تخطى إلى المحتوى

تركيا والاستراتيجية المتعثرة في سوريا

تركيا والاستراتيجية المتعثرة في سوريا

يبدو أن سباق تركيا مع أطراف الصراع السوري على تقاسم مكاسب الحرب في سوريا، وتوظيف ذلك لمصالح أنقرة الداخلية لن يدوم طويلا، بعد انكشاف الأمر للسوريين، خصوصاً المؤيدين للنفوذ التركي، ولاسيما ما حملته تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة من “استراتيجية الاقتراب المباشر” من نظام الأسد، وما يثار حول تفاهمات سرية في طريقها إلى العلن معه

وبحسب مصادر إعلامية تركية، تتضمن لائحة المطالب، “إعادة محافظة إدلب إلى إدارة الأسد”، و”نقل جمارك معبر كسب الحدودي، مع معبر جيلفي غوزو “باب الهوى” إلى سيطرة قوات الأسد وحكومته”، إضافة إلى السيطرة الكاملة للنظام على الطريق التجاري (M4) الواصل بين الحدود مع العراق، والساحل السوري

كما اشترط نظام الأسد “عدم دعم تركيا العقوبات الأوروبية والأميركية ضد رجال الأعمال الموالين والشركات الداعمة لعائلة الأسد والحكومة السورية”، فضلاً عن “مناقشة الدعم المطلوب من تركيا لإعادة قبول نظام الأسد في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والمؤسسات والمنظمات الدولية المماثلة والذي تم تعليقه”. وذلك ما يمثل، عملياً، الإطاحة الناعمة بالقوى السورية المحلية كهدف مشترك بين الطرفين

فيما تتلخص المطالب التركية بـ “تطهير الأسد لمناطق من عناصر “حزب العمال الكردستاني”، و”القضاء التام على التهديد الإرهابي على الحدود التركية السورية”، و”الاستكمال التام لعمليات التكامل السياسي والعسكري بين المعارضة ودمشق، والعودة الآمنة للاجئين”. كما اشترطت أنقرة أن تكون حمص ودمشق وحلب “مناطق تجريبية لعودة آمنة وكريمة” في المرحلة الأولى، ومن ثم توسيع هذا الإطار، ومراقبة تركيا لعملية عودة السوريين بشكل آمن والممارسات المطبقة مع السوريين حتى بعد عودتهم وإسكانهم

كما طالبت نظام الأسد بـ”تطبيق مسار جنيف، وكتابة دستور ديمقراطي، وإجراء انتخابات حرة، والإفراج الفوري عن السجناء السياسيين، وخصوصاً النساء والأطفال وكبار السن وذوي الظروف الصحية السيئة”

في هذا الصدد، تؤكّد الشواهد العسكرية لنظام الأسد، أنّ الحسابات التركية خاطئة، فخيار الحسم العسكري كان ولم يزل الفيصل، لتعزيز قبضة النظام على السلطة، بواسطة حروبٍ عنيفة، طويلةٍ أو خاطفة، ومن ذلك ما تعيش سوريا تفاصيل أحداثه في الوقت الراهن. والأهم من كل ذلك الموقف الأميركي الذي يراقب عن كثب التصريحات التركية حول إعادة العلاقات مع نظام الأسد، بتريّث، رغم دخول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على خط التصريحات واتهامه الجمعة الولايات المتحدة و”قوات التحالف” بأنهم “يغذون الإرهاب في سوريا”

وبعد أيام قليلة من تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، حول “المصالحة” بين المعارضة والأسد، وما تلاه من تصريح للرئيس التركي أردوغان في قوله “لا مشكلة لدينا في هزيمة الأسد من عدمها ويجب اتخاذ خطوات متقدمة مع سوريا”. وما تسرب عن وجود مفاوضات سِرِّية بين أجهزة المخابرات، شن نظام الأسد هجومًا صاروخيًا على سوق شعبي في مدينة الباب راح ضحيته العشرات بين شهيد وجريح، وكثف نظام الأسد عملياته العسكرية في منطقة “بوتين – أردوغان”

