تخطى إلى المحتوى

حجم ملف “السوريين” في أجندة الأحزاب التركية

حجم ملف "السوريين" في أجندة الأحزاب التركية

باتت القضية السورية وما يستتبعها من وجود اللاجئين السوريين في تركيا محوراً مهماً في أجندة الأحزاب التركية التي تستعد للانتخابات المقبلة والتي ستنعقد في حزيران/يونيو 2023 المقبل حسبما صرحت الحكومة التركية.

وعلى اختلاف النظرة ما بين إيجابية وسلبية لهذا الملف بين الأحزاب المتعددة في تركيا، نجد في المحصلة زخماً واضحاً يرجع في المجمل إلى طبيعة تعقيد الأزمة السورية والتي دخلت في عامها الـ11 دون وجود حل ملموس من جهة، ومحاولة المعارضة التركية استغلال هذه النقطة وعدد السوريين “الكبير” داخل تركيا من جهة أخرى.

ولا يمكن حصر التركيز على ملف السوريين في أحزاب المعارضة فقط، بل نجد أن الحزب الحاكم “العدالة والتنمية” وكذلك حليفه “الحركة القومية” يجتهدان في رسم سياسة خاصة من شأنها تخفيف العدد لا سيما في الولايات والمدن الكبرى، ومحاولة وضع حل مؤقت في الداخل السوري لتجنّب موجات هجرة جديدة، وهذا بدوره يرتبط بطبيعة السياسة الخارجية التي تراهن المعارضة التركية على تغييرها “180 درجة” حسبما صرح كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة.

بمعنى آخر، يمكن القول إن ملف السوريين في تركيا بات محور جميع الأحزاب موالية أو معارضة، لكن مع اختلاف الدوافع والأسباب وراء هذا الاهتمام، فكما أن الحكومة تفرض قيوداً وقوانين مشددة لضبط الوضع الداخلي، تمارس المعارضة في المجمل سياسة توصف بالعنصرية تقوم على ترحيل السوريين وتطبيع العلاقات مع نظام الأسد.

ومن وراء ذلك، نجد أن هذا الملف بات في مقدمة المسائل التي تشغل بال الرأي العام التركي، حسب استطلاعات رأي عديدة، نذكر منها ما أورده الكاتب البارز في صحيفة “حرييت” عبد الله سلفي، منتصف حزيران الجاري، وقد أظهر الاستطلاع الذي جرى في أيار/مايو الماضي وشمل 2519 شخصاً من مختلف الأحزاب، أن “مسألة السوريين” تحتل المرتبة الثانية ضمن الأزمات التي تعاني منها تركيا، بعد الأزمة الاقتصادية بفروعها من غلاء معيشة وتضخم وبطالة.

ولن أتحدث عن استطلاعات الرأي المحسوبة على المعارضة، والتي نجد فيها أرقاماً صادمة، وبالطبع لا نتعجب كذلك من هذه النتائج في ظل حملات عنصرية ممنهجة تسوق لها بعض الشخصيات مثل أوميت أوزداغ زعيم حزب النصر، وهذا الأخير يرفع شعار “حينما يأتي حزب النصر سيرحل جميع اللاجئين”.

السوريون وأجندة انتخابات 2023

لا يعتبر التوقيت الحالي فأل خير على معظم السوريين في تركيا، فنحن أمام انتخابات توصف بالمصيرية سواء للحكومة أو المعارضة، وكلا الطرفين يحاول توجيه ضربات للخصم واستخدام مختلف البطاقات المطروحة، وبالطبع ملف السوريين هو من أهم هذه البطاقات.

لكن لماذا السوريون؟

ذكرنا أن مضيّ 11 عاماً على الثورة ثم الحرب في سوريا دون وجود حل -بل على العكس الوضع متجه نحو الأسوأ- يعدّ عاملاً رئيسياً في تركيز الأحزاب التركية عليه، لا سيما وأنه مرتبط بالسياسة الداخلية والخارجية على حد سواء.

العامل الثاني هو عدد السوريين في تركيا الذي تزايد عبر السنوات السابقة، وهناك تفاصيل مرتبطة بعضها واقعي والآخر مضخّم لعبت عليه المعارضة، مثل تأثير العمالة غير الرسمية على ارتفاع معدل البطالة (وهذه الجزئية بالمناسبة تظلم السوريين قبل الأتراك)، والتأثير سلباً على البنية السكانية، والعادات/التقاليد المجتمعية، والهجرة غير الشرعية، وكل هذا بالطبع في ظل بيئة تعاني من الحساسية ضد الأجانب، مما يزيد من احتمالية تلقي الخطابات العنصرية بصدر رحب.

أما العامل الثالث، وهو الأهم؛ فيرتبط بمستقبل الوجود التركي في سوريا، وهو ما تقرنه المعارضة بجملة التغيرات التي ستشهدها السياسة الخارجية -في حال فازت المعارضة-، فهذه المعارضة تقول صراحة إنها لا ترغب بإرسال جنود إلى سوريا “لأجل السوريين”، وما يستتبع ذلك من تطبيع العلاقات مع النظام السوري.

