاذبة وملفقة. على الرغم من ذلك فقد صهرت وقولبت وسائل التواصل الإجتماعي صبغة العلاقات الإجتماعية والإقتصادية والمعرفة الممكنة في ظل التباعد الإجتماعي والإغلاق الحاصل في العديد من الدول. فالعديد من المؤسسات والمدارس شكلت مجموعات عمل، أو مجموعات مناقشات وتحاور. وتشكلت مسارب يقدم من خلالها نوافذ يتم عبرها تبادل الأفكار والمناظرات ووجهات النظر في كيفية مواجهة وباء كوفيد – 19. كما شارك العديد من المؤسسات والخبراء في الصحة وعلوم النفس في التوجيه الصحيح للمواطنين في كيفية مجابهة هذا الوباء والتقليل من العوامل النفسية التي قد تنجم عن العزل والإغلاق. وبالوقت الذي كانت فيه مواقع التواصل الإجتماعي مصدراً للمعلومات والتعليم كانت أيضاً مصدرا للترفيه والتسلية عبر الفكاهات والفيديوات والموسيقى والأغاني والنكات. إضافة إلى قيام الأفراد والمؤسسات والمجموعات الفاعلة بحملات مضادة لمجابهة الصفحات والنقاشات والمسارب المضللة. كما شكلت بعض المنظمات والأفراد والمجموعات منصات لجمع التبرعات ومنصات للتواصل مع الجيران والتواصل مع من هم في أمس الحاجة للمساعدات.

لتقليل الأثار السلبية التي قد تنجم عن المعلومات الخاطئة أو المضللة فقد عملت بعض الشركات وعند قيام المستخدمين بالبحث عن المواقع الخاصة بكلمة أو مصطلح أو جملة بحث ما على إعطاء الأولية الأعلى لظهور روابط المواقع ذات المعلومات الصحيحة أولاُ.

نتيجة لما تقدم قد تتغير أو تغيرت فعلياً نظرة المجتمعات والأباء والأمهات إلى التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي وتنوع المصادر فيها ومدى الإستفادة منها وقد يكون لهذه المواقع مستقبلاُ دور أكبر في أساليب التربية والتوجيه وجني المعرفة خاصة لصغار السن والمراهقين. وستظهر عدة بحوث مستقبلية لدراسة ومناقشة مختلف الظواهر التي نشأت وظهرت على تلك المواقع. وستعمل مختلف تلك المواقع على تطوير آليات وخوارزميات تحد من انتشار المعلومات الكاذبة والمضللة. كما ستظهر مستقبلاً على مواقع التواصل الاجتماعي بروتوكلات جديدة سيطلق عليها بروتوكولات حالات الطوارئ غايتها توجيه المحتوى إلى ما هو مفيد وصحيح وتوفير طرائق ترفيهية جديدة.

الدرس 14: تأثر نظام العولمة والرأسمالية والبنوك والعمالة بأزمة وباء كوفيد – 19 أو أي وباء مستقبلي طارئ

سيكون لوباء كوفيد – 19 تأثير على النظام الرأسمالي العالمي وعلى الخريطة الإقتصادية حول العالم، وسيحدث هذا التأثير في ثلاثة جوانب. الجانب الأول وفيه ستطرأ تغييرات كبيرة في العلاقة القائمة بين الصين ودول مجموعة الـ G7. حيث ستعزز مجموعة الدول السبع اقتصادياتها من خلال زيادة التعاون فيما بينها لتعود قوية كما كانت عليه قبل حالات الإغلاق. حيث ستنغلق معظم هذه الأسواق على التعامل فيما بينها أولاً وسينخفض تعاملها مع الصين إلى أدنى مستوياته. وستعود معظم الشركات في هذه الدول إلى الإستثمار وتوظيف معظم مقدراتها في هذه الدول السبع بغية إعادة إنعاش كافة القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية فيها وبالتالي إعادة تشغيل اليد العاملة فيها. فهذه الدول السبع هي في الواقع من يشكل العمود الفقري الذي تستند إليه الرأسمالية.

