تخطى إلى المحتوى

سوريا من أغنى بلدان العالم؟!

سوريا من أغنى بلدان العالم؟!

سوريا بلد من أغنى بلدان العالم إن لم يكن الأغنى على الإطلاق، والدليل على ذلك أن العالم الفلاني قال كذا، والمهندس الفلاني قال كذا، والسائق الفلاني قال كذا. ومثل هذا الكلام يضرب به عرض الحائط، بل ويتم السخرية من صاحبه إذا أورده في بحث علمي. على النقيض من ذلك، بإمكان أي باحث العثور على ما يكفي من الأدلة التي تثبت أن سوريا كانت وما زالت تتلقى المساعدات لأنها دولة فقيرة مواردها لا تكفي لسد حاجاتها

يعتقد البعض أن الترويج لهذه الشائعات ضروري من أجل إثبات فساد نظام الأسد، وربما يقرأ البعض فيما يورده هذا المقال على أنه محاولة لتبرئة النظام من تهم الفساد واختلاس المال العام والخاص. لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك، فالفساد سمة من سمات الدول الفقيرة، وبإمكان أي شخص يرغب بالتأكد من هذه المعلومة أن يراجع قوائم منظمة الشفافية العالمية ليجد أن الدول الأعلى فسادا كلها من الدول الفقيرة. وعلى سبيل المثال: جاءت جنوب السودان في ذيل القائمة للعام 2021 برصيد 11 نقطة. وجاءت الصومال التي تقاسمت معها المركز الأخير في عام 2020 هذه المرة مع سورية في المركز الثاني بـ13 نقطة، تليها فنزويلا بـ 14 نقطة، ثم اليمن وكوريا الشمالية وأفغانستان بالتعادل بـ16 نقطة لكل منها

إن الترويج لمثل هذه المقولات استراتيجية اتبعها النظام منذ اليوم الأول للثورة بهدف إظهار الثوار بأنهم مجرد مطايا للدول الاستعمارية الطامعة بثروات هذا البلد، خاصة وأن النظام كان، سابقا قد زرع في عقول السوريين أن الدول الغربية هي مجرد لصوص تسرق ثروات الآخرين وتعتاش على هذه المسروقات. لذلك، من يروج لهذه المعلومات ويظن أنه يكشف أسرار النظام وخبايا الثروات التي تمتلكها سوريا فهو مخطئ، وبإمكاننا إثبات ذلك بإحالة القارئ إلى فيديوهات عماد فوزي شعيبي حول النفط والغاز السوري وأنابيب الغاز. كذلك مقال في موقع قناة المنار يحمل عنوان: ” سوريا الثالثة عالميا بإنتاج الغاز”، وربما تجد بعض الدراسات المفبركة والمليئة بالمغالطات، وكلها لأشخاص أو جهات مقربة من النظام

إذن، ما دام كل ما قيل بهذا الشأن مجموعة من الأكاذيب فما هي الحقيقة؟ ولتكن البداية من نظرية خط أنابيب الغاز، ونورد ما تحدث به “روبن ميلز” الخبير في استراتيجية الطاقة واقتصادياتها في مقالة بعنوان “نظرية خط أنابيب الغاز في سوريا، هي دراما ذات ميزانية منخفضة” قال فيها: “وفكرة غاز سوريا يدعمها ما يكفي من جذاذات الأدلة وأنصاف الحقائق من أجل جعلها معقولة… لم تتمكن قطر حتى من تصدير غازها إلى جارتيها البحرين والكويت بسبب المعارضة السعودية. ما هي فرصها إذاً لبناء خط الأنابيب يمرّ على طول 1,500 كلم من الأراضي السعودية لتصل إلى الأردن وبعدها إلى سوريا؟ لذلك، إنّ هذه النظرية، كما هو الحال مع الكثير من المعلومات الخاطئة حول الصراع السوري، خطيرة. فهي تحوّل الأسد من مجرمٍ إلى ضحية وتصوّر المعارضة السورية بيادق جاهلة في أيدي عملاء أجانب. بالتالي، إنّ تبسيط الأسباب وراء حرب معقدة للغاية من شأنه أن يقلّص من فرصة التوصل إلى حل دبلوماسي أكثر مما هي عليه”

