تخطى إلى المحتوى

قراءة في المشهد السوري: أمريكا لم تتحمّس منذ البداية!

قراءة في المشهد السوري: أمريكا لم تتحمّس منذ البداية!

منذ انطلاقتها الأولى لم تكن الإدارة الأمريكية متحمّسة لمساندة الثورة السورية، وبالأصح لم تكن إدارة “أوباما” متحمّسة لثورات الربيع العربي، إذ جاءت على عكس توجّهاتها الرامية إلى التهدئة ومعالجة مشاكل أمريكا الداخلية والخارجية، وفي سياق التراخي الأمريكي جاء التدخل الروسي في العام 2015 ليشكل لحظة حاسمة في عمر الثورة، حيث أصبح ميزان القوى يرجح لصالح النظام وحلفائه بشكل واضح.

فخّار يكسّر بعضه!

لم تكن إدارة “ترامب” أفضل حالاً، ورغم محاولتها الظهور بمظهر آخر يختلف في بعض جزئياته عن سلوك إدارة “أوباما” إلا أن الرئيس “ترامب” أصدر أمراً بانسحاب القوات الأمريكية من سوريا على مبدأ (فخّار يكسّر بعضه)، ولقد تم تنفيذ هذا القرار جزئياً، وهو ما خلق زيادة في التعقيد في المشهد العسكري في شمال شرق سوريا. ولولا تدخل بعض الأجنحة في الإدارة الأمريكية لانسحبت القوات الأمريكية بشكل كامل تاركة الساحة للقوات الروسية. أي، للنظام السوري بالمحصلة.

أما الإدارة الحالية فقد أمضت الأشهر الأولى من ولايتها دون أن تتطرق للقضية السورية ولو بتصريح واحد، وبعض التصريحات التي جاءت فيما بعد يبدو أنها انتُزعت من هذه الإدارة انتزاعاً، ثم تبيّن فيما بعد أن هذه الإدارة تتقاعس في تطبيق قانون قيصر، وهي أقل صرامة مع بعض الأصوات المنادية بالتطبيع مع النظام السوري، أو تلك التي طبّعت بالفعل، ورغم أن الحرب الأوكرانية جعلت الإدارة الأمريكية تراجع حساباتها فيما يخص وجود قواتها في سوريا إلا أن تزلّفها لإيران من أجل توقيع الاتفاق النووي يدفعها لتهميش الملف السوري لعدم استفزاز إيران.

الرشوة والضغط والمساومة!

على صعيد آخر، قبيل كل قمة عربية تتداول المواقع الإخبارية أنباء عن إمكانية عودة النظام إلى جامعة الدول العربية، ورغم أن هذا لم يحصل حتى الآن إلا أن مسار الأحداث يجعل المحلل يعتقد أنه سوف يحصل. إذن، فتطورات الأحداث في الملف السوري ومنذ التدخل العسكري الروسي حتى الآن تسير من سيّئ إلى أسوأ بالنسبة لقوى الثورة، وهذا الأمر جليّ واضح لمن يحب أن يرى، أما من اختار أن يدفن رأسه في الرمال كما هو حال الذين تصدّروا المشهد فلن يروا شيئاً. وهم في حال حاول أحد تنبيههم وحثّهم على بذل الجهود في مواجهة مساعي النظام وحلفائه في السر والعلن، ومن خلال الرشوة والمساومة والضغط وكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة للفوز بالجولة الأخيرة؛ تراهم وقد تبلّدت مشاعرهم حتى النهاية يحاولون طمأنتك باعتمادهم على مقولة “ما أنزل الله بها من سلطان”، وعلى مبدأ “دعوها فإنها مأمورة” يقولون: الثورة لا بد منتصرة فالثورات لا تُهزم.

حسب معلوماتي المتواضعة؛ تنتهي الثورات إلى ثلاثة أو أربعة مآلات:

تُهزم، كما هو حال آلاف الثورات عبر التاريخ، ومنها ثورات الشعوب العربية ضد المستعمرين، كلها فشلت في طرد المستعمر الذي غادر البلاد بعد سنوات عديدة من نهاية الثورة تحت ضغط القرارات الدولية.

تأتي بنظام أسوأ، كما هو حال الثورات التي جاءت بأنظمة شيوعية على سبيل المثال.

  • تبدُّل الرأس فقط، كما انتهت إليه الثورة المصرية مثلاً.
  • تنجح في نقل البلاد من بيئة سياسية سيئة إلى بيئة أفضل، وهذا النوع من الثورات ما يحلُم السوريون أن تفضي إليه ثورتهم. إلا أن اعتباره الحالة الوحيدة للثورات يُعتبر محاولة للتهرب من الحقائق.

قد يثير الاستغراب هذا الإيمان المطلق بالقدر المحتوم للثورة إذ تراه لدى من تصدّروا المشهد السياسي على اختلاف انتماءاتهم، إلا أن المزيج من تبلد المشاعر والعجز والغباء الذي يعاني منه هؤلاء قد يفسّر الحالة.

شكوك ومخاوف تُشعل احتجاجات!

خلال الأشهر الماضية انشغل الشارع السوري بالحديث عن العملية العسكرية التي قالت الحكومة التركية إنها ستنفّذها في الشمال السوري، وتطرقت النقاشات التي دارت حول تلك العملية إلى الكثير من المواضيع، ولعل أهمها: التخوف من وجود عملية مقايضة تشمل بعض المواقع في محافظة إدلب، إلا أن المتابع بحرفية يستطيع أن يتوقع أن الطلب الروسي – الإيراني سوف يكون التطبيع مع النظام السوري، ورغم أن هذه المحاولات قديمة، وكانت دائماً تصطدم برفض الحكومة التركية، إلا أن بعض التصريحات والتلميحات التي بدأت تصدر من هنا وهناك بعد لقاء الرئيس التركي بالرئيس الروسي في (سوتشي)، أثارت المزيد من الشكوك والذعر لدى السوريين، خاصة أولئك الذين يقطنون المناطق الخارجة عن سلطة النظام والتي تقع تحت النفوذ التركي، وتحوّلت تلك الشكوك والمخاوف إلى موجة احتجاجات عارمة اجتاحت تلك المناطق المذكورة إثر تناقل وكالات الأنباء تصريحاً لوزير الخارجية التركي يتحدث فيه عن محاولة البحث عن آلية للمصالحة بين النظام والمعارضة.

سواء كان تصريح وزير الخارجية التركي تعبيراً عن استدارة في السياسة التركية نتيجة لضغوطات داخلية وخارجية لم تعُد تُحتَمل، أم كان مجرد مناورة للحصول على مباركة موسكو للعملية العسكرية المتوقّعة، فالنتيجة واحدة: تسير الأمور من سيّئ إلى أسوأ.

الشارع قال كلمته: لا للمصالحة مع نظام مجرم. وهذا الموقف الواضح قابل للاستثمار، وربما يُنظر إليه كهدية لدى السياسي المحنّك. لقد أصبحت الكرة في ملعبكم، أنتم يا من تصدّرتم المشهد السياسي، فالثورة في خطر، وهي تحتاج لمنقذ ماهر وجريء في طرح البدائل يتبع صوت العقل والمعرفة في مواجهة صوت المشاعر اللاعقلانية.

Advertisements