هذه العوامل الأهم والتناول الإعلامي السلبي لوجود السوريين دون تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية بما يكفي، جعل الناخب التركي مقتنعاً بأن “السوريين” أزمة من جملة الأزمات، وبما أن الناخب مهيأ لذلك فمهمة الأحزاب المعارضة تغذية عناصر هذه الأزمة في عقله ووجدانه.

وبما أننا نتحدث عن التناول الإعلامي السلبي، والخطاب السياسي العنصري، فلا بد أن نذكر ضرورة تبني الحكومة سياسة قانونية حازمة ضد الانتهاكات التي يتعرض لها السوريون، حتى لا نشهد مزيداً من أحداث القتل التي كثرت في الآونة الأخيرة.

ويتحمل مسؤولية ذلك أيضاً الجهات السورية المعارضة الرسمية، فليس من المعقول أن يقتصر عملها على مجرد لقاءات هامشية لا تتمخض عن نتائج نراها على الأرض. يجب أن نشهد تعاوناً مكثفاً فيما بينها أولاً، ومن ثم التواصل مع كل الأطراف من أجل مكافحة الخطاب العنصري، وكذلك تأسيس منبر إعلامي ناطق بالتركية يحمل الهدف ذاته، ويتعداه إلى تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية المتعددة التي خلقها السوريون سواء في سوق العمل أو القطاع الصناعي على وجه الخصوص وكذلك التبادل التجاري بما يعود على تركيا بالنفع أيضاً، ناهيك عن الخبرات العلمية الموجودة والتي يذخر بها أي بلد يحتفي بهجرة العقول، على اختلاف أسباب الهجرة.

بما أن السوريين لن يغيبوا عن أجندة الحملات الانتخابية فعليهم أن يكونوا متيقظين للغاية لعدم الزج بهم مجاناً لطرف على حساب آخر

أعتقد أن التوصيات والرسائل من أجل معالجة الخطاب العنصري باتت كثيرة للغاية، والعمل أهم من ترديد القول ذاته كل مرة في نهاية المطاف، ومما يندرج تحت سقف العمل هو الوعي بطبيعة المرحلة التي نمر بها وما علينا فعله في هذا السياق.

الانتخابات القادمة على بعد أقل من عام، وكلا الطرفين حكومة ومعارضة سيجتهدان بحشد كل ما لديهما من قوة لكسب المعركة، وبما أن السوريين لن يغيبوا عن أجندة الحملات الانتخابية فعليهم أن يكونوا متيقظين للغاية لعدم الزج بهم مجاناً لطرف على حساب آخر.

أذكر في هذا السياق حادثة تعرضت لها سيدة سورية اضطرت لسماع عبارات عنصرية من سيدة تركية داخل مكان مغلق خاص، أي ليس في الشارع، وتساءلت بعد ذلك عما كان من المفترض أن تفعله وكيف تتعامل مع هذا الموقف؟ بالطبع أنا ضد السكوت وطأطأة الرأس، لكن مع ذلك علينا أن نضبط أنفسنا ما أمكن من الانجرار لتصعيد لا تحمد عقباه، والرد بطريقة عادلة دون خوف، لكن حينما نجد الطرف الآخر مهيأ للعنف فعلينا في هذا الوضع عدم مجاراته بل التوجه للشرطة مثل الاتصال برقم 155، والاستعانة بمترجم في حال كان صاحب الموقف لا يجيد اللغة التركية، وسلوك الطرق القانونية ما أمكن، دون حكم مسبق بأن الشرطة لن تساعدني لأنني غريب. هذا رأيي الشخصي في هذا الخصوص.

أما السكوت نهائياً، أو استخدام العنف، فهو أمر مرفوض ولا يعطينا أي فائدة.

من جهة أخرى، أعتقد أنه من الأفضل عدم الخروج في أي بث إعلامي في الشارع دون التمكن جيداً من اللغة التركية ومن أسس الحوار وفهم الواقع بالدرجة الأولى، فكثيراً ما نرى فيديوهات -وأشعر أحياناً أنها متعمدة- لسوريين يتفوهون بما يتحول لوبال على بقية إخوتهم، عن قصد أو دون قصد، مثل ذلك الشاب المراهق الذي قال إنه رُحّل من تركيا ثم دخلها بسهولة، وأن هناك المئات يدخلون يومياً، الأمر الذي جعل المعارضة تنتعش حيال صدق روايتها حول أن عدد السوريين أكثر من 3.7 ملايين بكثير، وأنهم يدخلون الحدود يومياً دون رقيب.

كذلك عدم الخروج في لقاء شارع مع رؤساء الأحزاب المعارضة، على رأسهم أوميت أوزداغ، الذي يخرج تارة مع صائغ ذهب وتارة مع سوري لديه عائلة كبيرة ويعمل بشكل غير رسمي ولا يريد العودة إلى سوريا.

أرجو أن نكون على قدر من الوعي والصدق مع أنفسنا، لتجنيب أنفسنا ضرراً نحن بغنى عنه، فالضرر هنا لا يقتصر على الفرد بقدر ما يشمل مجتمعاً بكامله.

Advertisements