تخطى إلى المحتوى

دلالات إعلان تركيا عن لقاء دبلوماسي مع النظام السوري في قراءة ل”مركز جسور”

دلالات إعلان تركيا عن لقاء دبلوماسي مع النظام السوري في قراءة ل"مركز جسور"

أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، يوم الخميس الماضي، إجراء محادثة قصيرة مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماع دول عدم الانحياز الذي انعقد في العاصمة الصربية بلغراد في تشرين الأول/ أكتوبر 2021

وجاء هذا الإعلان بعد 10 أشهر من اللقاء الذي يُعتبر أول اتصال دبلوماسي مُعلَن بين الجانبين منذ قطع العلاقات عام 2012، وفي هذا السياق يرى مركز جسور للدراسات أن استحضار هذا اللقاء في هذا التوقيت يعني أن تركيا لا تمانع تطوير مستوى اللقاءات الثنائية لتشمل الجانب الدبلوماسي بعدما كانت تقتصر على الأمنيّ منذ مطلع عام 2019

ومن وجهة نظر المركز فإن الإعلان المتأخر الذي جاء بعد أسابيع من اجتماع زعماء تركيا وروسيا وإيران في طهران، وقمة سوتشي التي جمعت أردوغان وبوتين، يحمل خمس دلالات

1- إصرار روسيا على حلّ مشاكل تركيا الأمنية في سورية بالتواصل مع النظام في إطار صيغة معدَّلة عن اتفاقية أضنة (1998)، وهو ما أشار إليه الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان في 6 آب/ أغسطس 2022

وحينها، كشف أردوغان أن بوتين طالب تركيا بالتعاون مع نظام الأسد في موضوع مكافحة التنظيمات الإرهابية التي تشكِّل خطراً على أمن أنقرة القومي

وقال أردوغان في تصريح صحافي أثناء عودته من سوتشي: بوتين يؤكد أنه يقف إلى جانب تركيا دائماً في مكافحة الإرهاب، وفي الوقت ذاته يلمح إلى أنه في حال سلكت تركيا طريق التعاون مع النظام السوري لحل هذه المسائل (التنظيمات الإرهابية) فإن ذلك سيكون أكثر صواباً، طالما كان ممكناً

وأشار أردوغان إلى أن جهاز الاستخبارات التركي على تواصًل مع استخبارات النظام السوري حول هذه المسائل بالفعل لكن المهم هو الوصول إلى نتيجة

وأضاف: ونحن نقول لروسيا: إن كانت التنظيمات الإرهابية لا تزال تصول وتجول هناك رغم قيام جهاز استخباراتنا بهذا العمل مع مخابرات النظام السوري فيتعين عليكم دعمنا بهذا الخصوص، ولدينا تفاهُم بهذا الشأن أيضاً

2- رغبة تركيا في إظهار التجاوُب مع عرض الوساطة الإيرانية لإصلاح العلاقة مع النظام والذي قدّمته مطلع تموز/ يوليو 2022، فيما يبدو أنّ أنقرة تعثّرت في تحقيق اختراق في القمة الثنائية مع روسيا لمعالجة الخلافات والمخاوف الأمنية حول سورية وَفْق رؤيتها القائمة على شنّ عملية عسكرية بشكل منفرد

مطلع شهر تموز/ يوليو الماضي ألمح وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى أنه يقود وساطة بين تركيا والنظام، بخصوص منطقة الشمال السوري التي تعتزم أنقرة تنفيذ عملية عسكرية فيها ضد قسد

وقال عبد اللهيان في مؤتمر صحافي عقده في دمشق: إنه تحدث إلى المسؤولين الأتراك، خلال زيارته الأخيرة إلى أنقرة بخصوص التهديدات التركية بشنّ عملية عسكرية جديدة شمالي سورية

وأضاف: أكدت بأن الحل يكمن في إجراء حوار بين المسؤولين الأمنيين لكل من تركيا والنظام السوري.. ما فهمته من المسؤولين الأتراك أنهم يضعون الحلّ السياسي كأولوية لحل هذه المخاوف

ولفت إلى أنه تحدث إلى المسؤولين في النظام السوري، وأكد لهم أن إيران ستبذل جهودها للحيلولة دون وقوع نزاع عسكري بين سورية وتركيا والتركيز على حل سياسي ، مشيراً إلى أنه ناقش هذا الموضوع مع اللواء علي مملوك

