تخطى إلى المحتوى

ترامب يوقع قانوناً بشأن سوريا.. فهل ستصبح سوريا على فوهة بركان؟

دونالد ترامب رئيس أمريكا جيتي

وقع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” قبل ساعات على قانون يتضمن تشكيل ما يسمى “مجموعة دراسة سوريا”، ليصبح قرارا نافذا.
توقيع “ترامب” الذي كان مسألة وقت فقط ولم يأخذ سوى 3 أيام بعد إحالته إليه من الكونغرس.. هذا التوقيع وضع الملف السوري فوق مسار سبق أن وضعت واشنطن عليه ملف العراق، الذي تحول إلى نموذج صارخ في المحاصصات والطائفية والفساد والارتهان للخارج (لاسيما إيران)، ملقيا بلاد الرافدين في قعر سلة الدول الفاشلة.

ومن المنتظر أن تباشر “مجموعة دراسة سوريا” أعمالها قريبا برئاسة عضو من الحزب الجمهوري وآخر من الحزب الديمقراطي، وعضوية 12 شخصية ستكون في مقدمتهم “جين شاهين” عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي في ولاية “نيو هامبشاير”، البالغة من العمر 71 عاما، والمتزوجة من أمريكي ذي أصول لبنانية.
وستكون المهمة العريضة لـ”مجموعة دراسة سوريا” وضع اقتراحات وتوصيات ترسم مسار الاستراتيجية الأمريكية في هذا البلد، بعد مرور 8 سنوات على حرب مليئة بالمجازر ومآسي الاختفاء والقتل تحت التعذيب والتهجير التي حلت بملايين السوريين على يد نظام بشار الأسد، مدعوما من روسيا وإيران مباشرة، ومن أطراف دولية متعددة، بشكل غير مباشر أو مخفي.
القانون الذي يمكن لأي شخص متخصص الاطلاع على بنوده في مصادرها، يطرح في بدايته –وكأي مشروع قانون- ملخصا قوامه 7 أسطر لا غير، ويترك السطر الأخير منه ليقول بالحرف الواحد إنه ينص على إنشاء “لجنة مستقلة جديدة” مهمتها تقديم توصيات بالخيارات الاستراتيجية اللازمة للولايات المتحدة في سوريا.

ولشرح معنى هذا الكلام، يفرد قانون “إدارة الطيران المدني” المعدل فقرة حملت حرف “G” لينص على أن المجموعة تدعى “مجموعة دراسة سوريا” (Syria Study Group)، وهو ما يجعل أي باحث في السياسات الأمريكية بالمنطقة يتذكر فورا لجنة سبق للإدارة الأمريكية أن شكلتها في العراق تحت نفس الاسم وهي لجنة “Iraq Study Group”، فتصيبه من ذلك رعدة قوية مخافة أن يكون هذا التطابق الاسمي بين اللجنتين بوابة لزيادة كارثية المشهد السوري سوداوية، لاسيما حين يتذكر المرء عمل “مجموعة دراسة العراق” ونتائج توصياتها على الوضع العام لهذا البلد، والذي لا يحتاج كثير شرح للإلمام بتدهوره في دركات سحيقة.

