تخطى إلى المحتوى

الأسد الذي راهن فخسر وسيخسر

الأسد الذي راهن فخسر وسيخسر

بعد نضال طويل ومستمر ضد نظام الأسد أعتى نظام حكم في العالم يحق لنا أن نسأل، هل فعلا هناك حاكم لسوريا اسمه بشار الأسد وسيتحدثون معه؟ وماذا بقي من الأسد وكيف وصل إلى هنا وكيف راهن على زمن لم يأت إليه إلا بفقدان السلطة. كل هذه الأسئلة المشروعة يجب أن يسبقها معرفة كنه هذا النظام الذي بناه حافظ وخسره بشار، إنَّ النظام السوري له بنية خاصة فقد بناه حافظ الأسد عبر العقود الماضية، بشكل صارم وهذه البنية لا تقبل أي تغير ولو حتى من داخله فهو إما أن يستمر أو أن يفنى ولا ثالث لهذه الثنائية، بعكس باقي الأنظمة العربية، وهو أيضا مختلف تماما عن كافة أنظمة الحكم في دول العالم، شرس، وإجرامي، وعنيف بشكل فاق كل حد وتصور مهما كان هذا التصور قاسيا.

ومع اندلاع الثورة عام 2011 ارتكبت الثورة والمعارضة معا الخطأ الأكبر وهو الرهان على سرعة إسقاط نظام الأسد وقد حكم هذا التصور اتجاهين، اتجاه متأثر بموجة الربيع العربي وسقوط رموز الحكام العرب وأن العالم مثلما مد يد العون للبلدان التي انتفضت في وجه حكامها سيمد يد العون وبنفس الطريقة للمعارضة السورية ويجلسها في دمشق، واتجاه آخر اعتبر أن الثورة السورية مجرد انتفاضة ـ كما أرادها بعض المعارضة ـ ستفتح طريق التغير وبعدها سيزول النظام بالتدريج على مراحل وهو أيضا فهم قاصر لطبيعة النظام، هذا النظام الذي أظهر عنفا وحشياً غير مسبوق قابله الشعب السوري بجلادة وصبر استراتيجي أثبت أن الثورة السورية ذات طبيعة جذرية بشكل لا يوصف امتصت كل تدابير النظام الوحشية لإخمادها وكانت وقّادة لدرجة لم يتوقعها أحد، مع أن النظام راهن على الزمن كثيراً وراهن على تبدل المصالح وتضاربها لنجاته، لكن جاءت الرياح بما لم يشتهِ، وخاصة على المستوى الاستراتيجي فيما يخص بقاءه، فما هي رهاناته السابقة والحالية وكيف خسرها وسيخسرها؟

رهانات الأسد الخاسرة أفقدته السلطة كاملا

أول رهان راهنه الأسد هو تفكيك الثورة وقتل رموزها واعتقالهم ورميهم في المعتقلات وبعدها تصفيتهم، ومن ثم تدمير الحواضن التي أفرزتهم فزادت على إثر ذلك الثورة اشتعالاً وأصبح الأمر كمن يصب الزيت على نارها، بعد ذلك لجأ إلى العنف الطائفي عبر إدخال حزب الله وإيران فكان الرد مكلفاً لشركاء الموت والخراب وفقد الكثير من مساحات سوريا بشكل أوصله للانهيار، وعلى التوازي من ذلك لعب بالورقة الرابحة والتي لطالما أنقذ حكاماً قبله كالإرهاب والقاعدة ومن ثم داعش ليتشكل حلف دولي لقتال داعش ويستثنيه ويستثني العمل معه، ويسحب منه أكثر من 35% من الأرض السورية وهي الأكثر غنى بالثروات، ثم بعدها راهن على القوة الإجرامية الروسية وتجربتهم في الشيشان والتي قضت على التمرد والثورة هناك بوحشية، صحيح أن هذا الرهان ساعده على استعادة جزء كبير من الأرض لصالحه ظاهراً ولروسيا وإيران على وجه الحقيقة والنفوذ، لكنَّ هذا التدخل أفقده أيضا السيطرة على السلطة، فصورته وهو يُمنع من اللحاق ببوتين مع إذلاله في أكثر من مناسبة ولاحقا إهانة وزير دفاعه السابق والحالي، وانقسام السلطة في مناطق “سيطرته” إلى روسية وإيرانية وهي عبارة عن مجموعات سكانية ينهش فيها الفقر والجوع وانعدام وسائل العيش لأكثر من 97‎%‎ من سكان مناطق سيطرته و3‎%‎ غارقة في ترفها وهو غارق معهم في برج عال لا يسمعهم مع مئات الميلشيات الأجنبية تتقاسم النفوذ في المدن والقرى وحتى الشوارع، كل ذلك جعل من وجوده معدوما ولكن يستمر في رهانه الخاسر فمع تغير إدارة ترامب ومجيء “جو بايدن” شعر الأسد بارتياح شديد خاصة أن إدارة بايدن أتت وعلى رأس أجندتها الاتفاق النووي مع إيران الشريكة في رعاية الأسد ومعها راهن الأسد على تدفق الأموال إليه من إيران، وتبدل التوازنات لصالحه ولكن الذي حدث عكس ذلك حيث ارتكب راعيه الثاني والأقوى “بوتين” حماقة الحرب على أوكرانيا ومعها تبدلت كل المعادلات ـ حتى معادلات الاتفاق النووي ـ التي راهن عليها وتغيرت كل الحسابات وأصبح بوتين نفسه بحاجة لقشة يتعلق بها ولو على حساب بشار وحكمه، فالصورة أضحت معقدة جداً للعالم ما بعد حرب روسيا على أوكرانيا فقد تضاربت مصالح الجميع مع الجميع وعلاوة على ذلك أصبح بشار الأسد أشبه “بكيس الرمل” الذي يتلقى الضربات عوضا عن بوتين، سيما أن بشار نفسه تبرع بخطوات زادت من تشديد الخناق عليه فساند بوتين في حربه واعترف باستقلال الأقاليم التي احتلها بوتين، فأصبحت جرائم بوتين والأسد في سوريا حديث الجميع ومادة للهحوم اللاذع لكل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية وشركائهم.

