تخطى إلى المحتوى

3 دوافع وراء زيارة بشار الأسد إلى حلب ومحللون: 3 احتمالات تفسر تأخرها 6 سنوات

3 دوافع وراء زيارة بشار الأسد إلى حلب ومحللون: 3 احتمالات تفسر تأخرها 6 سنوات

أثارت الزيارة التي أجراها رأس النظام بشار أسد إلى حلب مؤخراً، جدلاً واسعاً خلال اليومين الماضيين، وبالتحديد فيما يتعلق بدلالات التوقيت، على اعتبار أنها الزيارة الأولى التي يقوم بها للمحافظة منذ سيطرة ميليشياته والقوى الحليفة لها على المدينة وأجزاء واسعة من ريفها نهاية العام ٢٠١٦.

وطيلة السنوات الماضية مثّل غيابه عن حلب موضع تكهنات وأسئلة، خاصة وأن بشار أجرى زيارات لمعظم المدن التي استعادت ميليشياته السيطرة عليها، بما في ذلك مناطق أصغر بكثير وأقل قيمة من حلب، المدينة الأكبر بعد العاصمة دمشق.

رسائل روسية-إيرانية إلى تركيا والغرب

لكن تزامن حضوره إلى عاصمة الشمال، ومركز الاقتصاد السوري الأول، مع تطورات عدة، سواء محلياً أو دولياً، وضع هذه الخطوة في سياق تلك التطورات، حيث حدد عدد من المحللين السوريين الذين استمزجت “أورينت نت” آراءهم حولها، ثلاث دلالات رئيسية لتوقيت زيارة رأس النظام إلى حلب، وهي:

الأولى: رسالة روسية إلى تركيا بأن أي هجوم لقواتها على مناطق سيطرة ميليشيا “قسد” في شمال سوريا سيُعدّ هجوماً على الدولة السورية وليس على الميليشيات التي تتبع لحزب العمال الكردستاني الإرهابي فقط، في ظل الحديث عن أن موسكو تعارض وبقوة التهديدات التي أطلقتها أنقرة بتنفيذ عملية عسكرية خامسة لجيشها هناك، خاصة وأن أنظار القيادة التركية تتوجه إلى غرب الفرات، وتحديداً بلدة تل رفعت ومحيط مدينة منبج بريف حلب، وهي منطقة نفوذ روسي تسيطر عليها قسد.

الثانية: رسالة روسية إلى الغرب بعد فشل تمرير قرار جديد في مجلس الأمن حول تمديد دخول المساعدات من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، والخاضع لسيطرة المعارضة، حيث تريد موسكو القول إن جميع الأراضي السورية تخضع لسلطة “شرعية” واحدة، وأنه يجب احترام سيادة هذه السلطة.

الثالثة: رسالة إيرانية إلى تركيا والدول الأخرى بأن حلب هدف لا تنازل عنه بالنسبة لها، بدلالة أن زيارة بشار إلى حلب بدأت من محطة توليد الكهرباء في مدينة دير حافر بريف المحافظة الشرقي، والتي قامت إيران بعملية إعادة تأهيلها، وأنه يجب باستمرار أخذ مصالح وقوة حضور طهران بعين الاعتبار في كل ما يتعلق بالملف السوري، وأنه لا يوجد منطقة خارج مجال نفوذها واهتمامها، بما في ذلك حلب التي تعتبر في المقاربات الجيوسياسية، أحد معاقل السنة الرئيسية في الإقليم، إلى جانب دمشق والموصل العراقية وطرابلس اللبنانية.

ترتيب خاص

ولذلك يعتبر المحلل السياسي السوري المتخصص بالشؤون الروسية، الدكتور محمود حمزة، أن الروس والإيرانيين هم من رتبوا لهذه الزيارة، مؤكداً أن أسد لا يستطيع مغادرة قصره دون أوامر وتوجيهات منهم.

ويقول في تصريح لـ”أورينت نت” تعليقاً على ذلك: النظام وحلفاؤه يتقنون اللعب على الجوانب المعنوية، ويهتمون جداً بتعويض ما هو رمزي بما هو مادي، وعليه فأنا أعتقد أن روسيا وإيران وجهوا بشار إلى القيام بهذه الخطوة في هذا التوقيت الذي يتزامن مع تصاعد التهديدات التركية بشنّ عملية عسكرية جديدة بريف حلب، من باب الاستعراض الذي يعشقه هذا الحلف، ولكي يقولوا لأنقرة إننا موجودون في حلب وبقوة.

أمر يتفق مع الحمزة فيه، المحلل السياسي السوري المعارض صلاح الدين هوى، الذي يعتقد أنه مع اقتراب موعد العملية التركية والموافقة التي حصلت عليها أنقرة للقيام بها من مختلف الأطراف الفاعلة في الملف السوري، بمن فيهم حلفاء النظام، فلم يبق أمام هؤلاء الحلفاء إلا محاولة تعويض بشار ومؤيديه بفعل استعراضي يرضي غرورهم.