الجانب الثاني وفيه سينكمش الإقتصاد الصيني على نفسه نظراُ لحذر أو عزوف معظم الشركات ودول العالم عن التعامل مع الشركات الصينية أو إبرام علاقات تجارية جديدة معها. كما أن معظم الشركات التي سحبت موظفيها من الصين لن تعمل على إعادتهم جميعاُ بل سيتم إعادة جزء بسيط منهم فقط وبما يلبي أكبر ربحية ممكنة للشركات. ولن تقوم الشركات بفتح استمثارات جديدة في الصين لأنها ستركز كما قلنا في الجانب الأول على تعزيز أسواق بلدانها المحلية.

وفي سياق الجانب الثالث سيطرأ تحديث وتعزيز لمفهوم التكامل الإقتصادي والصحي والمجتمعي بين تكتلات عدة على المستوي العالمي. هذه التكتلات ستتشكل أطرها اعتمادا على مدى تقارب السلط السياسية الحاكمة فيها. وفي ذلك ستتعزز العلاقات في رابطة دول القوقاز وروسيا، وستعمل دول التكتل الأوروبي على تطوير وخلق علاقات إقتصادية وسياسية جديدة فيما بينها، وستعزز دول مجلس التعاون الخليجي الأمن الغذائي والصحي فيما بينها، وستتعزز الروابط الإقتصادية والسياسية بين دول “المجلس التركي – للدول الناطقة بالتركية” والذي يضم تركيا، وأذربيجان، وكزخستان، وقرقزيا، وأوزبكستان، وسيطرأ في هذا التكتل تطوير على الممر الملاحي الدولي العابر لبحر قزوين إلى دول شرق أسيا، وبالتالي سيكون هنالك نهج أكثر حرية وانفتاحاً في نقل البضائع فيما بينها وعبرها من أوروبا إلى دول شرق أسيا الأخرى ولكن بشكل محدود مع الصين. وستكون تركيا ومطارها اسطنبول أكثر المستفيدين من ذلك. وستعمل الولايات المتحدة الأمريكية على العودة إلى الدول الأفريقية ودول الشرق الأوسط ، وفي هذا سيكون هنالك تنافساٌ محموماٌ بين أمريكا ومن في فلكها من الدول (اليابان وكندا وكوريا الجنوبية ودول أمريكا الجنوبية وأوروبا) من جهة والصين من جهة أخرى على النفوذ والسيطرة الإقتصادية والصحية في مختلف هذه الدول إضافة إلى دول شبه القارة الهندية، ودول شرق أسيا.

تعلمت الدول الرأسمالية الدرس من وباء كوفيد – 19 وتأثيره عليها ولن تسمح مستقبلاُ للعبث في نظامها ومنظوماتها ودعائم الرأسمالية فيها. ولن تسمح للسلطويات الديكتاتوريات الفاشية باستبدال النظام السياسي والإقتصادي والصحي العالمي وإدخال به مكونات استبدادية بيروقراطية شمولية. وستعمل الدول الرأسمالية جميعها على تفتيت النظام الصيني أو تفتيت الصين كما حدث للإتحاد السوفياتي سابقاً في بداية التسعينات من القرن الماضي. ولكن أثار وتداعيات إرهاب كوفيد – 19 لن تمر ببساطة على كافة الدول وسيكون له دويه في خسارة العديد من الأفراد لوظائفهم وستطرأ بطالة بنسبة متوسطة، وستغلق بعض الشركات أبوابها بينما ستغير بعض الشركات الأخرى مسارها الإنتاجي. إضافة إلى ذلك ستتأثر البنوك وسيتغير أداءها وقوانينها وقواعد التعاملات فيها وستظهر أدلة جديدة لنهجها وبما يتناسب مع العصر الكوروني الجديد. ويبقى السؤال مفتوحاً للنقاش في خضم هذه العواصف، ماذا عن البلدان والشعوب الفقيرة ما هو دورها وماذا سيحل بها؟

وهنا ننصح السلطات دون تأخير باتخاذ التدابير اللازمة ووضع الخطط والإستراتيجات المناسبة التي تمنع تأثر قطاعات أساسية وهامة كالزراعة وتربية المواشي وتربية الدواجن وسلسلة منتجاتها المختلفة وسلسلة تعاملاتها الإقتصادية المختلفة بقوانين الإغلاقات وحظر السفر لما في ذلك خطر على الأمن الغذائي المحلي والإقليمي والدولي.