ولكن القانون المعدل لـ”إدارة الطيران الفيدرالي” لا يمهل من يقرأه كثيرا ليشط بعيدا في “ظنونه”، حيث يشير هذا القانون في بنده “G”وبكل وضوح إلى “لجنة دراسة العراق” باعتبارها نموذجا، فيقول حرفيا: “يشير هذا البند إلى شعور الكونغرس بالحاجة الملحة إلى حل سياسي للحرب الأهلية السورية. ينشئ مجموعة دراسة سوريا لتقديم توصيات للولايات المتحدة فيما يتعلق بسوريا، على غرار مجموعة دراسة العراق لعام 2006. يجد أن الأقليات الدينية والعرقية في العراق وسوريا هي جماعات مضطهدة، وأن الدولة الإسلامية وحكومة سوريا ارتكبا إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية هناك. يعدل برنامج وزارة العدل للمكافآت من أجل العدالة، ليشمل جوائز للحصول على معلومات حول جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في سوريا. ينص على سياسة الولايات المتحدة في تقديم المساعدة للجماعات المحلية في العراق [تنويه من الكاتب: كان من المفترض أن تُذكر “سوريا” هنا، لكن كلمة “العراق” وردت هنا سهوا في نص المشروع المنشور على موقع لجنة السياسة الجمهورية في الكونغرس، ورب زلة أقرب للحقيقة من الصواب!]، للتحقيق في جرائم الحرب والإبادة الجماعية. يطلب من وزير الخارجية تأييد خطوة توسيع لجنة التحقيق الدولية الأممية المستقلة في الجمهورية العربية السورية. يشجع الحكومات الأجنبية على تحديد وإدراج أعضاء الدولة الإسلامية في نظم المعلومات الخاصة بها (بتلك الحكومات) للمساعدة في فحص اللاجئين أو المهاجرين المحتملين. يطلب تقديم العديد من التقارير إلى الكونغرس حول دعم التحقيق والمقاضاة في جرائم الحرب، وحول المساءلة عن جرائم الحرب في سوريا”.
*ختم العجز

إلى هنا تنتهي الفقرة الرسمية الخاصة بسوريا ضمن قانون “إدارة الطيران الفيدرالي” المعدل، الذي تم إقراره قبل ساعات وحول إلى “ترامب” لتصديقه ونشره كقانون نافذ، وقد تبدو هذه الديباجة الموجودة في نص القرار “مألوفة” وغير مستغربة نهائيا، إلى درجة يمكن تسميتها بمصطلح الشعراء ومحترفي الأدب “دندنة” معهودة من واشنطن، لم تخرج عن إطارها خلال عقود، لاسيما خلال تعاطيها مع ملفات المنطقة والأنظمة الحاكمة فيها.
وإلى هنا يبدو الأمر تطورا مفهوما في سياقه، لكن ما يجعله خطيرا هو اقترانه بمشروع “لجنة دراسة العراق” سيئة الذكر، وهو اقتران نص عليه مشروع القانون ذاته حرفيا، أي إنه حقيقة راسخة وليست مجرد استنباط أو حتى تفكير رغبوي.
وحتى نضع أنفسنا والآخرين أمام الخطط الجديدة لإدارة “ترامب” حيال سوريا، علينا العودة قليلا إلى تاريخ “لجنة دراسة العراق” التي شكلت قبل 12 سنة تقريبا، وعرفت باسم “لجنة بيكر-هاملتون” كناية عن رئيسيها المشتركين، وزير الخارجية الأسبق “جيمس بيكر” (من الحزب الجمهوري)، والنائب التابع للحزب الديمقراطي “لي هاملتون”، الذي شغل مناصب حساسة منها نائب رئيس لجنة التحقيق في أحداث 11 سبتمبر.
ورغم مضي سنوات طويلة على عمل “لجنة دراسة العراق” (بيكر-هاملتون)، وعلى إصدار توصياتها الشهيرة والكثيرة، فإنها ما زالت حتى اليوم مثار بحث وجدال بين السياسيين والمهتمين بتحولات المواقف والقرارات الأمريكية.
وكشأن أي لجنة بهذا الوزن وهذه المهمة الخطيرة (وضع توصيات لإدارة السياسة الأمريكية في العراق)، كان لابد من صدور أبحاث ومقالات طويلة حولها، أطول من توصيات اللجنة نفسها بمرات ومرات (قدمت اللجنة 79 توصية استغرقت منها 160 صفحة).
وانصب عدد غير قليل من تلك المقالات على توجيه النقد اللاذع للجنة دراسة العراق وأدائها وتوصياتها التي قدمت حلولا معلبة و”كلاسيكية” لكارثة لم يشهد لها التاريخ الحديث، حتى يومها، مثيلا، نتيجة تداعيات الغزو الذي أغرق العراق في تقسيمات عرقية ومحاصصات طائفية، وضعت البلاد على فوهة بركان بعد أن كان على فوهة مدفع!