أما القضية الأهم؛ فهي قضية الاكتشافات الحديثة التي جعلت من سوريا الثالثة عالميا بإنتاج الغاز، فكل ما هنالك أنه منذ نهاية التسعينات بدأت دراسات استكشافية في شرق المتوسط، وقد توصلت جميعها لنتائج تؤكد وجود كميات كبيرة من المصادر في هذه المنطقة. وصدرت خريطة عن المعهد الأمريكي للمسح الجيولوجي (USGS) وهو المعهد العلمي الأكثر موثوقية عالميا في هذا المجال، تبين مناطق الاحتياطي المتوقعة على ساحل البحر المتوسط الشرقي وامتدادها. هذه المنطقة المسماة “حوض الليفانت” تشبه لحد ما مثلث قاعدته قرب فلسطين وشمال مصر، حيث يتركز معظم المخزون، ويمتد المثلث قرب لبنان وينتهي على الساحل السوري مع امتداد إلى مياه قبرص. أي إن حصة سوريا كمساحة ضمن هذا الحقل هي الأقل بين البلدان الأربعة. ويبلغ متوسط التوزيع الاحتمالي لاحتياطيات الغاز ضمن هذه المنطقة 3455 بليون متر مكعب من الغاز، ولتوضيح هذا الرقم، فإن احتياطي روسيا أكبر منه ب 16 مرة، واحتياطي إيران أكبر منه ب 10 مرات، واحتياطي قطر أكبر منه ب 7 مرات”. وزيادة في التوضيح، فإن هذا الحقل فيما لو كان كله يخص سوريا؛ لأصبح الاحتياطي السوري يساوي ما يقارب 1/7 من احتياطي قطر، فما بالك إذا كانت حصة سوريا أقل من الربع؟ هذا بالإضافة إلى عدم وجود أدلة علمية تثبت أن الكميات من الغاز المقابلة للشواطئ السورية ذات جدوى اقتصادية، فكل ما يقال حتى الآن يدخل في نطاق التخمينات والأماني

قد يكون البحث في المواقع العلمية المرموقة وذات المصداقية للتأكد مما جاء في هذا المقال من معلومات عملية شاقة وليست سهلة المنال. لذلك، سنضع بين أيدي قراء هذا المقال مهمة أكثر سهولة تثبت أن معظم ما يقال في مجال ثروات سوريا ليست أكثر من أكاذيب مفبركة من قبل نظام الأسد ذاته، وهي الثروة الأكثر حداثة من الثروات السابقة. أي: “السيليكون” المكتشف حديثا في الأراضي السورية، وهي كذبة أشد وضاعة من سابقاتها، حيث تقول المعلومات العلمية بأن “السيليكون” ثاني أكثر عنصر متوفر في القشرة الأرضية؛ حوالي 28% حسب الوفرة. وعليه، فأي محاولة للبحث عن جدول أو معلومة تتحدث عن استيراد أو تصدير لهذه المادة ستبوء بالفشل، وكل ما يمكن العثور عليه هو معلومات تتحدث عن الدول الأكثر إنتاجا. أي، إن الدول التي تحتاج هذه المادة تنتجها من أراضيها لأنها متوفر بكثرة

إن تصديق كل ما يقال دون التحقق من مدى دقة المعلومة؛ يوقع الإنسان في براثن نظرية المؤامرة دون أن يدري. وبالتالي، يؤمن بما روجه النظام بأن ما يحدث في سوريا مؤامرة وليس ثورة. أو كما قال “روبن ميلز”: فهي تحوّل الأسد من مجرمٍ إلى ضحية وتصوّر المعارضة السورية بيادق جاهلة في أيدي عملاء أجانب

Advertisements