الدرس 15: المساءلة القانونية لمن أحدث أزمة وباء كوفيد – 19 وتعويض المتضررين منها، والمساءلة القانونية لعبثية الدول وخاصة العظمى منها

نتيجة للامسؤولية وانعدام المهنية الإحترافية لدى بعض الأشخاص في مراكز القرار حول العالم لا زالت بعض السلطات تتربع على الكراسي ولا زالت تتقارع فيما بينها وكل تكاليف هذا الصراع السياسي والإقتصادي والعسكري تقع على حساب البشر.

إلى متى تعبث ما يسمى بالدول العظمى ومنها خاصة الصين، وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا وبريطانيا بمقدرات وبيئة ومناخ البشرية. فقد كان هنالك عدة حوادث عبثية أهمها التفجير النووي الأمريكي في ما يعرف بحادثة جزيرة الأميال الثلاثة، وحادثة التفجير النووي الروسي في ما يعرف بحادثة تشونوبل، وغيرها من حوادث أقمار صنعية، وغواصات، ونشر للميكروبات، وأخيراً نشر وباء كوفيد – 19.

إلى متى تعبث هذه الدول بأمن العالم عبر استخدامها لحق الفيتو ضد أي مسألة تمسها من قريب أو بعيد إضافة إلى استعلائها وتهديدها لدول اخرى عبر الحروب العسكرية، والإقتصادية، وقطع المساعدات. كما أنها تتخذ قرارات فردية أو تحت غطاء مجلس الأمن والتي تكون أحياناً متهورة وجائرة ضد البلدن الأخرى طالما أنها تخدم مصالحها. إضافة إلى قيام تلك الدول بتجريب واستخدام الأسلحة المدمرة المنضددة في دول أخرى كما حدث في فيتنام، والعراق، وأفغانستان، وسوريا، واليمن، وليبيا. وإن استخدام حق الفيتو من قبل الدول الخمس الدائمين في مجلس الأمن هو بحد ذاته قد يرقى إلى أن يكون استعمار حديثاُ مبطناً بالأسلوب اللين وبغلاف اسمه حق الفيتو.

إن التجارب النووية المستمرة من قبل هذه الدول ومن قبل كوريا الشمالية ومن قبل الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين من جهة ومحاولة دول أخرى كإيران على امتلاك السلاح النووي من جهة أخرى وعمل هذه الدول ودول أخرى على تطوير خرسانة الأسلحة التقليدية، والنووية، والكيميائية، والبيولوجية لأهداف عسكرية تدميرية، إنما هو تهديد للبشرية جمعاء، وتهديد للبيئة والمناخ، وتبديد لأموال الشعوب وصرفها في غير محلها وخاصة أن لدى معظم هذه الدول ديون وقصورات في تمويل الخدمات الأخرى كالتعليم والصحة والتقاعد.

بناء على ما تقدم، من سيتحمل المسؤولية القانونية في إفقار الملايين وتعطيل أسباب رزق الناس، وتعريض الناس للمشاكل النفسية بسبب الإغلاق، ووضع حياتهم في ظروف حالكة بسبب وباء كوفيد – 19؟ ما مسؤولية المحكمة الدولية وقدرتها على محاسبة المقصرين والمتسببين بالأضرار؟ وهل المحكمة الدولية قادرة على جلب هؤلاء المتسببين والمقصرين إلى العدالة؟ وحتى يحدث ذلك لا بد أولاً من إحداث تغييرات في نظم وهياكل المنظمات الدولية لتكون فاعلة أكثر. كما ينبغي أن يظهر نظام سياسي وإقتصادي عالمي جديد عادل إنساني أخلاقي يضع في نصبه الأولوية للإنسانية جمعاء وتغليب المصالح العامة، وهذا التغيير سيأخذ وقتا طويلا وسيحدث نتيجة لتغييرات وتحديثات تتم من داخل النظم الرأسمالية وليس من خارجها.

