ثمانية أشهـ.ـر مرت على الأزمـ.ـة الأخيرة لجواز السفر السوري ولم يجد السوريون حلاً في سبيل الحصول عليه، إلا بدفع الأموال الطائلة في معظم الأحيان، وسط اتّهـ.ـامات بتواطؤ موظفي الهجـ.ـرة مع السماسرة، وزادت المعـ.ـاناة بشكل خاص بعد إنشاء حكومة النظام السوري منصة إلكترونية بحجة تسهيل تقديم الخدمات، فكانت المعـ.ـاناة مضاعفة.
الخروج من سوريا
بات السفر حلماً لآلاف الشباب المطلوبين للخدمة العسكرية لدى النظام، من أجل ضمان بناء مستقبل جديد بعيداً عن ضغوطات الحرب والواقع الاقتصادي المتهالك.
عمر ومحمد (25 – 22 عاماً) شقيقان من ريف دمشق، مطلوبان للخدمة العسكرية، أنهيا دراستهما الجامعية ويحاولان منذ أشهر الحصول على جواز سفر عبر الرابط الإلكتروني التابع لوزارة الداخلية، دون جدوى.
وفي حال انتهاء التأجيل الجامعي بعد أشهر سيكون الشقيقان من المتخلفين عن الخدمة العسكرية وبالتالي سيصعب عليهما الخروج من البلد.
تقول والدة الشابين، بسمة (45 عاماً): “أحد السماسرة الذين يعملون باستخراج جوازات السفر طلب منا دفع 800 دولار أميركي للجواز الواحد، وهو ما لا قدرة لنا على دفعه، منزلنا بالإيجار فمن أين لنا كل تلك الأموال التي تعادل نحو 3 مليون ليرة سورية”.
تضيف بسمة: “نحاول الحصول على تأجيل دراسي عسى أنّ تفتح إدارة الهجرة أبوابها من جديد دون معوّقات”.
اقرأ ايضا : 141 دولة تقف بوجه الغـ.ـزو الروسي لأوكرانيا ولافروف يهـ.ـدد: هذه شـ.ـروطنا
كيف بدأت الأزمة؟
بدأت أزمة جواز السفر منذ مطلع تموز عام 2021، حيث تأخر صدور جوازات السفر في عموم المحافظات، وبرّر وزير الداخلية محمد الرحمون آنذاك أنّ “التأخير بمنح وتجديد جوازات السفر يعود إلى أسباب فنية خارجة عن إرادة الوزارة”.
وعاد مدير إدارة الهجرة خالد حديد للحديث عن أسباب الأزمة خلال مقابلة مع التلفزيون السوري، في الـ 23 من شهر شباط الفائت، قائلاً إنّ الأسباب تعود إلى العقوبات الاقتصادية على سوريا وجائحة كورونا التي تسببت بتأخير ورود المواد الخام الخاصة بتصنيع جوازات السفر وتأخّر شحنها ووصولها إلى المطابع.
تراكم المعاملات لعدة أشهر كان بسبب إطالة مدة الحصول على جواز السفر ضمن خطة عمل “لمتابعة إصدار الجوازات وفق الطاقة الإنتاجية المتوفرة”، وفق حديد.
“دور الشباب الذين يريدون استخراج جواز سفر في إدارة مبنى الهجرة مثل دور الناس على طابور أفران الخبز” هكذا وصف العديد من السوريين أزمة جواز السفر خلال شهري تموز وآب العام الفائت، والتسليم قد يمتد لشهرين أو أكثر.
المنصّة لم تغير شيئاً!
في محاولة لتنظيم وتسهيل معاملات استصدار جوازات السفر، أطلقت وزارة الداخلية في الـ 17 من تشرين الثاني العام الفائت، منصة إلكترونية لحجز مواعيد بهدف الحصول على جواز سفر، بعد شهور من الأزمة.
المطلوب هو الدخول للمنصة والتسجيل على جواز سفر مستعجل أو عادي، ثم جمع الأوراق المطلوبة لحين موعد تقديم الطلب، إلا أنّ الأمور لم تسر وفق المحدد، وسرعان ما تفاجأ سوريون بعدم إمكانية الحجز، إلا في دقائق محدّدة خلال النهار غير ثابتة، دون معرفة المشكلة.
