تخطى إلى المحتوى

السوريين في إدلب وريفها

  • أخبار
thumbs b c 3891939fc02e4f3c85bcf0083cd441b7 6muj8965o5hu0avjo1aso0eud8mjmid75t6oi2k25eb

كما كان متوقعاً قبل بدء المعـ. ـر كة المنـ. ـد لعة في إد لب، بدأت موجـ. ـات هجـ. ـرةٍ غير مسبوقةٍ منذ انـ. ـد لاع الحـ. ـر ب في سورية.

وبدأ الناس بالنـ. ـزو ح، حتى قبل أن تبدأ المعـ. ـر كة التي كان يتحسَّب لها الجميع، في تركيا والدول الغربية، وطبعاً أهالي إدلب والنـ. ـازحـ. ـون إليها، بسبب تبعاتها المتـ. ـوقعة، والتي سرعان ما ظهرت.

وفي حين سعت تركيا، الخـ. ـائفة من موجات هجـ. ـرةٍ جديدةٍ تصل إلى أراضيها، إلى وقاية المدينة من المعـ. ـر كة عبر اتفاقيتي سوتشي وأستانا، وعبر إقامة منطقةٍ عـ. ـا زلةٍ لإعادة اللاجئين إليها، إلا أن جهدها ضاع، وخاب أملها في الروس ضامني الاتفاقيتين. وأخذت فجأة تظهر مشـ. ـكلة لاجئين جديدة، بدا المجتمع الدولي عاجزاً عن احتوائها، وأظهرت المآسـ. ـي التي تخللتها مدى نكران هذا المجتمع مآسـ. ـي السوريين التي تتكرر دوريّاً.

وكانت هذه المعـ. ـر كة بمثابة الكـ. ـابوس الذي أرَّق أهالي المدينة، حتى قبل وقوعها بسنوات، بسبب كثافة السكان في المدينة، وبسبب كثرة التنظيمات العسـ. ـكرية المعـ. ـارضة للنظـ. ـا م، والتي تعمل في إدلب، وتتوزع تبعاتها بين هذا الفاعل الإقليمي وذاك، ما يجعل الصدام بينها قائماً فيزيد من عمق مأساة أهالي المدينة والنازحين، على السواء.

ولكن الكابوس حلَّ قبل بدء المعـ. ـارك، وبدأ الناس بهجـ. ـرة المدينة وريفها ومخيمات النـ. ـزو ح حولها، منذ بداية ديسمبر/ كانون الثاني الماضي، حين عرفوا أن الجيش النظـ. ـا مي وروسيا يستعدّان للمعـ. ـر كة، ويحشدان قواتهما على تخوم المدينة. وفي شهرين لا أكثر، نزح حوالي نصف مليون من السكان، وازداد هذا العدد مع احتدام المعـ. ـارك ليصل إلى 800 ألف نازح، بحسب إحصاءات المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.

لجأ النازحون إلى العراء، على الحدود السورية التركية، وانتشروا في الجبال الجرداء وبين البساتين، أملاً بألا تطاولهم نيران القذائف التي بدأت تنهال على المنطقة من شهرين. ولكن البرد الذي يأتي في هذه الفترة من السنة فاقم مصابهم، ولم تستطع خيامهم الهزيلة أن تحميهم من الأمطار أو الثلوج التي تراكمت فوقها، ولا من البرد الذي قتـ. ـل عدداً منهم.

ومن النازحين من افترش العراء، فلم يجد خيمةً تقيه المطر أو البرد أو حتى هجـ. ـمات الحيوانات البرّية، ويصل عدد هؤلاء إلى 80 ألف نازح، بينما لجأ 20 ألفاً إلى الأشجار، ليبيتوا تحتها علَّها تؤمن لهم بعض الحماية. وقالت لجنة الإنقاذ الدولية، غير الحكومية، إن ستة أطفال ماتوا جرّاء الصقيع في الأيام الأخيرة، بينما وُجدت عائلةٌ بكاملها ميتةً بسبب البرد القارس الذي يضرب المنطقة.

كتبت إحدى الصحف العالمية أن حجم الأزمة الإنسانية صدم منظمات الإغاثة. ولكن ما صدم لجنة الإنقاذ الدولية أكثر أن هؤلاء النازحين بمجملهم ليس لديهم مكانٌ للنـ. ـزو ح إليه، وحيث امتلأ ما توفر من مدارس وأماكن عبادة، بل وحتى سجون، بأعدادٍ ضخمةٍ تزيد عن طاقتها الاستيعابية، بالنازحين، لم يتبقَّ للآخرين سوى “اللامكان” للجوء إليه. وتساءل نائب منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي للأزمة السورية التابع للأمم المتحدة، مارك كتس: “إلى أين يتجه هذا العالم، إن لم يكن قادراً على تأمين حماية لثلاثة ملايين بشري يقطنون إدلب ومحاصرين بالحـ. ـر ب؟”، وذلك بعد أن وجَّه نداءاتٍ من أجل تحرُّك دولي بشأن الأزمة في سورية، إلا أن نداءاته لم تجد صدىً لدى أحد. وفي هذه الأجواء، ذكرت صحف غربية أن من الواضح أن العالم، والحكومات الغربية بالتحديد، قرّروا إيلاء المأساة الإنسانية في الشمال السوري الأذن الطرشاء لدوافع أنانية، في إشارةٍ إلى تخوفهم من أزمة لجوء جديدة إلى أوروبا.

