أُثيرت خلال اليومين الماضيين، مسألة عودة العلاقات السياسية بين أنقرة والنظام في سوريا، بعد نحو عقد على انقطاعها، مع تأكيد أنها ستأتي محمولة على تواصل مباشر بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وبشار الأسد، برعاية ودفع من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
وفي وقت سابق، ذكرت صحيفة “تركيا” المقربة من دوائر حكومية، أن هناك أنباء عن محادثة هاتفية محتملة بين أردوغان والأسد. وبينت الصحيفة أن الزعيم الروسي دعا الأطراف للاجتماع لإجراء مناقشات.
الدور الروسي في التواصل بين أردوغان وبشار الأسد
تواصل موقع تلفزيون سوريا هاتفيا مع الدبلوماسي والمحلل السياسي الروسي، رامي الشاعر، وهو سياسي مقرب من دوائر صنع القرار في موسكو، لمعرفة إمكانية حدوث مثل هكذا تواصل.
الشاعر اعتبر أن كل ما يتم تناقله في وسائل الإعلام المختلفة بشأن طلب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، لقاء أو حتى التواصل هاتفيا مع رئيس النظام في سوريا، بشار الأسد، “أنه عارٍ تماما عن الصحة”، وأنه ليس أكثر من تكهنات وتخمينات واجتهادات من الصحفيين.
وبرر رأيه بالتأكيد على أن الدور الروسي في سوريا -في الوضع الراهن- يقتصر بالدرجة الأولى على الحفاظ على نظام التهدئة ووقف الاقتتال في سوريا، و”القضاء على ما تبقى من الإرهابيين والتنظيمات المصنفة دوليا إرهابية”، حسب قوله.
علاوة على ذلك تسعى روسيا، بحسب الشاعر، للوساطة بين السوريين، وتوفير بيئة مناسبة للحوار الجدي بين الأطياف المختلفة من الشعب السوري، للتوصل إلى توافق ما بين المعارضة و”القيادة في دمشق” على تعديل الدستور وبدء عملية الانتقال السياسي وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254، وذلك هو الموقف الروسي الثابت الذي لا يتغير.
ويدعم رأي الشاعر، ما جاء من توضيح حول تواصل قريب بين أردوغان والأسد على لسان الرئاسة الروسية (الكرملين)، وقد ساق بيانها أمس الثلاثاء، المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف الذي قال إن “الإجابة بخصوص المزاعم عن خطة اتصال بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس النظام السوري بشار الأسد باقتراح من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يمكن لموسكو إعطاء تعليق عليها.
ووفق وكالة ريا نوفوستي، فقد أضاف بيسكوف أن الشؤون السورية تمت مناقشتها من قبل قادة روسيا الاتحادية وتركيا، ما تبقى هي القضايا الثنائية للنظام السوري وأنقرة، وقال بيسكوف للصحفيين “تمت مناقشة الشؤون السورية خلال اجتماع عقد مؤخراً في سوتشي، أما بالنسبة لآفاق الاتصالات الثنائية عبر الهاتف، فيجب أن تسأل الجانب التركي أو الجانب السوري”.
متى يحدث تواصل بين النظام وتركيا؟
يشير الدبلوماسي الروسي رامي الشاعر، إلى أن الحفاظ على ما اعتبره “السيادة السورية ووحدة الأراضي” إنما يعود إلى جهود مضنية من جانب مجموعة مسار أستانا، المكونة من روسيا وتركيا وإيران. وسيستمر هذا الدور إلى أن يتمكن السوريون من التوصل إلى توافق سوري- سوري.
وقال في هذا السياق، إنه لا يمكن أن تنشأ أي علاقات رسمية بين تركيا وسوريا (النظام) دون حدوث هذا التوافق بين السوريين، والذي يوافق عليه الجميع، ويكون مفتاحا لحل مشكلة اللاجئين، ومشكلة وضع فصائل المعارضة السورية الموجودين في الشمال والمناطق الأخرى من الأراضي السورية.
وطلب موقع تلفزيون سوريا من الشاعر تفسيرا لوجود وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد في تموز الماضي بطهران في الوقت الذي انعقدت به قمة رئاسية ثلاثية جمعت رؤساء تركيا وإيران وروسيا، وهو ما أثار أسئلة حول ما إذا كان المقداد عقد اجتماعا بوساطة إيرانية روسية مع مسؤولين أتراك؟.