إزاء تلك الاستراتيجية التركية المتعثرة، يلحظ تصاعد نبرة الخطاب المناوئ للتوجه التركي المستجد، من مسؤولين وإعلاميين سوريين. حيث اتهم القائد العسكري البارز في “تحرير الشام” ميّسر الجبوري المعروف بأبو ماريا القحطاني في “تلغرام”، تركيا، بـ”استرخاص” الدماء السورية على حساب الدعاية الانتخابية لحزب “العدالة والتنمية”، وقال: “لقد ناصرنا حماس لسنوات وعندما طبّعت مع النظام وإيران بيّنا الخطأ”، وتابع: “من يحاول أن يبني فوزه بالانتخابات على علاقته مع الأسد، فليبشر بالخيبة والخذلان، فدماء سنة الشام ليست سلعة رخيصة للانتخابات “

كما اعتبر “القحطاني”، أن أنقرة تمارس “النفاق السياسي”، مستغرباً كيف يمكن اعتبار نظام الأسد، الذي “لم يمر أجرم منه في تاريخ البشرية، عدواً ثم صديقاً”. كما استشهد بحديث للنبي محمد، عن بيع المُسلم لأخيه المُسلم، معلقاً بعبارة: “كيف من يبيع أخاه المسلم ويسلمه لعدوه ويجعله مادة للدعاية الانتخابية!”

وحول مجزرة الباب، قال إنه في الوقت الذي “يقصف النظام المجرم مدينة الباب، هناك من يغازله للتطبيع معه متناسياً دماء أهلنا الطاهرة وآلاف السجناء وملايين المهجرين”، مضيفاً: “على من يريد التقارب من الأسد، أن يستذكر ما حصل للرئيس السوداني السابق عمر البشير”، في تلميح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يستعد وحزبه الحاكم لدخول ميدان الانتخابات في 23 حزيزان/يونيو 2023

من جانبه، قال الشرعي العام في “تحرير الشام” مظهر الويس إن “مجزرة الباب التي جاءت بتوقيع من الأسد، هي رسالة لكل من يدعو للتصالح أو يدعو لعودة المهاجرين، في حين ان رسالة الشهداء سارعوا بالثأر قبل أن تلحقوا بنا قتلى دون قتال”

والواقع أن الحديث التركي عن العملية العسكرية في الشمال السوري والمنطقة الآمنة وعودة اللاجئين، ليس أمرًا جديدًا، فقد أثير ذلك على مدار أعوام الصراع السوري، لكن الجديد في الأمر مجيئهُ في سياق وقائع أخرى، تشير إلى أن هنالك تحوُّلًا في الموقف التركي إزاء الأزمة السورية. تزامنا مع تصعيد النظام تجاه المعارضة السورية الواقعة تحت نفوذ أنقرة

وبين هذا الخطاب وذاك، ما قد يؤدي إلى تصدّع التحالف، بين “أنقرة والمعارضة” سيما مع استمرار تهميش دور المعارضة العسكرية التي لا يزال أغلب قادتها يوالون أنقرة، على نحو اضطراري، فيما تمعن روسيا وإيران، في تعزيز دور نظام الأسد، السياسي، والعسكري، والأمني في مناطق نفوذه، ولا أدل على ذلك من الهجمات العنيفة ضد المناطق “المحررة” وبالأخص منطقة خفض التصعيد الرابعة باتفاق (بوتين – أردوغان)

الواقع أن استراتيجية أنقرة في الصراع الراهن، تعطي تفسيرا وكأنها “تورّطت” كطرف في حلبة الصراع المسلح في سوريا، وبلغت مدى صمودها الزمني؛ الأمر الذي يفيد بأن تركيا باتت قريبة من اتخاذ قرار خروجها من الحرب السورية، وتحولها إلى استراتيجية “الاقتراب الودي المباشر”، مع نظام الأسد وهو خيار تروج له الحكومة التركية، في إطار طرح إعلامي رسمي يتداوله الرئيس أردوغان وأركان إدارته

حتى الآن، ما تزال كلا من (أنقرة والأسد) يتبادلان تصريحات ناعمة، فلا النظام وأحلافه بمقدورهم تلبية المطلب التركي بالقضاء على قوات “قسد” ولا تركيا تغادر الأراضي السورية قبل تنفيذ مطالبها، وتبقى مؤهلات الحسم تتجمّع بيد واشنطن. ولعلنا قد نشهد أطرافاً خارجية جديدة، تتبنى المعارضة مما قد يطيل من عمر الفوضى، في سياق تنافس جديد

Advertisements