التصريحات الأخيرة لمسؤولي الحكومة التركية، حول فكرة الحوار مع النظام السوري وإيجاد حل سياسي للصراع السوري، أعطت مؤشرات على تغيرات في سياسة الحزب الحاكم، فيما أظهرت بعض الأحزاب التركية الأخرى مواقف أكثر وضوحًا وميلًا إلى التقارب مع النظام.
وصرح الأمين العام لحزب “وطن” (Vatan Partisi)، أوزغور بورسالي، الأربعاء 17 من آب، بأن وفدًا من الحزب يضم رئيسه، دوغو بيرينتشيك، سيزور سوريا خلال الأيام المقبلة، ويلتقي رئيس النظام، بشار الأسد وشخصيات “رفيعة المستوى”.
وقال بورسالي، إن “حزب الوطن سيقوم بهذه الزيارة بشكل مستقل بدعوة من الدولة السورية، وهي زيارة مستقلة عن حزب العدالة والتنمية”، موضحًا أن الحزب لا يمثل وسيطًا بين النظام السوري والحكومة التركية.
كما قدم بورسالي معلومات حول مضمون المحادثات، وذكر أن “النضال المشترك” ضد “حزب الاتحاد الديمقراطي” (PYD)، وعودة اللاجئين السوريين في تركيا، ووحدة أراضي سوريا ستكون الموضوعات الرئيسة للقاء.
وأعلن رئيس حزب “الديمقراطية والتقدم”، علي باباجان، في ذات اليوم، أنهم الحزب مستعد للقاء جميع الأطراف، وبالأخص النظام السوري، وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، لضمان الأمن في سوريا، وتهيئة الظروف لعودة السوريين إلى بلادهم.
وتعقيبًا على التصريحات التركية الأخيرة، قال رئيس حزب “المستقبل” التركي، أحمد داوود أوغلو، في 13 من آب، إن اللقاءات التركية- السورية ممكنة وفق ثلاثة أهداف سياسية، أولها أن النظام غيّر موقفه ويُظهر إرادة الصلح مع شعبه، ومثل هذا غير موجود، على حد قوله.
وثانيها أن النظام يسيطر على كل الأراضي السورية بما فيها الحدود السورية- التركية، مما يمكن أن تؤدي الحوارات لنتيجة، وهو غير مسيطر.
وأخرها بحسب داوود أوغلو، وجود “رسالة إيجابية” من النظام، وهذا غير متوفر، وفي ظل عدم تواجد مثل هذه المعطيات، فإن “السبب الوحيد” لمثل هذا اللقاء، هو الضغط الذي يمارسه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
موقف الأحزاب البرلمانية من النظام السوري
1- حزب “العدالة والتنمية” (AK Partisi)
هو الحزب الحاكم، ويرأسه رجب طيب أردوغان، ويمتلك 286 مقعدًا في البرلمان، من أصل 581 ،وتشكل الغالبية مع حليفه حزب “الحركة القومية”، وهو في السلطة منذ عام 2002.
وبحسب دراسة صادرة عن مركز “حرمون للدراسات”، في 11 من تموز، أي قبل التصريحات الأخيرة، فإن موقف حزب “العدالة والتنمية”، في ما يتعلق بالتطبيع مع النظام في سوريا، لم يطرأ عليه تغير حقيقي، إذ تقف الحكومة التركية إلى جانب المعارضة.
وعلى الرغم من تصريحات المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، عن وجود محادثات بين الجانبين على مستوى الاستخبارات، فإن تلك المحادثات ما زالت في إطار “الوجود العسكري التركي داخل سوريا وطبيعته”، وتركز على المجال الأمني بالدرجة الأولى.
فيما تنظر حكومة “العدالة والتنمية” إلى النظام السوري على أنه “نظام مجرم قاتل”، ولا يمكن تسليم السوريين في تركيا إليه، وذلك بحسب تصريحات متكررة للرئيس أردوغان.
بينما أعلن نائب رئيس “حزب العدالة والتنمية”، حياتى يازجي، أن العلاقات مع النظام السوري يمكن أن تصبح “مباشرة”، وأن يرتفع مستوى تمثيلها.
كما شدد يازجي على أن أهم خطوة لحل النزاعات هي الحوار، بحسب مانقلته قناة “aHaber” التركية، في 15 من آب.
2- حزب “الشعب الجمهوري” (Cumhuriyet Halk Partisi)
هو أكبر حزب معارض في تركيا، وله 135 مقعدًا في البرلمان، ويرأس كذلك البلديات الكبرى في تركيا (إسطنبول، أنقرة، أزمير)، ويرأسه كمال كليجدار أوغلو.
ويعارض الحزب موقف حكومة “العدالة والتنمية” المناهض للنظام السوري، ويرى أن التطبيع مع النظام ضرورة لضمان عودة اللاجئين، وأنه جاهز لتحقيق هذا التطبيع في حال فوزه بالسلطة.