سمر، 38 عاماً، من حلب، يئست مثل الكثيرين من محاولات الحجز عبر المنصة الإلكترونية منذ تاريخ إنشائها تقول: “منذ أول يوم أعلنوا فيه عن المنصة الإلكترونية، وأنا أحاول حجز موعد وإلى اليوم لم أستطع، برنامج المنصة فاشل جداً، لذلك قرّرت التراجع عن تجديد جواز سفري”.
أما زهير، 47 عاماً مقيم في السويداء، تمكّن من الحصول على موعد إلكتروني بعد شهر من المحاولات المتكررة ليلاً ونهاراً “حصلت على جواز سفري بشكل غير مستعجل قبل 3 أشهر، دفعت مبلغاً قدره 21 ألف ليرة سورية مقابل ذلك (مقسمة 13 ألف للمصرف المركزي و2500 ثمن الاستمارة، و5 آلاف ثمن صور شخصية).
في ظل تراجع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي الواحد إلى 3480 بدمشق شهر تشرين الثاني عام 2021 ، أعلنت وزارة الداخلية عن استعدادها لإصدار جواز سفر خلال يوم واحد مقابل دفع رسوم بقيمة 100 ألف ليرة سورية (نحو 30 دولاراً).
وفي شهر آذار من العام الفائت وصل الدولار إلى 4 آلاف ليرة للمرة الأولى منذ 2011، في حين كان سعر الصرف الرسمي المعتمد من المصرف المركزي يعادل 1256 ليرة مقابل الدولار، وفي أواخر عام 2020 سجّلت الليرة مقابل كل دولار أميركي 3 آلاف.
وعزا خبراء اقتصاديون أحد أسباب تدهور الليرة السورية في تلك الفترة إلى ما حدث في لبنان الذي يعتبر أحد أبرز الممرات التي تربط حكومة النظام بالسوق الخارجية، حيث وصلت الليرة اللبنانية في شهر آذار إلى 10 آلاف مقابل الدولار الواحد.
عودة السمسرة
برزت أزمة جديدة بعد الإعلان عن منصة حجز الموعد الإلكترونية حيث اشتكى كثيرون من صعوبة الحجز عبرها، وبالتالي عاد دور السماسرة إلى الظهور من خلال إمكانية حجز المواعيد وبخاصة للأشخاص المحتاجين للجواز بشكل عاجل.
يقول نزار، 35 عاماً، من ريف دمشق: “كلّفني التسجيل على موعد للحصول على جواز سفر جديد مبلغ 300 ألف ليرة سورية، بعد محاولات استمرت لما يقارب الأسبوعين للحصول على موعد دون أن أفلح”.
“التعاون مع موظفي إدارة الهجرة على عينك يا تاجر” يقول أبو محمد، من دمشق، الذي حصل مؤخراً على جواز سفر لـ ابنه المقيم خارج سوريا.
وتابع “لم يعد هنالك خجل أصلاً، الموظف يتعامل مع السمسار ويتقاضى مبلغاً عن كل شخص يرغب في الحصول على جواز سفر”.
واعترفت إدارة الهجرة والجوازات بوجود حالات فساد ورشوة بين موظفيها وابتزاز للمواطنين.
مدير إدارة الهجرة، خالد حديد قال خلال مقابلة مع التلفزيون السوري في شباط الفائت، إن فرع التحقيق بالإدارة وبالتعاون مع فرع الأمن الجنائي ألقى القبض على عدد من الموظفين والضباط في فروع الهجرة والجوازات وتم تقديمهم إلى القضاء عن طريق الأمن الجنائي بسبب الرشوة وابتزاز المواطنين، إضافة إلى نقل بعض الضباط إلى خارج فروع الهجرة بسبب إهمالهم وعدم متابعة عمل العناصر.
أسماء، 33 عاماً، ذهبت لمبنى الهجرة من أجل تجديد جواز سفر شقيقتها في ريف دمشق، لم تعرف من أين تبدأ بسبب الازدحام الشديد، أحد الضباط لفته ضياعها وحاجتها لإتمام المعاملة، فأخبرها أن تحضر”800 دولار في اليوم التالي مع الأوراق الثبوتية وموافقة صاحبة الجواز للحصول عليه خلال ساعة”.
