تخطى إلى المحتوى

التلويح التركي بعمل عسـ.ـكري شمال سوريا.. سيناريوهات ومواقف ودوافع

التلويح التركي بعمل عسـ.ـكري شمال سوريا.. سيناريوهات ومواقف ودوافع

قال الرئيس التركي، رجب طيّب أردوغان، “إنّ تركيا ستبدأ خطوات تتعلّق بالجزء المتبقي من الأعمال التي بدأتها لإنشاء مناطق آمنة بعمق 30 كيلومتراً على طول حدودها الجنوبية مع سوريا”

وأتى إعلان أردوغان السابق، خلال خطاب له بتاريخ 23 أيار/ مايو الجاري، بالمجمع الرئاسي بأنقرة

الدوافع المعلنة

من خلال متابعة تصريحات أردوغان، تبدو الدوافع المعلنة للعمل العسكري، الذي تنوي “تركيا” القيام به، تتلخص بعدة نقاط، ركز عليها الرئيس التركي، بقوله؛ “إنّ أولويّة العمليّات العسكريّة لتركيا ستكون على المناطق التي تُعَدّ مركز انطلاق للهجمات على تركيا والمناطق الآمنة في سورية”، ما يعني أن التركيز على مسألتي، “الأمن القومي التركي، وملف المنطقة الآمنة”، وهذا ا خير يعدّ مشروعًا قديما لم يكتمل بعد

وبناء على المعطيات السابقة، تستهدف العمليّة العسكريّة التركية مناطق، “عين العرب وتل رفعت وعين عيسى ومنبج”، فالهجمات تنطلق منها باتجاه ا راضي التركية

دوافع سياسية

يبدو أنّ تركيا تحاول ا ستفادة من معطيات المشهد السياسي الدولي، وا نقسام الكبير، على خلفية “الحرب الروسية _ ا وكرانية”، عبر الضغط بكل ا تجاهات، وتحقيق أعلى المكاسب السياسية، سواءً من الروس، أو ا مريكان، في خضم التجاذبات، والرغبة الواضحة في كسب الجانب التركي

العصا من المنتصف

بالمقابل؛ يبدو التلويح بالعمل العسكري، محكوم برهاناتٍ كبيرة، وحتى اليوم، بدت أنقرة ممسكة بالعصا من المنتصف، فهي تسعى للضغط على واشنطن، وتجلى ا مر، عبر رفض تركيا انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو؛ إذ إنها تعتبر أن توسّع الحلف؛ سيؤثر سلبا على العلاقة الثنائية التركية _ الروسية، من الناحية ا قتصادية والسياسية

بالتالي؛ الثمن المطلوب يفترض أن يكون بحجم ما ستخسره أنقرة مقابل موقفها، من توّسع “حلف الناتو”

وتأخذ أنقرة على واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي، استمرار دعمهم لـ “حزب العمال الكردستاني”، الذي يقود تمردا مسلحا ضد الدولة التركية منذ عام 1984، ويتخذ من جبال “قنديل” شمال العراق منطلقا لهجماته على تركيا، تتهم أنقرة كلا من ا تحاد ا وروبي وواشنطن بدعمه بالمال والسلاح

وفي هذا الصدد يقول الرئيس التركي أردوغان؛ “إن حلفاء تركيا في واشنطن والغرب، يعلمون أن السلاح الذي يقدمونه للمسلحين الأكراد في شمال سوريا، بحجة مكافحة تنظيم الدولة الاسلامية، سيوجه في النهاية “إلى صدور أبنائنا”

ومن جهةٍ أخرى، تمسك أنقرة بإحكام هذه المرة على الملف السوري، فهي تريد ا ستفادة من انشغال روسيا بحربها على أوكرانيا، وبالتالي، وجدت الفرصة مهيئة للتفاوض مع موسكو، وإيجاد صيغة جديدة، تتعلق عمليّا بأمنها “القومي” وهو في مقدمة طموحاتها

