تخطى إلى المحتوى

أحد عشر عاماً من الدعم التركي المستمر للثـ.ـورة السورية.. كيف تغيّرت الحسابات؟

أحد عشر عاماً من الدعم التركي المستمر للثـ.ـورة السورية.. كيف تغيّرت الحسابات؟

لم يعد بإمكان رئيس الوزراء التركي “رجب طيب أردوغان” في 2011 وما بعدها أن يبقى متمسّكاً بمبدأ “صفر مشاكل” السياسي مع دول الجوار، والذي يُعدّ مبدأً راسخاً من “مبادئ الديمقراطية والعلمانية التي أرساها مؤسس الدولة “مصطفى كمال أتاتورك”، حيث وجدت تركيا نفسها في قلب الصراع، مضطرّةً لتحمّل تبعات ثورة ليست ثورتها، واضطر أردوغان لاتخاذ موقف حاسم من صديقه السابق “بشار اﻷسد” بعدما أوغل في دماء السوريين وأشعل المنطقة.

فيما يلي نستعرض أبرز المحطات والتحوّلات في العلاقات بين الحكومة التركية ونظام اﻷسد منذ اندلاع الثورة، وأهم الملفات واﻹشكاليات بين الجانبين.

كانت آخر زيارة يجريها أردوغان إلى دمشق للقاء اﻷسد في آب من عام 2010 لنقاش “ملفات المنطقة ودول الجوار” والملف العراقي، حيث كانت العراق مصدر عدم الاستقرار وذلك وسط نقاشات حول إمكانية زيادة حجم التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين تركيا وسوريا.

ولدى اندلاع الثورة في 2011 تمهّلت أنقرة في إصدار بيانات مندّدة بموقف اﻷسد، حيث لا زال لدى أردوغان أمل لعدّة أشهر في أن يقوم اﻷسد بإصلاحات تمتص غضب السوريين، وقال في حزيران من ذلك العام إنه “من المبكر جداً” القول إذا كان عليه الرحيل، مؤكداً أن تركيا نصحته بإجراء إصلاحات في سوريا قبل اندلاع الاحتجاجات، لكنّه ما زال حتى ذلك الحين يصفه بأنه “صديق”، مثنياً على “العاطفة الشعبية الكبيرة تجاه بشار الأسد” لدى السوريين.

وبعد ذلك بأيام استقبل رئيس الوزراء التركي “حسن تركماني” مبعوثَ الأسد في أنقرة وعقد معه اجتماعاً مطولاً امتدّ لثلاثة ساعات، انتهى بالفشل في إقناع النظام بتغيير عقليته، حيث لم يصدر بيان رسميّ، لكن وسائل إعلام كشفت أن أردوغان عبّر عن نفاد صبر بلاده تجاه “أساليب القمع الدموي، وبطىء وتيرة الإصلاحات، وتفاقم الأوضاع الإنسانية”، ونقلت عنه أنه سيتحدث عن الأسد “بلغة صارمة وقوية”.

وفي محاولة أخيرة لكبح جماح النظام وآلته العسكرية عن ضرب المدنيين وتهجيرهم، أوفد أردوغان وزير خارجيته ” أحمد داود أغلو” إلى دمشق في آب من عام 2011، في زيارة خصصت لنقاش “اتخاذ خطوات نحو الإصلاح”.

وبعد عودة أوغلو من دمشق دعا أردوغان النظام مجدّداً لأن يتخذ خطوات نحو الإصلاح “خلال أسبوعين”، مؤكداً أنه “يصوّب بنادقه نحو شعبه”، وأن “أنقرة أبلغته بوقف إراقة الدماء” لكنّ اﻷخير أخذ موقفاً عدائياً من تركيا متهماً إياها بالتدخل في شؤون البلاد والمشاركة في “المؤامرة على سوريا”.

وبعد مضي عام كامل على انطلاق الثورة وفي آذار من عام 2012 أعلنت تركيا تعليق أنشطة سفارتها في دمشق وإغلاقها، بالتزامن مع تنظيم مؤتمر لقوى المعارضة السورية في تركيا برعاية “المجلس الوطني السوري” الذي شكّل نواة “الائتلاف الوطني لقوى الثورة”.

وبدأت تركيا تتّخذ منحى متصاعداً في دعم المعارضة ضدّ النظام في 2012، بعد إصراره على عدم الاستجابة لنصائحه السياسية، حيث تمّ في نيسان عقد “مؤتمر أصدقاء سوريا” اﻷول في مدينة إسطنبول والذي جمع أكثر من سبعين دولة، تمّت خلاله مناقشة “تقديم الدعم للمعارضة”.

