قد ينطبق المثل الشهـ.ـير (راحت السَّكرة وجاءت الفكرة) على نظام أسد ومُواليه الذين هلّلوا وطبّلوا للغزو الروسي ضـ.ـد أوكرانيا، فسرعان ما خرجت عليهم حكومة أسد ووزراؤها بأن شُدُّوا الأحزمة وتقشَّفوا، فقد يكون القادم أقـ.ـسى وأصعـ.ـب.
هـ.ـذا القادم ألمح إليه رئيس مجلس وزراء الأسد حسين عرنوس في الجلسة المصغرة الاستثنائية لحكومته أمس، إذ قال بعد أن حمد روسيا وأثنى عليها، إلى درجة اعتبار غـ.ـزوها لأوكرانيا “حفاظاً على الاستقرار العالمي”، إن الهـ.ـدف من الجلسة هو “تقليل انعكاس” ما أسماها “عمـ.ـلية الحليف الروسي” على “الوضع الاقتصادي والخدمي في سورية والتعامل مع أية تقلبات اقتصادية يمكن أن تؤثر في السوق المحلية”.
لكن وزير اقتصاد الأسد محمد سامر الخليل انتقل من التلميح إلى التصريح، مشيراً إلى أن آثـ.ـار الأزمـ.ـة الأوكرانية بدأت تظهر على الاقتصادات العالمية بثلاث مستويات، وهي أسعار الحبوب والنفط وأجور الشحن.
ورغم أنه لم يُشِر إلى حجم الأضـ.ـرار التي قد يسبّبها الغـ.ـزو، غير أنه قال في تصريح لوكالة أنباء النظام سانا إن سعر برميل النفط وصل إلى أكثر من 100 دولار، أي ارتفع أربعة أضعاف عما كان عليه سابقاً، كما ارتفع سعر الغاز، وارتفعت أسعار المعادن بشكل كبير وكذلك أسعار الحبوب، خاصة أن روسيا هي المصدر الأول في العالم لمادة القمح، ويتبع ذلك ارتفاع إضافي على مستوى تكاليف الشحن للمواد بين دول العالم.
وهذا كله -والكلام لوزير الاقتصاد- يؤدي إلى ارتفاعات إضافية بأسعار الطاقة والمعادن والنقل والمواد الغذائية وخاصة القمح، وهو ما يمسّ معيشة المواطن اليومية.
أمّ المصـ.ـائب الاقتصادية
يعتقد الباحث والمحلل الاقتصادي”خالد تركاوي” أن مواد مثل القمح والذرة والشعير ستكون الأكثر تأثُّراً بالغـ.ـزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما سينعكس بنفس التأثير على سلع أخرى مرتبطة بها مثل الخبز واللحوم بنوعيها البيضاء والحمراء، وذلك لارتفاع أسعار الأعلاف.
وقال تركاوي في اتصال هاتفي مع “أورينت” إن ارتفاع سعر المواد الغذائية المذكورة والمرتبطة بحاجات السوري اليومية، سيتضاعف كلما طال أمد الحرب، وقد يصل إلى ضعفين أو حتى ثلاثة أضعاف.
ولو قسنا ذلك على مادة واحدة فقط وهي الخبز الحر فإن سعر الربطة الواحدة حالياً هو 2500 ليرة، فقد يصل إلى 5000 آلاف أو أكثر خلال الفترة المقبلة، وهو ما سيشكّل مصيبة جديدة تُضاف إلى مصائب السوريين في مناطق الأسد، وخاصة أن جزءاً كبيراً منهم أصبح خارج الدعم الحكومي في هذه المادة.
وإذا ما علمنا أن سوريا (نظام الأسد) تحتاج سنوياً لاستيراد نحو 1.5 مليون طن من القمح يأتي أغلبه من روسيا، فإن استمرار غزو روسيا لأوكرانيا والعقوبات التي قد تُفرَض عليها من وراء ذلك، قد تجعل هذه الغزو أكثر تأثيراً على نظام الأسد من قانون قيصر، خاصة أن الأخير يستهدف مواد الطاقة والتكنولوجيا الحديثة، بينما استمرار الغزو وعدم تراجع بوتين قد يستهدف أكثر المواد حساسية لعيش السوريين، ألا وهو: لقمة العيش.