ويعتقد محللون أن موسكو التي تخوض حربا في أوكرانيا منذ شباط/فبراير الماضي، تدرك أن استعداء صديقها التركي هو آخر ما تريده في هذه الأزمة، فهو المتحكم في مضائق البحر الأسود، بحسب اتفاقية مونترو الموقعة عام 1936، وهو الذي يسمح للغاز الروسي بالمرور إلى جنوب شرق أوروبا عبر أنابيبه العابرة للبحر الأسود، وهو الصوت الوحيد المعتدل داخل حلف الناتو

ومن طرفٍ آخر؛ تفضل واشنطن أن لا تشكل عقبة في وجه العملية العسكرية التركية ضد المسلحين الأكراد، إذا كان السماح بانطلاق العملية هو الثمن الحقيقي الذي سيدفع الرئيس التركي أردوغان للقبول بتوسعة الحلف وفتح جبهة مع روسيا بعرض 1300كم عبر الحدود الفنلندية، تضمن حدود الحلف الشمالية الشرقية، وتبعد خطر روسيا عن أوروبا

وا عتبارات السابقة ساعدت أنقرة، في إمساك العصا من المنتصف، على ا قل حتى هذه الساعة

وبالمجمل الظروف مواتية لمناورة تركية، وفرصة ذهبية لخلط ا وراق، وفق محللين

ملف ا كراد

وأمام المؤشرات السابقة، يبدو أن تركيا، تسعى بداية، لحسم ملف حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة منظمة إرهابية، الذي يهدد أمنها القومي، يليه عودة اللاجئين السوريين طوعا، وهما نقطتان أمنيتان، تسعى أنقرة لحسمهما منذ زمن، خاصة وا نتخابات التركية على ا بواب

ويشار إلى أنّ حزب العمال الكردستاني، بالتعاون مع قوات سورية الديمقراطيّة “قسد”، كثف هجماته على مناطق شمال حلب وبعض مناطق جنوب تركيا، منذ النصف الثاني للعام المنصرم 2021

المنطقة ا منة

كما أن عودة الحديث عن إقامة منطقة عازلة شمالي سوريا، “منطقة آمنة”، فكرة تركية طرحتها أنقرة في السنوات الأولى من الحراك الثوري المسلح ضد النظام السوري، بهدف معلن هو حماية المدنيين

وكانت شنت تركيا منذ عام 2016 ثلاث عمليات عسكرية في الشمال السوري، هدفها القضاء على المسلحين الأكراد وإبعاد سيطرتهم عن المناطق القريبة من حدودها هي: “عملية درع الفرات” (بين مدنيتي إعزاز وجرابلس) عام 2016، وعملية “غصن الزيتون” (عفرين) عام 2018 وعملية “نبع السلام” (بين مدينتي تل أبيض ورأس العين) عام 2019

وأدت تلك العمليات العسكرية الـ 3 إلى فرض سيطرة فصائل المعارضة السورية، التي تدعمها أنقرة، وهي تجاور مناطق ما زالت خاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية، “قسد” ذات الأغلبية الكردية

ومن وجهة نظر محللين، فإن المنطقة “ا منة”، في حال تمت السيطرة عليها، يفترض أن تكون كافية لإقامة “منطقة عازلة” تحفظ لتركيا أمنها بعيدا عن مدى أي قذائف صاروخية يمكن أن تسقط داخل أرضيها، وهي كفيلة بإقامة منطقة قادرة على استيعاب مليوني لاجئ سوري، تحاول تركيا إعادتهم “طوعا”، كما تقول إلى بلادهم، لتخفيف العبء السياسي والاقتصادي الذي تواجهه تركيا قبل موعد الاستحقاق الانتخابي

يذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحدث عن “المنطقة الآمنة” لأول مرة في عام 2013. كما ظهر الرجل في السنوات الماضية، حاملا خريطة تظهر حدود تلك المنطقة، ولعل أشهر ظهور له، كان في الخطاب الذي ألقاه في الدورة الـ 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة بمدينة نيويورك الأميركية، أغسطس عام 2019. حيث قال، يومها إنه “ومع مد عمق المنطقة الآمنة إلى خط دير الزور- الرقة، بوسعنا رفع عدد السوريين الذي سيعودون من بلادنا وأوروبا وبقية أرجاء العالم إلى ثلاثة ملايين”، وتابع؛ “بالتعاون مع أميركا وقوات التحالف وروسيا وإيران، يمكننا نقل اللاجئين من المخيمات إلى المنطقة الآمنة”