وبدا واضحاً، منذ الأيام الأولى للمعـ. ـر كة، أنها ستسفر عن تفاهماتٍ جديدةٍ، وستذهب بتفاهماتٍ قديمةٍ بين اللاعبين الإقليميين حول سورية وحول إدلب تحديدا. كما من الممكن أن تغيِّر من خريطة المعـ. ـارضة العاملة على الأرض؛ إذ يمكن أن يكون أول هذه التغيرات وأغربه، إعلان هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، حل نفسها في ذروة المعـ. ـارك، فقد تواترت الأنباء عن حل الهيئة ذراعها المدني، تمهيداً لحل ذراعها العسـ. ـكري، وستخير أعضاءها بين تسليم أسلـ. ـحتهم الفردية أو الاحتفاظ بها والانضمام إلى الفصـ. ـا ئل المسلـ. ـحة الأخرى للمقـ. ـا تلة تحت جناحها.

إن صحّ ذلك، ربما تهدف الهيئة من الخطوة سحب ذريعة محاربة الإرهاب، المتمثل بالهيئة، من الجيش النظـ. ـا مي ومن القوات الروسية لتجنيب المدينة معـ. ـر كةً غير محسوبة العواقب. كما أن تجريد الفصـ. ـا ئل المعـ. ـارضة في إدلب من أسلـ. ـحتها كان بنداً في اتفاق سوتشي، وتعهدت تركيا بتحقيق هذا المطلب في مقابل أن تمتنع قوات النظـ. ـا م والقوات الروسية عن شن هجـ. ـومٍ على إدلب.

وأدّى شن الجيش النظـ. ـا مي السوري، مدعوماً بقوات روسية الهجـ. ـوم على إدلب، إلى تدخل الجيش التركي لحماية المدنيين، وضمان سريان اتفاق سوتشي، لأن تركيا تخاف خرق الاتفاق، وتسَبُّب المعـ. ـارك بموجة نـ. ـزو حٍ، ربما بالملايين، ليست أنقرة في وضعٍ يسمح لها بالتعامل معها التعامل المطلوب.

وفي حين برَّرت الحكومة السورية هجـ. ـومها على إدلب بأن اتفاق سوتشي الخاص بالمدينة لم يُطبق، وخصوصاً منه الشق الذي يتعلق بفتح الطرق الدولية التي تربط حلب بدمشق، بسبب استمرار سيطرة الفصـ. ـا ئل العسـ. ـكرية المعـ. ـارضة على أقسامٍ منها في ريف المدينة، وتقييد حركة المرور عليها، تقول تركيا إن الهجـ. ـوم الأخير يعدُّ خرقاً لهذا الاتفاق.

ومن هنا برز الخلاف بين روسيا وتركيا، ما استدعى لقاءات عدة بين مسؤولي البلدين، للتوصل إلى تفاهماتٍ بدت صعبة، ومن ثم أدى إلى إجراء اتصالات هاتفية بين الرئيسين، الروسي بوتين والتركي أردوغان. وقد اشتَمَّت أميركا أن الخلاف بين الطرفين جديٌّ، وهو من الجدّية بحيث يمكنها التعويل عليه لدفع تركيا إلى التخلي عن التسلـ. ـح بالأسلـ. ـحة الروسية، وخصوصاً منها أنظمة “أس 400” للدفاع الجوي.

واضحٌ أن معـ. ـر كة إدلب الجارية لن تكون مثل غيرها من المعـ. ـارك بين المعـ. ـارضة المسلـ. ـحة وقوات النظـ. ـا م والقوات الحليفة لها، من حيث تداعياتها على العلاقة بين المتدخلين في الحـ. ـر ب السورية، خصوصاً روسيا وتركيا، وأميركا وتركيا، وربما ستتسم العلاقة بينهم في المقبل من الأيام بسماتٍ تختلف عما قبلها. وواضحٌ أيضاً أن الغرب قرَّر أن يُغمض عينيه عن المأساة التي يعيشها المدنيون السوريون الذين نزحوا إلى المجهول. وهو بذلك لا يكون قد قرَّر النأي بنفسه عن هذا الصراع، اتقاءً لتبعاته عليه، بل يكون قد قرَّر أن ينأى عما يدّعيه من مناصره حقوق الإنسان أينما كان.

المصدر: مالك ونوس / العربي الجديد

Advertisements