ويقول في حديث مع “أورينت نت”: من ميزات العلاقة الضبابية بين الروس والأتراك في سوريا أن موسكو تحاول أن تُبقي دائماً أوراقاً من خارج ملفات التفاهم الثنائي لاستخدامها أو التلويح بها على سبيل الضغط والإزعاج، ومن هذه الأوراق التذكير بين الحين والآخر بأن الوجود التركي في سوريا هو وجود (غير شرعي) بينما الوجود الروسي جاء بطلب من السلطة الرسمية المعترف عليها دولياً، وبالتالي فإنه إذا كان مسموحاً للجيش التركي بمواجهة قوات غير حكومية مثل “قسد”، فإن أي اصطدام مع ميليشيا جيش النظام سيمثل اعتداء على السيادة السورية التي جاءت زيارة بشار إلى حلب لتؤكد عليها.

وغير بعيد عن ذلك يضع الصحفي حسن محفوظ زيارة رأس النظام إلى حلب، لكنه ينوه إلى أن روسيا ربما أرادت من خلالها التلويح بأول إجراء غير ودي تجاه تركيا رداً على تقارب الأخيرة مع الغرب مؤخراً.

ويقول لـ”أورينت نت”: من المؤكد أن موسكو، وكذلك إيران، ليستا راضيتين ولا مطمئنتين للتقارب التركي-الغربي المتسارع والمتصاعد، وتحديداً روسيا التي ترى أنها ستدفع ثمن هذا التقارب بشكل مضاعف، خاصة وأن الولايات المتحدة وأوروبا استقطبتا تركيا من أجل تعزيز جبهة المواجهة معها بسبب غزوها لأوكرانيا.

لماذا لم يزر حلب؟

لكن وأياً تكن دلالات الزيارة أو مؤشرات توقيتها، إلا أن السؤال الكبير الذي بقي بدون إجابة هو: لماذا لم يزر بشار أسد حلب رغم مرور ست سنوات تقريباً على خروج قوات المعارضة منها.

هذا السؤال لم يطرح للمرة الأولى الآن، بل سبق وأن بدأ الحديث عنه يدور في أوساط المعارضة منذ نحو عامين، وتحديداً بعد الاتهامات التي وجهها خصوم الحكومة التركية لها بالعمل على إحياء ما يعرف بالـ”ميثاق الملي” وترجمته عملياً.

والميثاق الملي هو أحد مضامين الدولة التركية الجديدة التي وقعها عليها الآباء المؤسسون لها، وعلى رأسهم مصطفى كمال أتاتورك، عام ١٩٢٠، عندما رفض هؤلاء الاعتراف بمعاهدة سيفر التي وقعها محور الحلفاء مع حكومة الدولة العثمانية لترسيم حدودها الجديدة.

وحسب الميثاق فإن تركيا تعتبر شمال سوريا، بما فيه حلب، وشمال العراق، بما فيه إقليم كردستان ومدينة الموصل، بالإضافة إلى جزيرة قبرص ومحافظة باتوم التابعة لجورجيا حالياً، أرضاً تركيّة، قبل أن تجبر أنقرة عن التراجع عن هذه الخريطة عندما تم توقيع اتفاقية لوزان عام ١٩٢٣.

لكن اقتحام الجيش التركي جزيرة قبرص وإعلان جمهورية شمال قبرص عام ١٩٧٤ كان بمثابة إحياء لهذا الميثاق، حسب خصوم تركيا، رغم عدم ضم أنقرة الجزء الذي سيطرت عليه قواتها من الجزيرة، إلا أن الخطوة جددت البحث الأكاديمي والتناول الإعلامي للوثيقة طيلة العقود الماضية، إلى أن أشار إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تعليقه على رفض الحكومة العراقية مشاركة تركيا في معركة تحرير الموصل من داعش عام ٢٠١٦، الأمر الذي يرى البعض أن روسيا استغلت انزعاج الحكومة التركية الشديد بسببه، فسارعت إلى تقديم رد اعتبار معنوي لها بمنح حلب “وضع خاص” بعد سيطرة ميليشيا النظام عليها في ذلك العام، مقابل تطوير العلاقات الثنائية وتوسيع مجالات التعاون إلى أقصى حد ممكن.

صفقة روسية-تركية

ورغم أنه لا يوجد أي دليل على ما تقدم، ورغم أنه لا يوجد مقاربة ملموسة ومنطقية لـ”الوضع الخاص” الذي يقال إن حلب وضعت في إطاره، إلا أن عدم زيارة رأس النظام المحافظة منذ ذلك الحين، مثّل أحد الأدلة الضمنية وغير المباشرة على ذلك.