الثمن الكبير

إ أنّ هناك ثمنا كبيرا تسعى عمليا الدولة التركية، لكسبه، يتعلق بملف رفع العقوبات كاملةً عنها

ويقول الكاتب والمحلل السياسي بكير أتجان، “إن رفض أردوغان لاستقبال المبعوثين السويديين والفنلنديين في تركيا، نابع من أن الثمن الذي تريده أنقرة، ليس بمقدور هلسنكي أو ستوكهولم أن تدفعانه، لأنه وببساطة بحاجة الى موافقة أمريكية”. حسب تقرير نشره موقع “الحرة”

وأضاف أتجان، أن تركيا تريد من حلفائها في الناتو ومن واشنطن، أن يقوموا برفع كل العقوبات التي تم فرضها عليها، بما في ذلك تقييد صفقات بيع الأسلحة الاوروبية إلى تركيا، وهو الأمر الذي جاء في إطار ما يعرف بقانون (كاتسا) الذي يعاقب الدول الداعمة والمتعاونة مع أعداء الولايات المتحدة الامريكية، وفرض على تركيا بعد قيامها بشراء منظومة الدفاع الصاروخية الروسية إس 400

ويتفق الكلام السابق مع ما يقوله، الكاتب التركي سعيد الحاج، بأن ” الرفض التركي لضم السويد وفنلندا لحلف الناتو ليس نهائيا بل هو مشروط، مما يعني أن هناك عملية حوار وتفاوض ستجرى بين الطرفين، بل وبين تركيا من جهة والناتو وواشنطن من جهة أخرى”

وأضاف الحاج؛ “من المتوقع والمفترض أن تحصل تركيا على ثمن مقبول قبل رفعها الفيتو ضد انضمام الدولتين، الذي ينظر إليه الجميع على أنه خطوة مهمة وفارقة وعامل الوقت فيها بالغ الحساسية”. بحسب التقرير ذاته

يذكر أن أنقرة تقدمت منذ عام 2016 بطلبات للسويد، لتسليم 33 شخصية تقول تركيا أنهم نشطاء في حزب العمال الكردستاني، وهو ما رفضته ستوكهولم عدة مرات، بذريعة عدم وجود أدلة، أو “بعض الشخصيات المطلوبة تحمل الجنسية السويدية”

وقابلت تركيا الرفض السابق، باعتباره نقطة خلاف جوهرية، استندت إليها في رفضها لطلب السويد للانضمام إلى حلف الناتو

ويضم حلف الناتو الذي تأسس عام 1949، ثلاثين دولة، ويشترط نظامه الداخلي قبول الدول الأعضاء فيه بالإجماع أي طلب أو قرار ليتم تمريره، ما يعني أن (لا) واحدة من أي من أعضائه، ستكون كافية لإسقاط أي قرار

وعلى غير المعتاد في شن تركيا عملياتٍ ضد ا كراد، بدا أن الموقف هذه المرة مختلف جذريا، حيث استطاعت أنقرة استغلال مسألتين، عامل الوقت الحساس، واستراتيجيتها الوسط في التعامل مع “الحرب الروسية_ا وكرانية”، وبدا أنها هذه المرة لا تنتظر الضوء ا خضر من أي طرف “روسي” أو “أمريكي”، كما جرى في العمليات الثلاث، في الأعوام 2016 و2018 و2019،

فا سلوب الذي اتخذه الرئيس التركي، رحب طيب أردوغان، خلال الحرب الروسية – الأوكرانية، منحه قوة تفاوضية، إذ اتخذ موقفا وسطا عبر محاولة لعب دور سياسي ووسيط بين طرفي الصراع، ورفض في ذات الوقت ا متثال لمطالب حلفائه بفرض عقوبات على روسيا، رغم أنه عضو في حلف شمالي الأطلسي “الناتو”

ورغم كل الكلام السابق؛ إ أن السياسة التركية، عادةً ما تتسم بالتروي، وأحيانا التراجع، أو تخفيف الحدّة في الطلب، وفق محللين، وهو ما تؤيده معطيات الواقع في الملف السوري

سيناريوهات

وبغض النظر عن الظروف المهيئة سياسيا ودوليا، والتي يمكن أن تستفيد منها “أنقرة”، إ أن الطرح يبقى في ا جابة عن توقع السيناريوهات المرتقبة، وفيما إذا كانت تركيا ستترجم تهديدها على أرض الواقع؟

ومن خلال بعض التصريحات والمؤشرات على ا رض، يبدو أن العملية العسكرية المرتقبة، ما تزال في إطار التخمينات، و يوجد ما يرجحها، وعلى سبيل المثال، يقول كورشاد زورلو الكاتب التركي في موقع “خبر تورك”؛ “سواء كانت هذه العملية ستتقدم بأسرع وقت ممكن أم بشكل تدريجي خلال شهور، فهذا سيحدد التوازنات التي يمكن أن تحققها تركيا في الداخل والخارج، وكذلك المخاوف الأمنية”

مؤشرات داخلية

يضع الرئيس التركي أمام عينيه، ا نتخابات القادمة العام القادمة، فهو بحاجة لمزيد من ا ستقطاب الشعبي، تقديم نفسه كقوة فاعلة في حماية ا من القومي، والملف ا قتصادي الداخلي، الذي بدأت تركيا تئن تحت وطأة تراجع “العملة المحلية/الليرة التركية”، وجميع هذه النقاط يفترض مراعاتها، لفرض معادلة جديدة، يلتف حولها “ا تراك”، لتأييد أي عمل عسكري، ويشير كلام بعض المحللين كما هو حال “كورشادط السابق، إلى أن العملية، قد تكون مشابهة للعمليات السابقة، استنزاف أكثر منها حسما

وقد يستفيد الرئيس التركي، من ارتفاع وتصاعد حدة الاشتباكات والضربات على خط الجبهة الممتدة على طول مناطق سيطرة الجيش التركي، في منطقة عمليات “نبع السلام”، التي دامت على مدى الأشهر الماضية، وتجيير كل ما سبق لصالح العمل العسكري

الموقف الروسي وا مريكي

يغيب عن تركيا، ضرورة الحفاظ على توازن مع الروس، بالتالي، فإن موقف موسكو مهم من العملية العسكرية، ويبدو كما بينا أن روسيا، وجهت نظرها حاليا وإلى حد كبير تجاه أوكرانيا

كما أن الو يات المتحدة ا مريكية التي حذرت من العمل العسكري، إحدى النقاط التي ستراعيها تركيا، لتأييد أو ضمان غض الطرف عن العملية، لضمان مسار علاقات ثنائية جيدة

اختبار مواقف

من المحتمل أن تبدأ عملية خاطفة، على مبدأ “فرصة واختبار” لمواقف تلك الدول (روسيا_ أمريكا)، فتركيا تخشى أيضا من إجراءات مماثلة لما حدث على خلفية عمليتها العسكرية الأخيرة (نبع السلام)، حيث طالتها عقوبات أميركية وأوروبية، شملت حظر تصدير معدات صناعة الدفاع إليها

كما أنّ العمل العسكري، سيكون بالون اختبار لموقف كل من السويد وفنلندا على وجه الخصوص، وبالتالي؛ سيترتب عليه موقف تركيا من انضمام الدولتين لحلف الناتو

عمليا أنقرة تسعى لفرض رؤية ومقاربة جديدة، على الغرب، بالتزامن مع ا نشغال العالمي بالحرب ا وكرانية، والرغبة في توسيع “حلف الناتو”، وضم أعضاء جدد

والناظر إلى تصريحات المعارضة السورية، لا يجد فيها مؤشرات أو د ت للاستفادة من الهامش الذي ستفرضه تركية، وعلى الطرف المقابل؛ النظام ذاته، اكتفى لسان حاله -عبر ا علام المحلي بالقول ردا على المنطقة ا منة؛ “حلم إبليس بالجنة”

Advertisements