تخطى إلى المحتوى

تعرف على رجل الكهف السوري الذي كانت وفـ.ـاته لغزا مثـ.ـيرا للجـ.ـدل

تعرف على رجل الكهف السوري الذي كانت وفـ.ـاته لغزا مثـ.ـيرا للجـ.ـدل

تعرف على رجل الكهف السوري الذي كانت وفـ.ـاته لغزا مثـ.ـيرا للجـ.ـدل

تقول «صفحة وفيات دمشق» على فيسبوك إن مهمتها نعي أهالي العاصمة في الداخل والخارج. وأن تكون «جداراً تُلصق عليه النعوات ليصل الخبر إلى أكبر عدد من الأصدقاء والأقارب والمهتمين»، بعد اضـ.ـطرار بعضهم إلى السفر إلى خارج المدينة أو تغيير مكان سكنهم فيها، خلال «الظروف غير الاعتيادية» التي تمر بها البلاد

وسوى هذه الوظيفة الاجتماعية المعروفة تؤدي أوراق النعي في الصفحة مهامَّ جانبية؛ كدمشقة بعض كبار المسؤولين الذين قدموا إلى العاصمة من محافظاتهم، وأقاموا فيها حتى ماتوا، وكإعادة الابن الضال إلى سياق العائلة بعد طول نفور. وهو ما فعلته الورقة التي حملت اسم «الشاب محمد يمان الصواف» الذي «توفي في استوكهولم إثر نوبة قلبية» كما قالت الصفحة، التي أرفقت بورقة النعوة، التي ذكرت أسماء أفراد العائلة وأقربائهم كالمعتاد، صورة عشرينيٍّ أنيق يكتب على اللابتوب، يبدو كرجل أعمال شاب أو كمن يستعد لأن يكون كذلك

في مكان آخر من العالم الافتراضي كان الأصدقاء فقط ينعون شاباً ثلاثينياً يحمل اسماً غريباً هو «ديفيد رجل الكهف». بعدما وجدته الشرطة السويدية، يوم الخميس الماضي، جثة في شقته. ويتداولون صوراً له بشعر طويل ولحية كثة يفسران الكنية. ولولا بعض التقاطعات لما أمكن استنتاج أن الشاب المقصود في النعيين هو نفسه

ولد يمان، في أواسط الثمانينيات، لأسرة دمشقية متوسطة نشأ فيها على التدين. في المرحلة الإعدادية كان قد حفظ نصف القرآن قبل أن تتسلل الشكوك إلى نفسه ويبدأ بطرح الأسئلة التي لم يستطع محيطه تقديم الأجوبة عنها. وقبل العشرين وجد هذا الطالب الجامعي طريقه إلى عالم الإنترنت المنتشر حديثاً، وإلى مواقع من نوع «منتدى اللادينيين العرب» و«شبكة الملحدين العرب» وجد فيها هؤلاء مساحة للتعارف وطرح أفكارهم ومناقشتها بأسماء مستعارة، استقر فيها الشاب الدمشقي على ديفيد. وهو الاسم الذي سيتخذه لنفسه بشكل رسمي، كما هي كنية «رجل الكهف»، عندما ستحط رحاله أخيراً في السويد، بعد سفر كثير التنقل بدأه عام 2005

اقرأ ايضا : متى تمل الزوجة من زوجها

في مكان آخر من العالم الافتراضي كان الأصدقاء فقط ينعون شاباً ثلاثينياً يحمل اسماً غريباً هو «ديفيد رجل الكهف». بعدما وجدته الشرطة السويدية، يوم الخميس الماضي، جثة في شقته

شكّل الملحدون العرب مجتمعاً افتراضياً شديد الحذر في البداية، حرصاً على مشاعر ذويهم وبيئاتهم المباشرة، وخوفاً من أن تدفع الحماسة الدينية بعض المؤمنين إلى إيذائهم. وفي هذا الجو من السرّانيّة تبادلوا الآراء وتداولوا التشجيع، حتى هاجر بعضهم إلى الغرب وتغيرت طبيعة مساحات التفاعل على الإنترنت من تعمية المنتديات إلى شفافية الفيس بوك واليوتيوب. وفي السياق ذاته كان ديفيد يسير باتجاه إعلان قناعاته، مما سبب صدمة لم تمح آثارها أبداً لدى العائلة، وإنشاء قناة صار يظهر فيها على يوتيوب، وإن باسمه الجديد

في هذه الشبكة الظاهرة/ الخفية من اللادينيين، ولدى أجيال أحدث من المتشككين واللاأدريين والملحدين والباحثين في نظرية التطور، عرف ديفيد بغزارة معلوماته التي اجتذبت حتى من لا يوافقونه في النتيجة. ما يفتح الباب على سيرة ثالثة للشاب هي سيرته المرضية. ورغم أنه تحدث عن هذا الجانب من حياته أكثر من مرة، فإنه لم يربط بوضوح بينه وبين بعض أسباب نجاحه

فقد اكتشف ديفيد، منذ استقراره في السويد، أنه مصاب بالاضطراب ثنائي القطب، الذي يعاني مريضه من نوبات متقلبة بين الاكتئاب العميق وبين الحماسة الهوسيّة. وكذلك باضطراب الشخصية الوسواسية القهرية. ورغم أن المرض الأول أحال معظم أوقاته إلى جحيم، ودفعه إلى دخول المصحّ لمدة قد تبلغ الأشهر من كل عام؛ فإنه منحه طاقة هوسيّة استغلها في التفرغ للقراءة. أما الاضطراب الثاني، الذي وسم حياته بالشعور المستمر بعدم الرضا، فقد دفعه إلى طلب الكمال في كل ما كان يعدّه

اقرأ ايضا : لماذا تعتمد بعض الدول توقيتين صيفي وشتوي؟

قدّم ديفيد عشرات الفيديوهات التي شرح فيها معتقداته، وبعد اهتمامه بالأمراض النفسية بث بعض الحلقات عنها. وقد جمع الأولى في كتاب «ما المثقف» الذي أصدره عام 2018، والثانية في كتابه «اضطرابات الشخصية». وأدرج الاثنين في سلسلة «حوارات مع رجل الكهف». ورغم ذلك فإن أياً من نشاطاته لم يمنحه الشعور بالمعنى. وبالتدريج كانت حالته تتفاقم وصحته النفسية تتدهور وخياراته تزداد غرابة. فبعد أن انفصل عن زوجته، التي أنجب منها صبياً وحيداً، أخذ يؤمن بأن الزواج كله مؤسسة فاشلة، واعتقد باللاإنجابية، وصولاً إلى اللاجنسية كخيار شخصي. أقلع عن التدخين مفاخراً. وتحول إلى نباتي Vegetarian ثم إلى خضري Vegan. وخلال السنوات الماضية حاول الانتحار أكثر من مرة، كان آخرها، كما يرجّح أكثر أصدقائه، المحاولة التي أودت بحياته قبل أيام، وهو في السادسة والثلاثين

لا تقول نعوة دمشق شيئاً عن كل هذا. فهي تكتفي بإدراجه ضمن قائمة من الإخوة والأعمام والأخوال والأنسباء. أما جمهور «صفحة وفيات دمشق» فلا يبخل على أحد بالتعليقات المؤازِرة:

الله يرحمه ويصبر قلب أهله

رحمه الله وأسكنه فسيح جناته

الله يرحمه ويجعل مثـ.ـواه الجنة مع النبيين والصديقين والشهـ.ـداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً مولانا رب العالمين عظم الله أجركم وأحسن عزاءكم وإنا لله وإنا إليه راجعون

Advertisements