وجدد عبد اللهيان معارضة بلاده لأي إجراء عسكري وتحت أي مبرر، في سورية ، مضيفاً: أعلنّا عن استعدادنا التامّ لتقديم حل سياسي والمساعدة في الوساطة بين سورية وتركيا، وأننا سنبذل قصارى جهدنا من أجل الحَوْل دون حدوث عملية عسكرية والتركيز على حل سياسي في هذا الأمر

3- محاولة تركيا الاستفادة من إصرار روسيا وإيران على التواصُل مع النظام لأداء دَوْر الوساطة مع المعارضة، للحفاظ على قدرتها في التأثير على العملية السياسية المتعثّرة، ولتوسيع سُبل إقامة المنطقة الآمنة في سورية وَفْق شروط تكون مقبولة لديها

4- تزايُد مخاوف تركيا من تعثُّر مسار المفاوضات مع الولايات المتحدة بخصوص القضايا الخلافية حول سورية بما فيها الموقف من العملية العسكرية ودعم قسد ، وبالتالي محاولة إيجاد بدائل لضمان إنشاء منطقة آمِنة

في 27 تموز/ يوليو الماضي، انتقد جاويش أوغلو، الولايات المتحدة وروسيا لعدم التزامهما بالوعود المقدمة لبلاده بخصوص تأمين الحدود الجنوبية مع سورية

وقال جاويش أوغلو في حديث متلفز على قناة تي في 100 التركية: إن الولايات المتحدة غير صادقة في محاربة الإرهاب، مُعتبِراً أن الدليل على ذلك هو تقديم القيادة المركزية للقوات الأمريكية التعزية في قيادية بـ قسد

وأضاف: ما فعلته القيادة المركزية الأمريكية غير مقبول، إنه مثال جيد على نفاق الولايات المتحدة في الحرب ضد الإرهاب

كما أشار وزير الخارجية التركي إلى أن الولايات المتحدة وروسيا لم تَفِيَا بوعودهما بإخراج الإرهابيين من المنطقة، وهذا يدل على عدم إخلاصهما في محاربة الإرهاب

5- محاولة الحزب الحاكم في تركيا -في إطار المناورة أو الرغبة- إيجاد حلول للضغوط التي يتعرّض لها بما يخص قضية اللاجئين السوريين، عَبْر إظهار القدرة على إقامة منطقة آمِنة بكل السُّبل سواءً عسكرياً أو دبلوماسياً بما في ذلك التواصل مع النظام

وكان رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض كمال كليتشدار أوغلو، أعلن أواخر شهر تموز/ يوليو الماضي عزمه إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية المقبلة

وقال أوغلو في كلمة أمام ممثلي منظمات المجتمع وقادة الرأي في أنقرة: إن الأتراك غير مرتاحين مع اللاجئين السوريين، وسوف نعيدهم إلى بلادهم، ونهيئ لهم الظروف المناسبة للعيش بسلام في بلادهم

وأشار أوغلو إلى أن مراحل خطته تتضمن إقامة حوار مع النظام السوري وإعادة العلاقات، وضمان سلامة أرواح المواطنين وممتلكاتهم، فيما سيتدخل الجيشان التركي والسوري والأمم المتحدة لتوفير الأمن، ثم توفير أماكن السكن والعمل للعائدين بتمويل من الاتحاد الأوروبي

ويعتقد مركز جسور أنّ الإعلان المتأخّر عن لقاء دبلوماسي -عابر للحدود- بين النظام وتركيا، لا يعني أن أنقرة ماضية نحو مُقارَبة جديدة في سياستها الخارجية حول سورية

وأضاف: إنّ مثل هذا التغيُّر قد يُعرّض مكاسبها للخطر في مناطق وجودها العسكري مع تنامي مشاعر الاستياء والسخط، فلا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأنّ النظام وحلفاءه قد يُبدون مرونة تجاه مطالب أنقرة لشكل العلاقة

ومضى بالقول: عموماً، ما زال الحديث عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين النظام وتركيا مبكراً، خصوصاً أنّ مطالب وشروط أنقرة لم تتحقق بعدُ

Advertisements