ورغم كل ما رُوج يوم أصدرت لجنة بيكر-هاملتون توصياتها، من أنها لجنة استشارية لا أكثر، وأن الإدارة الأمريكية (بزعامة جورج بوش الابن) غير ملزمة بتلك التوصيات ولا بتطبيقها، فقد آلت أمور العراق بشكل أو بآخر إلى الأسوأ، واستطاعت اللجنة أن تؤدي مهمتها الأولية في تبرير انسحاب واشنطن مما سمته “المستنقع العراقي” مع شهادة تبرئة للإدارة الأمريكية مختومة بخاتم نفض اليد وإعلان العجز الأمريكي، الذي كان خطوة ضرورية في سبيل تقديم العراق لقمة سائغة لإيران، وهو ما تم لاحقا.
والمطلع على ما تضمنته توصيات “لجنة دراسة العراق”، يفهم تماما ما أعني، فمن أبرز ما أشارت إليه هذه اللجنة عدم وجود “وصفـة سحريّـة لحل مـشكلات العراق”، وانعدام أي وسيلة، وعجز أي نهج عن “وقف الاقتتال الطائفي أو العُـنف المتصاعد أو الانزلاق إلى هاوية الفوضى”، والإقرار الكلي بعبثية ما تقوم به واشنطن في العراق، مفسرة ذلك –أي اللجنة- بتفسير عجيب للغاية مفاده “تقلص قدرة الولايات المتحدة على التأثير في الأحداث”!، رغم أنها المحتل الأكبر للعراق والمسيطر على كثير من مفاصله.
ولكن هذا ليس كل شيء في توصيات اللجنة، ففي جرابها الكثير مما استخدم لاحقا لتبرير سياسات واشنطن حيال العراق، وحيال نظامي دمشق وطهران تحديدا، فقد طالب “بيكر” وزميله “هاملتون” صراحة بتغيير المهمة الرئيسية للقوات الأمريكية في العراق “من القتال إلى التدريب والمساندة والدعم في النقل والإمداد والمشورة وجمع المعلومات، ودعم الجيش العراقي ليتولـى مسؤولية أساسية عن العمليات القتالية”، وزادت “لجنة دراسة العراق” على ذلك داعية لإطلاق “مـبادرة دبلوماسية لحشد التأييد الدولي لجهود استـتباب الأمن والنظام والاستقرار في العراق، من خلال تعاون دولي يجمَـع جميع دول الجوار، بما فيها سوريا وإيران”، رغم اعتراف اللجنة في تقريرها بدور نظامي دمشق وطهران بتأجيج الصراع في العراق!