الصحفي حسن محفوظ يرى أنه من ناحية أولى فإنه لا يوجد أي وثيقة أو نص أو مصدر يؤكد مثل هذا التفاهم حول حلب بين روسيا وتركيا، لكنه من ناحية أخرى لا يستبعد ذلك “باعتباره أحد التفسيرات المنطقية لامتناع بشار أسد عن القيام بهذه الخطوة طيلة ست سنوات” منذ استعادته السيطرة على حلب.

كما إن محفوظ يُشير إلى أنه “حتى مع وجود مثل هذا الاتفاق، إلا أنه من الصعب جداً أن يكون بمستوى وعد بمنح تركيا السيطرة على المحافظة، ناهيك عن أن أنقرة نفسها تكرر باستمرار عدم وجود أي أطماع لها في أراضي دول الجوار، بما في ذلك سوريا”، ويعتقد بأنه ربما عنى منح أولوية لتركيا في عملية إعادة إعمار المحافظة بعد انتهاء الحرب.

الحديث عن صفقة بين روسيا وتركيا جرى بموجبها إسقاط حلب بيد ميليشيات النظام، حديث ظل حاضراً باستمرار لدى البعض، وتعزيز بعد تصريحات لوزير الخارجية التركي السابق أحمد داوود أوغلو، انتقد فيها ما وصفه بـ”تقصير وأخطاء” حكومة بلاده فيما يتعلق بالملف السوري وأديا إلى خسائر لأنقرة، ومن ضمنها “مبادلة حلب بمدينتي الباب وجرابلس”، حسب أوغلو، الأمر الذي لا يستبعد معه الدكتور محمود حمزة أن يكون من ضمن هذه الصفقة، إن صحت، منع بشار أسد من زيارة المحافظة، قبل أن تتغير المعطيات حالياً.

لكنه يستبعد أن تكون مثل هذه التفاهمات كانت بمستوى يزيد عن منع النظام من إظهار مراسم هيمنة صارخة على حلب، ومن ضمنها زيارة بشار لها، “لكن اليوم فإن أسد وحلفاءه يريدون استغلال الإصرار التركي على تنفيذ عملية عسكرية جديدة في الشمال من أجل التحلل من هذه التفاهمات” يقول د. حمزة.

حقد بشار على حلب

ومقابل حديث البعض عن “صفقة” روسية تركية تخص حلب وتشمل تأخير أو منع وصول أسد إليها، يرى آخرون أن بشار هو من تعمد عدم القيام بهذه الخطوة، مستبعدين أي تفاهمات روسية-تركية بهذا الخصوص.

ويعتقد هؤلاء أن أسد تضاعف حقده على المحافظة بسبب انخراطها القوي والفاعل بالثورة، على عكس توقعاته التي كانت تقول بإنها مدينة مؤيدة له وبقوة، معتمداً في ذلك على زياراته المتكررة التي كان يقوم بها إلى حلب قبل الثورة، وعلاقاته الوثيقة مع بعض تجارها أو وجهاء العشائر فيها، بالإضافة إلى المشاريع التي نفذتها حكومته هناك.

ورغم أن رأس النظام يتجاهل أن هذه المشاريع لم تنعكس بأي شكل إيجابي على سكان المدينة وريفها، كما إن حلب شهدت مستويات من التراجع الاقتصادي غير مسبوقة خلال سنوات حكمه العشر الأولى، بسبب سياسات فريقه الاقتصادي المدمرة، إلا أنه أمر بتدمير المدينة بشكل مركز، حيث نالت حلب أضعاف ما نالته المحافظات الأخرى، باستثناء بعض المدن والأحياء، مثل داريا وبابا عمرو.

العامل الأمني

وبالإضافة إلى ما سبق لا يستبعد الدكتور صلاح الدين هوى أن يكون العامل الأمني هو السبب الذي دفع بشار أسد إلى تجنب زيارة عاصمة الشمال وثاني أكبر محافظات سوريا، وإحدى المدن الرمزية المهمة رغم مرور ما يقارب ست سنوات على احتلال ميليشياته لها.

ويضيف: لا شك أن خارج إطارات الصور (الجميلة) والهادئة التي ظهر بها بشار وأفراد أسرته في حلب القديمة وكذلك المسجد الذي أدى فيه صلاة العيد، توجد جيوش من الأمن والحرس الشخصي لتأمين هذه الجولة التي لا استبعد أن ما ساهم في تأخرها طيلة هذا الوقت عدم تقديم حليفتيه روسيا وإيران ضمانات بسلامته قبل اليوم، خاصة وأن معظم أحياء المدينة تحت المدى المجدي لصواريخ ومدفعية فصائل المعارضة.

Advertisements