ومع تصاعد التوتّر بين الجانبين أسقطت أنظمة الدفاع الجوي لنظام اﻷسد طائرة عسكرية تركية فوق مياه البحر المتوسط، في حزيران من عام 2012، بحجة “اختراقها المجال الجوي السوري” بينما أكدت تركيا أن الطائرة كانت تحلق فوق المياه الدولية في مناورة تدريبية، وأن النظام “أسقطها عمداً”، ليوافق البرلمان بعد ذلك في تشرين الأول من العام نفسه على مذكرة تمنح الحكومة صلاحية القيام بعمليات عسكرية في سوريا.

وبعد تشرين الثاني من 2012 وافق حلف شمال الأطلنطي (الناتو) على تزويد تركيا بنظام باتريوت الصاروخي لحماية أراضيها من أي خطر قد يأتي من سوريا، وسط مطالب تركية بإنشاء منطقة آمنة وحظر جوّي في الشمال السوري.

ودعا أردوغان في آب من عام 2013 إلى إسقاط بشار الأسد بتدخّل عسكري خارجي، فيما صعّد النظام من لهجته ضدّ تركيا التي فتحت حدودها للاجئين السوريين، ودعت اﻷمم المتحدة والمجتمع الدولي لدعمها.

وبقيت العلاقات على نفس السويّة من التوتّر حتى صيف عام 2015، حين منحت تركيا قوات التحالف الدولي ضد “تنظيم الدولة” حرية استخدام قواعدها الجوية وشن غارات في سوريا والعراق، فيما عمدت القوات التركية إلى قصف مواقع لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” قرب الحدود بعد استيائها من الدعم الغربي الذي تم تقديمه لها بداعي “محاربة الإرهاب”.

وبعد ذلك بشهرين فقط وفي آب من عام 2015، أعلنت أنقرة أنها تعتزم إقامة منطقة آمنة على الشريط الحدودي مع سوريا، بالتعاون مع الولايات المتحدة، في خطوة تهدف ﻹبعاد “قسد” عن حدودها، وتخفيف ضغط اللاجئين السوريين، ومنع “تنظيم الدولة” من التمدّد.

وبعد التدخّل الروسي المباشر بسوريا في تشرين اﻷول، بدأت التوتّرات تنعكس بشكل جلي على العلاقات بين موسكو وأنقرة، حيث استدعت تركيا السفير الروسي بأنقرة في تشرين الثاني احتجاجاً على غارات جوية روسية استهدفت قرى تركمانية في الساحل شمال غرب سوريا، قبل أن تبلغ التوتّرات ذروتها عندما أسقطت القوات التركية في الشهر نفسه طائرة مقاتلة روسية قرب حدودها على الساحل السوري.

واتهمت أنقرة الروس بـ”التطهير العرقي” في شمال غرب سوريا، وانتقدت المجازر الواسعة بحق المدنيين، فيما رفع وزير خارجية نظام اﻷسد “وليد المعلم” من وتيرة تصريحاته الساخرة والجارحة، مطالباً تركيا بـ”وقف دعم الإرهابيين”.

وعقب نفاد صبر تركيا من الدعم الغربي لقسد، قرّرت في شباط من عام 2016، أن تستهدف بنفسها مواقع تلك القوات في شمال سوريا، وهو ما اعترض عليه النظام وتقدّم لشكوى لدى مجلس الأمن لوقف القصف التركي، بوصفه “انتهاكاً لسيادة سوريا”.

وبعد قرابة العام من بداية التدخّل الروسي في سوريا، واستغراق العملية الروسية الواسعة ضد الفصائل الثورية وقتاً أطول مما توقّع الروس بكثير، دعت موسكو أنقرة في تموز من عام 2016، إلى اتصالات عسكرية بين الجانبين والعمل على إيجاد حل سياسي في سوريا.

وعقد وزيرا خارجية البلدين اجتماعهما اﻷول حول الملف السوري في منتجع سوتشي الروسي، بعد اعتذار أردوغان عن إسقاط الطائرة الروسية، حيث بدأت العلاقات حينها تتجه نحو مزيد من التطوّر.

الحديث عن إعادة العلاقات مع النظام

أعلن رئيس الوزراء التركي، “بن علي يلديريم”، في تموز (تحوّل نظام الحكم إلى رئاسي وأصبح أردوغان رئيساً) أن تركيا تسعى إلى “تطوير علاقات جيدة مع سوريا”، في تصريح أثار الجدل وسط تسارع في تحسن العلاقات مع روسيا، حيث تحدّث عن “الحاجة لوجود علاقات جيدة واستقرار مع سوريا والعراق” من أجل أن “تنجح جهود مكافحة الإرهاب” في إشارة إلى قسد وتنظيم الدولة.

لكنّ تلك الدعوة لم تُتَرجم حينها على أرض الواقع، لتبقى العلاقات مع النظام متوتّرة، وتُطلق القوات التركية عملية “درع الفرات” في آب من العام نفسه.

مسار أستانا والتحوّل الجذري في سوريا

بعد عامين من التدخّل الروسي في سوريا، وشنّ الضربات والهجمات على محاور متعدّدة، فشل تحالف روسيا وإيران ونظام اﻷسد في إحراز تقدّم عسكري حاسم، لكنّ تقسيم المناطق الثائرة إلى 4 قطاعات وتوقيعها على اتفاقات “خفض التصعيد” كلاً على حدة غيّر مسار اﻷحداث.

وتمكنّت القوات الجوية الروسية والقوات الخاصة والميليشبات اﻹيرانية وقوات النظام من مهاجمة تلك المناطق واحدةً تلوى اﻷخرى، فيما بقيت إدلب في منأى عن الهجمات البرية، بموحب التفاهمات مع تركيا بينما كانت تتم مهاجمة ريف حمص الشمالي ودرعا وريف دمشق.

وتمّ عقد الجولة الأولى من مسار أستانا في كانون الثاني من العام 2017، والاتفاق على “خفض التوتر” و”محاربة اﻹرهاب” وشارك في الاجتماع وفد من نظام اﻷسد والمعارضة وروسيا وإيران وتركيا.

وبعد اتفاق “الضامنين” على ما سبق هاجمت روسيا والنظام والميليشيات اﻹيرانية ريفي حماة وإدلب الشرقي في المنطقة التي عُرفت باسم “شرق السكة”، حيث نشرت صحيفة “يني شفق” قبل الهجوم بأشهر خريطة مسربة عن اجتماع “أستانا 8” توضح أن تلك المنطقة ستكون ذات نفوذ روسي مما ألقى ظلالاً من الشك حول وجود “تفاهمات من تحت الطاولة”.

وبمجرّد أن أحكم اﻹيرانيون والروس سيطرتهم على منطقة “شرق السكة” أطلقت تركيا عملية “غصن الزيتون” شمال حلب في كانون الثاني من عام 2018، بعد تفاهمات عسكرية واجتماعات ثنائية عقدت في أنقرة وموسكو.

وشهدت نهاية ذلك العام توتّراً بين الجانبين، بسبب مهاجمة “منطقة خفض التصعيد” في “قلعة المضيق” بريف حماة، على الرغم من وجود 12 نقطة مراقبة تركية من ريف حماة حتى ريف حلب، واستدعت الحكومة التركية السفيرَ الروسي لتبلغه اعتراضها، ويبحث الجانبان وقفاً ﻹطلاق النار.

ورغم عقد عدّة اتفاقات استمرّت روسيا وإيران في هجماتها لتقوم بقضم المنطقة تدريجياً وهو ما أدّى لمحاصرة النقاط التركية، التي لم تستطع أن تحرّك ساكناً، وتعرّضت لضربات من قوات النظام، وأدى الاجتياح العسكري لموجات نزوح مليونيّة غير مسبوقة في 2019، استمرّت حتى نهاية شباط 2020، حيث أطلقت القوات التركية عملية “درع الربيع” في إدلب، لتزجّ بـ 12 ألف جنديّ في المنطقة وتشتبك مع قوات النظام وميليشيات إيران بشكل مباشر رغم تحليق الطيران الروسي، حيث قامت مسيّرات “بيرقدار” بتكبيدهم خسائر فادحة خلال أيام قليلة، فضلاً عن إسقاط طائرات للنظام، واحتدام الموقف، ومقتل عشرات الجنود اﻷتراك في غارة روسية بإدلب.

وفي الخامس من شهر آذار من العام نفسه، اتفق الرئيسان التركي والروسي في موسكو على وقف ﻹطلاق النار، وتسيير دوريات مشتركة، ليعقب ذلك انسحاب النقاط التركية المحاصرة، وتدخلَ المنطقة بعد فشل فكرة الدوريات في حالة جمود عسكري مستمرّة حتى اليوم.

وبالتوازي مع منطقة إدلب، توقفت خلال الفترة نفسها الدوريات المشتركة والتنسيق العسكري على الأرض بين روسيا وتركيا في منطقة الشمال الشرقي، لتعود تركيا وتُسخّن اﻷجواء عبر التهديد بإطلاق عملية عسكرية بعد عملية “نبع السلام” تستهدف وصل مناطقها بمنطقتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون”.

ومع تطبيع عدد من اﻷنظمة العربية مع النظام وتراجع الضغوط الغربية عليه، ووقوف كلّ من روسيا وأمريكا وأوروبا وإيران ضدّ إطلاق عملية جديدة للقوات التركية في تل رفعت بريف حلب، بدأت تركيا بالحديث عن دعوة وزير الخارجية التركي “مولود تشاووش أوغلو” لـ “الصلح” بين المعارضة واﻷسد من أجل حلّ الملف؛ فهل ستتم ترجمة التصريحات السياسية هذه المرة إلى تحرّكات على اﻷرض؟

Advertisements