*الخطوط العريضة
ولو أردت أن استعرض 1% من توصيات لجنة بيكر-هاملتون، أو 000.1% من الانتقادات التي وجهت إليها من قبل باحثين مرموقين وسياسيين بارزين، فإن هذه المقالة لن تنتهي قبل بلوغها 300 صفحة على الأقل، ولهذا سأقفز مباشرة إلى الدلالات التي يحملها تشكيل “لجنة دراسة سوريا” وتداعياتها المحتمل على المشهد السوري برمته، وعلى ملامح الدور الأمريكي فيه تحديدا، وسألخص هذه الدلالات، التي أراها ولا ألزم أحدا بها، في نقاط مختصرة لن تفي الموضوع حقه في هذه العجالة:
* من حيث الشكل والعنوان والمحصلة، تبدو “لجنة دراسة سوريا” نسخة مكررة عن سميتها وسابقتها “لجنة دراسة العراق”، وهو ما يرجح أن تكون المهمة الرئيسة للجنة الجديدة تأمين غطاء لـ”انسحاب أمريكي” من سوريا يكون “مشرفا” حسب قاموس واشنطن، ويضمن التسليم بالوضع الكارثي الحالي كما هو، مع مساع بتعميق كارثيته كما حدث في العراق.
* لن يكون بعيدا على الإطلاق أن تصدر “لجنة دراسة سوريا” توصيات تطلب التعاون الحثيث مع إيران وروسيا وغيرهما بل وحتى العراق، في سبيل ضمان “استتباب الأمن والنظام والاستقرار في سوريا”، ولن يكون غريبا على الإطلاق أن تسترشد لجنة دراسة سوريا بآراء بوتين ولافروف وروحاني ونتنياهو والمالكي والجعفري (إبراهيم الجعفري وزير خارجية العراق الحالي) وغيرهم من الغارقين حتى مفارق رؤوسهم في الدم السوري، من أجل تضمين نصائحهم في توصيات اللجنة الختامية، قبل عرضها على البيت الأبيض، فقد سبق للجنة دراسة العراق أن استشارت وزير خارجية النظام “وليد المعلم”، ونظيره الإيراني “جواد ظريف” (كان حينها مندوب إيران في الأمم المتحدة) واستشارت معهما “أفرايم سنيه”، الجنرال والوزير الإسرائيلي، ووزيرة الخارجيّة الأميركية السابقة “مادلين أولبرايت”، وسلفها “هنري كيسنجر”، ممن وضعوا مقادير “طبخة السم” للعراق التي قدمت في هيئة توصيات.
* لن يكون غريبا ولا مستهجنا خلال فترة إعداد “الوصفة السورية” الجديدة، أن يخرج المسؤولون الأمريكيون بين حين وآخر ليطلقوا وابلا من التصريحات حول التزام واشنطن بالحل السياسي القائم على العدالة والديمقراطية ومحاسبة كل من ارتكب جرائم حرب بحق السوريين، بل وعلى ضرورة انسحاب إيران ومليشياتها، وعدم ضخ أي أموال للنظام في دمشق قبل تحقيق جملة من الشروط في مقدمتها “الانتقال السياسي”.. فكل هذه التصريحات وأمثالها ضرورية لـ”تقطيع الوقت” وطرح مزيد من حقن التخدير، ريثما تصبح “توصيات” اللجنة أمرا واقعا.
* يبدو وللأسف الشديد، أن انسحاب واشنطن من المشهد السوري لن يكون كليا، وبمعنى آخر فإن واشنطن ستنسحب فقط من أي جهود مهما كانت ضئيلة لزعزعة نظام بشار أو حتى إزعاجه، لكن خرطومها الشره سيظل عالقا في منابع الثروة النفطية والغازية، وهذا عين ما لحظته “لجنة بيكر-هاملتون” حيث ركزت على النفط العراقي أكثر من الدم العراقي، حتى إن هناك من ذهب لاتهام اللجنة صراحة بأنها كانت أداة لتمديد الحرب على
العراق، ريثما تنتهي شركات النفط الأميركية من الحصول على جميع الاحتكار لآبار النفط العراقي وبصيغة “قانونية”!
* سيكون من أهم أعمال ومهام “لجنة دراسة سوريا” أن تحث جميع الدول على اعتماد “مصالحات” النظام وإعادة فتح سفاراتها لديه واستئناف علاقاتها معه، فهذا عين ما فعلته “لجنة دراسة العراق” التي شجعت الدول على دعم “المصالحة الوطنية في العراق”، وعلى “تفعيل الشّرعيّة العراقيّة عبر استئناف العلاقات الدبلوماسية.. وإعادة فتح السّفارات في بغداد”، بل ومساعدة العراق على افتتاح سفاراته في الخارج.

* لن يتوانى موظفو الإدارة الأمريكية غالبا عن الخروج بتصريحات توحي لوسائل الإعلام والمحللين أو تخبرهم علانية، بأن توصيات “لجنة دراسة سوريا” ليست ملزمة لصاحب القرار الأمريكي، وأنها مجرد آراء استشارية، وأن الحالة السورية لا تشبه أبدا الحالة العراقية، وعليه فإن مقاربات واشنطن ستكون مختلفة هذه المرة.. ولمن يسمع مثل هذه التصريحات أن يصدقها إن شاء.
* أخيرا، وحتى لا أطيل أكثر لأن في جعبتي الكثير، أقول بكل وضوح إن المشهد السوري الذي تريد واشنطن إعادة رسمه وتشكيله، لن يختلف في شكله العام قيد أنملة عن المشهد العراقي بكل ما فيه عورات وسقطات وجرائم وتجاوزات تفقؤ حتى العيون المتعامية.. وإن نجاح إدارة “ترامب” في تنفيذ خططها المعدة لسوريا والسوريين سيتركنا جميعا أمام مشهد، لن ينفع فيه القول إن كاتب هذه السطور كان متشائما للغاية أو إننا -قراءها- كنا متفائلين زيادة عن اللزوم.

Advertisements