وقد وعد كليجدار أوغلو في آب 2021، بتغيير السياسة الخارجية التركية، حين قال، “سأقوم بتأسيس مبادرة السلام في الشرق الأوسط، بالتعاون بين تركيا وإيران والعراق وسوريا”.
وبحسب دراسة مركز حرمون، من المتوقع في حال فوز الحزب بالسلطة، سيبادر مباشرةً إلى التطبيع مع النظام السوري، وخاصة أنه يروج لفكرة أن مصلحة تركيا هي بالتواصل مع النظام للقضاء على تهديدات التنظيمات الإرهابية، مثل “PKK”، كما يعتقد الحزب أن تطبيع العلاقات مع مصر يُسرع إمكانية إجراء خطوة مماثلة مع النظام.
3- حزب “الشعوب الديمقراطي” (Halkların Demokratik Partisi)
يُعد ثالث أكبر حزب في البرلمان التركي، وله 56 مقعدًا، وهو حزب اشتراكي محسوب على الأكراد، ويواجه دعوى قضائية لإغلاقه، بتهمة دعم “حزب العمال الكردستاني” المصنف إرهابيًا في تركيا.
وبحسب الدراسة، فإن موقف هذا الحزب مرتبط برؤيته لـ “الإدارة الذاتية” في سوريا، ودعمه السياسي لها كإدارة ذاتية مستقلة في شمال شرقي سوريا، وبالتالي، فإن أي موقف حول التطبيع مع النظام السوري مرتبط بموقف هذه التنظيمات من المسألة.
4- حزب “الحركة القومية” (Milliyetçi Hareket Partisi)
وهو حزب قومي تركي، يرأسه دولت باهتشيلي، الذي يعتبر الحليف الأقرب لأردوغان، إذ يجمعهما “تحالف الجمهور”، وللحزب 47 مقعدًا في البرلمان التركي.
ورحّب باهتشيلي بالتصريحات الأخيرة لوزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، المتعلقة بالشأن السوري.
وفي بيان صادر عن الموقع الرسمي للحزب، في 15 من آب، قال باهتشيلي، “خطوات تركيا في سوريا قيمة ودقيقة، والتصريحات البنّاءة والواقعية لوزير خارجيتنا حول إحلال السلام بين المعارضة السورية ونظام الأسد، هي متنفّس قوي للبحث عن حل دائم”.
وأضاف، “لا يجب على أحد أن ينزعج من هذا”، وأوضح أن رفع محادثات تركيا مع النظام السوري إلى مستوى الحوار السياسي، في سياق إخراج “التنظيمات الإرهابية” من كل منطقة توجد فيها، هو من أهم القضايا المطروحة على الأجندة السياسية في المستقبل.
وأبدى رغبته في أن تسود أجواء التطبيع كل منطقة، ومع كل جار لتركيا بحلول عام 2023.
وكان الحزب سابقًا من الأطراف الرافضة لفكرة الحوار مع النظام السوري، من جانب إنساني ومبدأ أخلاقي، َوقد صرح باهتشيلي سابقًا، بأن “الحوار مع مجرم يقتل شعبه لا يليق بتركيا”.
5- “حزب الجيد” (İyi Parti)
يُعد حزب الجيد، والذي ترأسه، ميرال أكشنر من أكبر الداعمين والداعين إلى إجراء محادثات مباشرة مع النظام السوري، لكونه يعتقد أن هذه المحادثات تفتح الباب أمام السوريين للعودة إلى بلدهم.
وتربط زعيمة الحزب أكشنر ضمان عودة السوريين إلى بلدهم، بالحديث مع رأس النظام السوري، بشار الأسد، وقد خاطبت أردوغان أكثر من مرة بالقول، “إذا لم تكن راغبًا في الحديث مع الأسد، فأرسلني إليه لأتحدث معه، كي يأخذ شعبه، ونكون نحن الضامن لذلك”.
تتاشبه مخرجات ورشة العمل التي عقدها “حزب الجيد”، في كانون الأول 2019، حول السوريين ومصيرهم في تركيا، مع ما عرضته صحيفة “تركيا” الأسبوع الماضي حول تشكيل تركيا والنظام “لجنة من الخبراء” من الطرفين المختصين بالشأن السوري، ضمن حركة المفاوضات.
وتعتمد خطة الحزب على تشكيل لجنة مشتركة بين تركيا والنظام السوري، من أجل تهيئة الظروف لعودة السوريين إلى منازلهم التي تركوها قبل اللجوء.
وأشارت آخر استطلاعات الرأي في الشارع التركي إلى أفضلية الحزب الحاكم على بقية مرشحي الأحزاب بنسبة 39% في انتخابات الرئاسة المقبلة، وفق استطلاع رأي أجرته شركة “سونار” للأبحاث في أيار الماضي.