أزمة مشابهة في تركيا
قبل بدء أزمة جواز السفر داخل سوريا، كان السوريون في تركيا يعانون من صعوبات في استخراج جواز السفر من القنصلية السورية جراء صعوبة حجز الموعد وارتفاع تكاليف استخراجه.
ومنذ الـ 2016 برز دور الوسطاء أو”السماسرة” القادرين على حجز مواعيد في القنصلية السورية بإسطنبول مقابل مبالغ مالية تزيد عن 400 دولار أحياناً، وسط اتهامات بتعامل السماسرة مع موظفي القنصلية.
أحمد، 35 عاماً مقيم في تركيا، جدّد جواز سفره داخل سوريا قبيل أزمة الجوازات في منتصف شهر حزيران العام الفائت، عن طريق قريب له من الدرجة الرابعة، بعد شهر من حجز موعد لدى إدارة الهجرة والجوازات بريف دمشق.
يقول: “كلفتني المعاملة آنذاك 350 دولار لكوني مغترب، بدون أجور توصيل، لكن كان هناك عقبة أخيرة بعد وصول الجواز، وهي عقبة تواجه جميع المقيمين في تركيا الراغبين بتجديد جوازات سفرهم، حيث كان عليّ تصديقه من السفارة السورية بإسطنبول”.
استطاع أحمد الحصول على جواز سفره من سوريا قبيل أسابيع من بدء أزمة جواز السفر.
جواز سفر من الخارج
لجأ سوريون بعد صعوبة إصدار الجوازات في الداخل إلى إصدارها من قبل القنصليات السورية خارج البلاد، وبخاصة المطلوبين للخدمة العسكرية أو من عليهم قضايا ضمن المحاكم لدى الدولة.
إيهاب شاب من حماة تفاجأ بعد 4 سنوات من اعتقاله وخروجه بإخلاء سبيل، أنه ممنوع من السفر عند ذهابه لتجديد جواز سفره، وخوفاً من اعتقاله مرة أخرى، قرّر السفر بطريقة غير شرعية إلى لبنان وتجديد جواز سفره عبر سمسار من إدارة الهجرة داخل البلاد.
دفع إيهاب مبلغاً وصل إلى 1200 دولار لتجديد جواز سفره خلال يوم واحد، 800 منها للمصرف المركزي، و400 دولار للسمسار الذي تكفّل بكل الإجراءات خلال شهر كانون الثاني الماضي.
اقرأ ايضا : ابن عم بشار الأسد ينفـ.ـجر غضـ.ـباً في وجهه بسـ.ـبب صورة للرئيس الأوكراني مع جـ.ـيشه
المشكلة خارج البلاد أيضاً
لم تقتصر أزمة الجوازات فقط على الداخل السوري وإنما طالت القنصليات خارج سوريا.
السفارة السورية في بروكسل أعلنت عبر موقعها الرسمي أنّها لا تستقبل إلا طلبات منح جوازات السفر وفق الدور المستعجل فقط.
وأوضحت أنها بسبب نقص المادة الخام لإصدار جوازات السفر، ستستأنف السفارة السورية في بروكسل استقبال طلبات منح جوازات السفر وفق الدور المستعجل فقط، في المرحلة الحالية، اعتباراً من 18شباط الجاري.
كما تستقبل السفارة في بروكسل المراجعين من دول بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ حصراً وفق الدور المستعجل، إضافة إلى جوازات السفر المستعجلة فقط من باقي الدول من يوم الإثنين وحتى الجمعة من كل أسبوع.
وفي عمان أعلنت السفارة السورية أنها “تستمر بمنح جوازات ووثائق سفر جديدة حصراً” وبالنسبة لتمديد الجوازات ووثائق السفر بموجب لصاقة على نفس الجواز “فيتوقف العمل بها بشكل نهائي”.
وعانى السوريون من أزمات سابقة لجوازات السفر، ففي شباط عام 2020 أعلنت إدارة الهجرة والجوازات عن تمديد فترة استلام جواز السفر، لتصبح شهراً واحداً بدلاً من 15 يوماً، بينما بقيت مدة تسليم الجواز المستعجل 24 ساعة.
وبرر مدير إدارة الهجرة والجوازات ناجي النميري، أن زيادة المدة جاءت نتيجة الصعوبة التي تواجهها الإدارة في استيراد المواد المطلوبة لإصدار جوازات السفر، وفق تلفزيون “الخبر”.