تخطى إلى المحتوى

رسالة الرئيس الأوكراني زيلينسكي للعرب والسوريين

رسالة الرئيس الأوكراني زيلينسكي للعرب والسوريين

لا يمكن للمرء الناظر إلى تطورات الحرب الروسية الأوكراني ة إلا أن يتعاطف مع الأوكران. ليس بالأمر المنطقي أن يتخذ رجل قراراً بالدخول إلى دولة أخرى سعياً إلى تمـ.ـزيق مجتمع وتغيير جغرافيا وفرض وقائع استراتيجية

حسابات الدول ومصالحها تتعارض مع تمنيات الناس التي تبحث عن حياة مستقرة. أكثر من يلقى أصداء المعركة الأوكرانية وتضج بها أماكنه هم العرب. ينظر العرب إلى الأوكرانيين كما ينظرون إلى أنفسهم، يعبرون فوق ضفاف الخيبات، بخسارة الرهان على حلفاء وأصدقاء. لطالما شبّه الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي كييف بحلب السورية. حلب وغيرها من المدن السورية التي لم تجد من يتعاطف معها أو يقف إلى جانبها ويمنعها من سقوط ويبقي أهلها فيها

نجحت تركيا في إحراز دور متقدم في قلب أوروبا من خلال موقف منحها فرصة استضافة المحادثات الروسية الأوكرانية وحماية كييف، ووضع أسس لحوار من شأنه أن يدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى لقاء زيلينسكي ووضع أسس لاتفاق سياسي يوفر الحماية لكييف من التدمير والتهجير والسقوط العسكري. هذا بالضبط ما كانت تحتاجه حلب وكان هناك رهان على تركيا القوة الوحيدة التي كانت قادرة في تلك الفترة أن تفرض شروطها ودورها كما فرضت نفسها في مناطق نطاق عمليات غصن الزيتون ودرع الفرات وغيرها، وكما فرضت واقعاً لا يزال قائماً حتى الآن في إدلب

هنا تتحسر حلب، ونتحسر نحن على أحلام أجهضتها حسابات الدول ودسائسها، وما تحتويه من رهان على الصراعات القومية والعرقية والدينية والطائفية، استخدمت لشرذمة مجتمع وإبقاء نظام تتوافر فيه كل مواصفات تلبية المصالح الإقليمية والدولية فتحوّل إلى حاجة لقوى متناقضة. ما دفعت ثمنه حلب، دفعت بمثل دمشق وبغداد والموصل وصنعاء وفلسطين. منذ الأيام الأولى للاجتياح الروسي لأوكرانيا كان موقف الرئيس الأوكراني واضحاً بأنه لا يمكن الاتكال على الحلفاء ولا على وعودهم، قاد حملة استنهاض لشعبه وللمجتمعات الأخرى وقرر خوض المعركة، وهذا ما لم يحسنه العرب لا في العراق ولا في سوريا، فيما تأخروا في التقاط ما يتوجب التقاطه في اليمن

اقرأ ايضا : مجلس الأمن العالمي يوجه أكبر ضــ.ربة لبوتين وروسيا (صورة)

وصل الأوكران إلى قناعة تامة بعدم صدقية الغرب تجاههم. في الحملات السياسية والإعلامية تركزت على جملة نقاط لا يعتبر الأوكران أنفسهم معنيين بها، سواء كانت حسابات خطوط النفط والغاز ومصالح أوروبا أو إضعافها وإضعاف الناتو، في مقابل المواقف السياسية التي تعتبر أن بوتين خسر الحرب والحقيقة ليست كذلك، لأنه في مثل هذه الحالات التي يتم فيها تدمير مدن وتهشيم دول وتهجير مجتمعات لا يمكن الحديث عن الفوز بالحرب على ما نجح في إلحاق الخراب

نجحت تركيا في إحراز دور متقدم في قلب أوروبا من خلال موقف منحها فرصة استضافة المحادثات الروسية الأوكرانية وحماية كييف، ووضع أسس لحوار من شأنه أن يدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى لقاء زيلينسكي

منذ اليوم الأول كانت الأهداف الأساسية للحرب هي جيوستراتيجية وسياسية، إبعاد أوكرانيا عن الاتحاد الأوروبي والناتو، وعندما تقدم زيلينسكي بطلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي خذله الأوروبيون. فرض الروس واقعاً على الأرض، في حين دخلت المفاوضات مرحلة جديدة، قد تكون فرصة ليعلن فيها بوتين تحقيق أهدافه الاستراتيجية بالسيطرة الكاملة على الدونباس، والسيطرة على نهر دنيبر الموصول إلى شبه جزيرة القرم وبذلك يقسم أوكرانيا إلى قسمين قسم شرقي وقسم غربي، ويمنعها من الإطلالة على البحر الأسود

وبحال سيكون هناك حلّ للحرب الروسية الأوكرانية، خاصة أن الرئيس الروسي يضع سقفاً زمنياً مهلته أيام قليلة لإعلانه النصر وتحقيق أهدافه، فإن ذلك سيؤدي إلى متغيرات في الوقائع الاستراتيجية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط. خاصة أن الأزمة الأوكرانية أعادت إحياء اصطفافات غير تقليدية في العلاقات الدولية لدول عربية وخليجية معظمها اصطف إلى جانب الروس وفي مواجهة الأميركيين، الذين لم يكن همّهم سوى رفع الإنتاج النفطي والذهاب إلى اتفاق مع إيران، ما أدى إلى موقف سعودي وخليجي مضاد، برفض رفع نسبة الإنتاج النفطي اليومي، وبالاعتراض على السياق الذي تذهب به واشنطن لإبرام اتفاق مع طهران. هنا لا بد من العودة في الحسابات إلى التناقض في المصالح الأميركية الخليجية منذ ثمانينيات القرن الفائت والخلاف السعودي الأميركي على صفقة صواريخ سعودية صينية، وقد امتد ذلك إلى ما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول والاعتراض على الغزو الأميركي للعراق،

فيما المشكلة الأعمق والتي كانت تتعلق بالنفط تعود إلى العام 2008 حينذاك زار الرئيس الأميركي جورج بوش المملكة العربية السعودية وطلب رفع الإنتاج النفطي لأن الارتفاع في أسعار النفط سيؤدي إلى أزمة مالية عالمية، ووقعت الأزمة حينذاك ما أدى إلى حصول تباعد كبير في العلاقات الأميركية الخليجية، واستمر التباعد في عهد باراك أوباما ولا يزال قائماً إلى اليوم. كل هذه الشواهد والوقائع تفرض على السعودية ومصر الذهاب إلى إنتاج تحالف إقليمي جديد قادر على حماية الأمن القومي العربي ولا يرتكز فقط على انتظار الأميركيين في توفير الحماية من هنا لا بد من استعادة الدور في الساحات العربية المختلفة، من العراق إلى سوريا ولبنان توازياً مع اليمن، فكما يُستحضر مثَلُ حلب اليوم في كييف، لا بد من أن يُضرب المثل نفسه بالنسبة إلى الأمن القومي العربي والخليجي، وذلك لا بد أن يرتكز على تعاون وتنسيق خليجي عربي تركي لاستعادة تكريس توزان مفقود في منطقة الشرق الأوسط

Advertisements