الدرس 16: أثر فيروس سارس كوف 2 على البيئة والمناخ

أدت الإغلاقات في معظم دول العالم وخاصة الصناعية منها إلى توقف للعديد من المصانع والشركات والمؤسسات العامة والخاصة عن العمل المباشر، باستثناء القطاعات الحيوية التي تؤمن المستلزمات الضروية الهامة. إن استبدال العمل المباشر بالعمل عن بعد وإجراءات الإغلاق أدت إلى نقص كبير في الغازات المنبعثة والضارة بالبيئة وفي تغييرات المناخ. كما أن حالات الإغلاق ساهمت في انتعاش البيئة الطبيعية وانتعاش الحيوانات البرية والبحرية، وساهمت أيضاُ في نقاء جدوال المياه الجارية والبحار والبحيرات وفي تقليل نوعي لتلوث الشواطئ والمدن في معظم دول العالم.

نتيجة لازمة كوفيد – 19 تعلمت الحكومات درساً جديداً أن بإمكانها تحسين جودة البيئة والمناخ عبر إحداث إغلاقات محلية أو دولية أو إيجاد وتطوير إستراتيجيات وأدلة جديدة تراعي فيها مقتضيات متطلبات الحريات الشخصية والعامة وتأخذ بعين الإعتبار مختلف التطورات التي قد تحدث على كوكب الأرض.

المراجع

Abadi, M., Duarte, B. 20/03/2020. 4 Potential coronavirus treatments that researchers are working on right now.

Retrieved from https://www.google.com/amp/s/www.businessinsider.com/coronavirus-treatment-vaccine-cure-drugs-2020-3%3famp

Bruyere, E., Picarsic, N. 11/04/2020. China’s next plan to dominate international tech standards.

Retrieved from https://techcrunch.com/2020/04/11/chinas-next-plan-to-dominate-international-tech-standards/

DePillis, L., Chen, C. 10/04/2020. Coronavirus Tests Are Being Fast-Tracked by the FDA, but It’s Unclear How Accurate They Are.

Retrieved from https://www.propublica.org/article/coronavirus-tests-are-being-fast-tracked-by-the-fda-but-its-unclear-how-accurate-they-are

Forgey, Q. 24/03/2020. Trump triggers Defense Production Act for the first time.

Retrieved from https://www.politico.com/states/new-york/city-hall/story/2020/03/24/trump-triggers-defense-production-act-for-the-first-time-1268815

Gallagher, J. 13/02/2020. Are coronavirus tests flawed?

Retrieved from https://www.bbc.com/news/health-51491763

Global Times and China Review News. 07/04/2020. Foreign Ministry Spokesperson Zhao Lijian’s Regular Press Conference on April 7, 2020.

Retrieved from https://www.fmprc.gov.cn/mfa_eng/xwfw_665399/s2510_665401/t1768338.shtml

Luthi, S., Paun, C. 08/04/2020. WHO chiefs calls for ‘unity’ after Trump funding threat.

Retrieved from https://www.politico.com/news/2020/04/08/who-coronavirus-trump-funding-175283

Margolin J., Gordon J. 08/04/2020. Intelligence report warned if corona virus crisis as early as November 2019.

Retrieved from https://abcnews.go.com/Politics/intelligence-report-warned-coronavirus-crisis-early-november-sources/story?id=70031273

Matthew Meselson et al. 1994, December . The Sverdlovsk Anthrax Outbreak of 1979.

Retrieved from https://www.researchgate.net/publication/15224942_The_Sverdlovsk_anthrax_outbreak_of_1979

Scott, M. 01/04/2020. Russia and China push ‘fake news’ on coronavirus crisis, report claims.
Retrieved from https://www.politico.com/news/2020/04/01/russia-china-fake-news-158739
Spinney, L. 06/04/2020. When a coronavirus vaccine be ready?

Retrieved from https://www.theguardian.com/world/2020/apr/06/when-will-coronavirus-vaccine-be-ready

Dr. Mohamad Najem Najem

Was a Main Researcher at SSRC, Damascus, Syria. Was a postgraduate students lecturer at Damascus University. Was the Head of the Scientific Investigation and Documentation Department at SSRC, Damascus, Syria. Was an undergraduate students lecturer in the Engineering and Computer Science Department and also the Program Director of the Computer Engineering Program at Ittihad University, Ras Al-Khaimah, UAEs. Currently he is a postgraduate students academic advisor.

Advertisements