رهان الأسد الأخير على طهران

أصبح النظام يعي تماما أن روسيا على ما يبدو غرقت في الرمال المتحركة في أوكرانيا وتخوض حرب استنزاف طويلة، ولذلك ليست في وارد الانخراط أكثر فأكثر في سوريا حيث أمنت المنطقة التي تشكل لها هاجساً تاريخاً في البحر المتوسط من خلال مدينة طرطوس، وأصحبت باقي الملفات عبئا عليها وتفكر جديا أنها ستسلمها ولكن لمن؟ هنا لا بد من استعادة تصريحات ملك الأردن عن “أن انسحاب روسيا خلق فراغا يملؤه الإيرانيون” زار الأسد طهران و”حقق حلمه” ـ على حد تعبير وزير الخارجية الإيراني ـ بلقاء خامنئي والمؤكد أنه طلب الاستغاثة بعد إدراكه أن روسيا فعليا ترتب تقليص وجودها في سوريا وجعله في مناطق نفوذها الحقيقي، ونحن تابعنا ما سمعه الرئيس أروغان من خامنئي من رفضه العملية العسكرية فعلى ما يبدو بشار فهم كل هذه الأجواء المحيطة به، ويبدو أنه فهم أيضاً بأنه وصل إلى طور التفكك النهائي ومرحلة إعادة ضبط المنطقة والأكيد بدونه، وهو يحاول في الزمن المتبقي النفاذ من ثقب الإبرة، ولعب رهانه الأخير على إيران ولكن هو يعلم أن إيران ليست في مكان يضمن لها الاحتفاظ بكل أوراقها ولا بد أن تضحي بأوراق في النهاية، ولكن لا مفر من لعب رهانه الأخير ويعلم أيضا أنه لم يعد ورقة رابحة يراهن عليها أحد بعدما شكلوا مناطق نفوذ ونظم حكم بعيد عنه، فالجميع يعرف أن نظامه انتهى، ونعتقد أن المناورة الإيرانية والروسية معاً تلقت رداً شعبيا قاسياً عبر مظاهرات عارمة في المناطق المحررة ورداً دبلوماسياً غربياً إذ لا بد من لحظة الإرهاصات والتحركات الدولية التي صاحبت الاجتماعين في طهران وسوتشي، أولها اجتماع نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي إيثان غولدريتش بنظرائه السعودي والتركي والبريطاني والمصري بشكل منفصل، وبعدها تتحرك فرنسا ضد نظام بشار الأسد على خلفية مجزرة التضامن و(تستنفر) على حد تعبيرها من أجل ضمان محاسبة الأسد، وبعد أيام من ذلك تصرح نائبة ألمانية في البرلمان الأوروبي ومسؤولة العلاقات الخارجية في هذا البرلمان وهي قيادية في حزب الخضر شريك الحكم في ألمانيا وضحت أنه لا سلام ولا استقرار بوجود الأسد، وأخيرا على الجميع أن يعي أن ثورة السوريين ليست مجرد انتفاضة بل هي ثورة جذرية لن تستكين حتى تحقق هدفها وتكنس بقايا النظام من على أرض سوريا.

Advertisements