وجاء في توضيح الشاعر “بخصوص زيارة المقداد لطهران في أثناء انعقاد قمة أستانا، فأعتقد أن المبادرة كانت من جانب دمشق (النظام)، وتجاوبت معها طهران، واقتصرت على محادثات سورية- إيرانية”.
ووفق تأكيره فإنه لم تكن زيارة المقداد من مبادرة أي طرف لإجراء وساطة للقاء سوري تركي في طهران.
وأكد أنه لا يمكن أن تكون هناك أي اتفاقات سرية، لم تظهر للعلن، بين روسيا وتركيا وإيران، لأن كل طرف من تلك الأطراف يقف على أرضية صلبة، وموقفه واضح بالنسبة للوضع في سوريا، وكيفية التعامل معه، ومدى تأثير العلاقات الثنائية لكل طرف مع سوريا، ومراعاة هذه العلاقات والاتفاقيات الثنائية مع دور مسار أستانا للحفاظ على نظام التهدئة، ومساعدة السوريين في تجاوز أزمتهم.
وقال الشاعر “بهذه المناسبة يتعين التأكيد على أن الحل في سوريا لن يكون بأي مباحثات ثنائية إيرانية سورية أو تركية سورية أو حتى روسية- سورية، الحل في سوريا سيكون فقط بتوافق سوري- سوري، وهذا ما يجب أن يعيه ويدركه ويستوعبه الجميع، ولقاء الزعماء الثلاثة في طهران، كان من أجل مناقشة المستجدات والتأكيد على السير قدما للتعاون في مساعدة سوريا وشعبها، ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية، التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وانعكاس ذلك على الملف السوري”.
إشارات تركية إلى احتمالية التواصل
أكبر إشارة وفق مراقبين من أنقرة على احتمالية حدوث تواصل قريب على الصعيد السياسي بين النظام السوري والمسؤولين الأتراك، جاءت على لسان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو.
إذ قال الرجل في نهاية تموز الماضي، إن بلاده ستقدم كل أنواع الدعم السياسي للنظام في سوريا، وهنا خص جاويش أوغلو هذا الدعم لمواجهة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، لإبعادها عن الحدود التركية، وهنا يعتقد المراقبون أن الدعم إن جاء مرة فسيتكرر ويتنوع ويفتح أبوابا عالية في تركيا أغلقت منذ نحو عقد بوجه بشار الأسد ونظامه.
شريحة واسعة من المعارضة السورية شعرت بالخطر من هذا التصريح، الذي دفع ببعض مؤسسات المعارضة السورية (غير السياسية) وعلى رأسها المجلس الإسلامي السوري بإصدار بيانات تؤكد فيها أن النظام في سوريا يشكّل رأس الإرهاب، ولا يمكن الاعتماد عليه بمحاربة قوى إرهابية أخرى، في إشارة منهم إلى حزب العمال الكردستاني (PKK ) الذي يمثل العمود الفقري لـ “قسد”.
كما كتب قائد “الفيلق الثالث” في الجيش الوطني السوري، أبو أحمد نور وقائد “حركة التحرير والبناء” العقيد حسين حمادي، تغريدات متناسقة مع ما جاء في بيان المجلس الإسلامي السوري.
وإلى جانب ذلك فإن التواصل الاستخباري لم ينقطع يوما تقريبا بين النظام السوري وأنقرة رغم المواقف الحادة التي تتخذه تركيا ضد النظام السوري، وعلى الرغم من كونها أكبر الدول التي ضمت لاجئين سوريين، وفتحت أبوابها الواسعة للمعارضين السياسيين للنظام.
حتى إن تجديد التأكيد على هذا التواصل جاء قبل أيام من قبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان حين قال من على متن طائرته الرئاسية خلال عودته من سوتشي الروسية عقب لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين، إن الاستخبارات التركية على تواصل مع “المخابرات السورية” بشأن مكافحة الإرهاب بالفعل.
كما أنه لم يخف مرة أنه يفضل رؤية النظام السوري على حدوده بدلا من التشكيلات العسكرية التي تصنفها أنقرة على لوائح الإرهاب كـ “PKK” و”قسد”.
وسبق وأن التقى، رئيس مكتب الأمن الوطني التابع للنظام السوري، علي مملوك، ورئيس جهاز الاستخبارات التركي، هاكان فيدان، عام 2020 وقد أكدت ذلك وكالة “الأناضول” وقالت حينئذ، إنه “جاء حفاظا على المصالح التركية وإحلالا للسلام في المنطقة”، كما قد أكده وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار.