يتزايد الحديث من قبل الحكومة التركية ومعارضيها حول ترحيل اللاجئين السوريين، وتصدر تصريحات بشكل يومي من كلا الطرفين، وفي حين تكتفي المعارضة بالتهديد وحصر الأمر بإعادة اللاجئين بعد التواصل مع نظام بشار الأسد، تحركت الحكومة التركية باتجاه يمكن وصفه بالأكثر وضوحاً، عندما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن خطة لإعادة مليون سوري إلى مناطق آمنة (شمالي سوريا)، مهيئة ببنية تحتية واقتصادية لاستقبالهم.
واللافت أن تصريحات المسؤولين الأتراك تركزت على نقطتين أساسيتين، الحزم باتجاه تطبيق الخطة من جهة، والدفاع عن اللاجئين السوريين من جهة أخرى، بما في ذلك تصريحات وزير الداخلية التركي سليمان صويلو الأخيرة.
يمكن الوقوف عند تصريحات صويلو أمام ثلاثة نقاط، الأولى توقيت المقابلة، والثانية مكانها، والثالثة تفسير التصريحات التي حذر فيها من هجرة جماعية سورية إلى خارج تركيا وتأثيرها على الاقتصاد.
توقيت المقابلة جاء بعد يومين من إعلان أردوغان عن خطة الإعادة، ومكانها في قناة “TGRT” التركية الاقتصادية، واختيار قناة متخصصة بالاقتصاد للحديث عن خطة “عودة طوعية” للاجئين السوريين لها مدلولاتها التي يمكن مناقشتها أيضاً.
عشر سنوات.. لعبة الاقتصاد والسوريون في تركيا
تنوعت شرائح المجتمع السوري التي وصلت إلى تركيا منذ نهاية عام 2012، بين الطلاب ورجال الأعمال والحرفيين وصحفيين وإعلاميين ومهندسين وأطباء وغيرهم من شرائح المجتمع السوري، وعملت كثير من هذه الشرائح بسبب حاجتها للعمل السريع لتغطية نفقات حياتها اليومية في المهن الحرفية في المصانع والورشات المختلفة.
بعد سنوات طويلة من استقرار نسبي عاشه السوريون في تركيا تغيرت اللهجة، وبات حل ملف اللاجئين السوريين في البلاد ورقة ضغط أساسية للمعارضة التركية قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الحاسمة في 2023، وهو ما دعا في النهاية السلطات التركية لاتخاذ قرار بترحيل مليون سوري إلى مناطق آمنة خارج سيطرة النظام السوري داخل سوريا وتحديداً في المناطق الشمالية.
وبرغم القرار الحكومي وتهديدات المعارضة من جهة، إلا أن تصريحات الوزير صويلو حملت تحذيرات حول هجرة أعداد كبيرة بشكل مفاجئ من اللاجئين السوريين وتأثيرها على الاقتصاد التركي.
ويرى الأكاديمي والاقتصادي السوري، فراس شعبو، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن تركيا استفادت من المهاجرين بشكل أكبر من باقي الدول المجاورة لسوريا التي حدّت من عمالة اللاجئين لديها، بينما حاولت أنقرة تحويل اللاجئ من عبء إلى مورد ونجحت بهذا الأمر، بالإضافة إلى الرغبة الدائمة لدى السوريين بالعمل والإنتاج وتحسين وضعهم الاقتصادي.
وفي المقابل، فإن العامل السوري يعمل في أسوأ الظروف من ناحية الأجور والضمان الصحي والامتيازات أمام العامل التركي، كذلك الأمر بالنسبة للحقوق وتحصيلها، ويتعرض للنصب والاحتيال، وفق شعبو، وهو الأمر نفسه الذي أشار إليه صويلو في لقائه مع قناة “TGRT” التركية.
وتركيبة اللاجئين السوريين التي استفادت منها تركيا قائمة على العمالة والمهنيين وهذا ينفي تماماً فكرة أن السوريين تسببوا بارتفاع نسبة البطالة بين الأتراك.
ما البديل عن العمال السوريين في تركيا؟
وقال شعبو: “خروج السوريين بأعداد ضخمة من تركيا سيسبب صدمة للاقتصاد التركي، ليس لأن الأخير اقتصاد ضعيف بل لغياب البدائل، ولا توجد عمالة بديلة، ورجال الأعمال الأتراك يدركون هذا الأمر جيداً، والحكومة التركية أيضاً تعرف ما الذي يتعرض له السوريون والمعاملة غير العادلة، وحديث وزير الداخلية التركي عن هذه النقطة دليل على ذلك”.
من جهته يرى المستشار الاقتصادي، جلال بكار إنه يمكن تفسير كلام صويلو عبر ثلاث منحنيات: الأول الطرف المؤيد للسوريين (الحكومة) والثاني المعارض للسوريين (المعارضة التركية)، والثالث هو العمالة وكفاءتها وانخفاض أجورها.
وقال بكار “الحكومة كانت دائماً داعمة للسوريين والمعارضة تستغل ملف السوريين للحديث عن الهجرة غير الشرعية وارتفاع الأسعار، أما ما يخص التجار فهم مع مصلحتهم ويتوجهون باتجاهها، لكن هذا الملف حساس بالنسبة للتجار، والرأي الاقتصادي الأكبر هو لأصحاب المعامل والنفوذ الاقتصادي، ومن مصلحة أصحاب رأس المال، بقاء اليد العاملة منخفضة الأجور وهم السوريون.
وأشار إلى أن الهجرة الجماعية ستؤثر على سوق العمالة، ويضع بعض الصعوبات لأصحاب القرار الاقتصادي في تركيا، لكن لن يضعف الاقتصاد التركي.
مئات الشركات السورية في تركيا
ومنذ وصول السوريين إلى تركيا، أسست مئات الشركات في عدة مدن تركية، على رأسها إسطنبول وغازي عينتاب بالإضافة إلى المناطق الجنوبية المتاخمة للحدود السورية- التركية.
وصرّح رئيس جمعية رجال الأعمال والصناعيين العرب في تركيا (أسياد) عبد الغفور صالح عصفور، مطلع العام الحالي 2022، بأن استثمارات رجال الأعمال السوريين في تركيا تجاوزت الـ10 مليارات دولار أميركي، ووفروا ما يقارب النصف مليون فرصة عمل.
في حين قالت وزيرة التجارة التركية، روحصار بك جان، في وقت سابق بأن عدد الشركات المملوكة لسوريين وصلت إلى 13 ألف و880 شركة، وتُشكل ما نسبته 29% من مجموع الشركات المملوكة لأجانب في تركيا.
ووفق مديرية الهجرة التركية، يقيم في تركيا أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون سوري.
منطقة اقتصادية شمالي سوريا
في اليوم التالي من حديث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حول إعادة مليون سوري إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام (شمالي سوريا)، نشرت صحيفة “صباح” المقربة من الحكومة التركية، خطة الأخيرة للمناطق الجديدة.
8 AŞAMADA BÜYÜK DÖNÜŞ
— Sabah Gazetesi (@Sabah) May 5, 2022
Başkan Erdoğan’ın açıkladığı 1 milyon Suriyelinin eve dönüş planının ayrıntılarını SABAH açıklıyor
وتتضمن الخطة، وفق الصحيفة، إنشاء مناطق تجارية كالمناطق الصناعية الصغيرة ومتاجر وأسواق وتوفير فرص عمل جديدة “لضمان استدامة الحياة اليومية” وفق “صباح”.
وبخصوص هذه المنطقة، يرى الاقتصادي السوري، فراس شعبو، بأن الحكومة التركية ذاهبة باتجاه إنشاء “كيان اقتصادي” في الداخل مع بنية تحتية مناسبة، لاستقطاب أكبر قدر ممكن من السوريين.
وقال شعبو لموقع تلفزيون سوريا، “الحكومة التركية تدرس الأمر منذ سنوات، وبالتالي فإن هجرة السوريين ليست مفاجئة، وفي المقابل ستحاول الحكومة الحفاظ على المهارات والكفاءات، والاستغناء فقط عن الأشخاص غير الفاعلين، كما أن هذه المنطقة الاقتصادية ربما تكون رديفاً للاقتصاد التركي في المستقبل”.
“أهم عامل في الاقتصاد هو القانون”
من جهته قال المستشار الاقتصادي جلال بكار، لموقع تلفزيون سوريا، إن أهم عامل في الاقتصاد هو القانون والأمن الاقتصادي، وعندما يصبح القانون فوق الجميع تتزن الأمور.
وأضاف: “ربما نشهد مناطق خاصة بالسوريين تنشط فيها حركة الاقتصاد والتجارة والصناعة، وبشكل عام أعتقد أن ذكر هذه النقاط يدل على الاتجاه إلى حلول جذرية لا مؤقتة لمليون سوري”.
ولا يمكن التنبؤ بشكل حياة مليون سوري في الفترة المقبلة، ولا بطبيعة وشكل حياتهم الجديدة أو تأثيرها على مستقبل سوريا عموماً، إلا أنه من المؤكد أن أياماً صعبة تنتظر السوريين في تركيا، على الأقل حتى نهاية الانتخابات المقبلة في صيف 2023.