اقرأ ايضا : الرئيس الأوكراني يفتح باب التطوع للأجانب من خارج أوكرانيا للقـ.ـتال ضـ.ـد روسيا
ويعزو تركاوي ارتفاع سعر القمح لسببين: الأول هو أن إمدادات القمح من أوكرانيا إلى نظام الأسد ستتوقف بسبب الغزو، وكانت قد بلغت في عام 2021، نحو 20 مليون دولار،
كما إنها مع استمرار الحرب ستنخفض من روسيا، فضلاً عن أن ارتفاع أسعار الوقود عالمياً إلى نحو 4 أضعاف سيرفع من أجور شحنها بشكل كبير، ما سيشكّل عبئاً كبيراً على اقتصاد نظام الأسد المتهالك أساساً، وبالتالي عبئاً إضافياً على السوريين في مناطق سيطرته.
وفي آخر تقارير الأمم المتحدة عن الاقتصاد السوري المتهالك، أكّد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، أن نسبة السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر تقدَّر بأكثر من 90% من إجمالي سكان البلاد، مشيراً إلى أن كثيراً منهم يُضطَر إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم.
من الاقتصاد إلى السياسة
يؤكد خبراء في الاقتصاد والسياسة أن الملف الأوكراني قد يشغل بوتين قليلاً عن سوريا، لكنه لن يصل إلى الدرجة التي يتخلى فيها عن دعم نظام الأسد، فسوريا هي أحد أوراق القوة التي تمتلكها روسيا في وجه أوروبا وأمريكا، وهي الرسالة التي أوصلها الروس إليهم قبل أيام في المناورات البحرية التي أجروها في المتوسط قبالة السواحل السورية.
ولكن مع ذلك فإن غزو أوكرانيا، خاصة إن طالت الحرب، قد يكون البداية لعزل روسيا ورئيسها بوتين عن المجتمع الدولي، وهذا العزل سيؤدي بالنهاية إلى ضعفها بشكل كبير، وبالتالي ستكون مضطرة إلى تخفيف أو ربما وقف الدعم الاقتصادي بشكل نهائي عن نظام الأسد، وقد يتطور لوقف الدعم السياسي في مرحلة لاحقة.
ويتّفق في هذه المسألة كل من الباحث تركاوي والدكتور محمود حمزة الخبير المختص بالشأن الروسي، فالأول يرى أن الدعم الروسي للنظام كله سيتأثر سياسياً واقتصادياً في حال طال أمد الحرب، لأن بوتين سيكون بحاجة لسيولة كبيرة لتمويل الحرب، كما سيؤدي غرقه فيها إلى انشغاله عن تقديم الدعم السياسي للنظام.
أما الدكتور حمزة فيعتقد أن التأثير الأكبر الذي سيَقـ.ـصِم ظهر روسيا هو طـ.ـردها من نظام “السويفت العالمي”، وبالتالي ستكون عاجـ.ـزة عن إجراء أي تحويلات مالية منها وإلى العالم وإليها من جـ.ـديد، مشيراً إلى أن دول الغرب وأمريكا تدرس جدّياً اللجوء إلى مثل هـ.ـذه الخيار في حال لم يتراجع بوتين عن استكمال الغـ.ـزو.
ونظام “سويفت” هو شـ.ـريان مالي عالمي يسمح بانتقال سلس وسريع للمال عبر الحدود. و كلمة سويفت – SWIFT – هي اختصار لـ “جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك”، وقد أنشئ هـ.ـذا النظام عام 1973 ومركز هـ.ـذه الجمعية بلجيكا، ويربط نظام سويفت 11 ألف بنك ومؤسسة في أكثر من 200 دولة.
وأضاف الدكتور حمزة في تصريح لأورينت نت أنه في حال طالت الحـ.ـرب وذهبت أمريكا إلى الحد الأقصى في العقـ.ـوبات، فإنها ستكون مدمِّرة لروسيا على المدى المتوسط ، وبالطبع فإن هـ.ـذا التأثـ.ـير الاقتصادي المدمِّر على روسيا سينعكس سياسياً واقتصادياً على الوضع في سوريا.
وبحسب حمزة فإن العقوبات التي فرضتها أمريكا خلال الأيام الماضية على رجال أعمال روس كبّدتهم نحو 40 مليار دولار، كما إن أمريكا لم تكتفِ بذلك، بل جمّدت مؤخراً مع بريطانيا مليارات الدولارت لرجال أعمال روس مقرَّبين من بوتين.
ولكن في الوقت نفسه يرى أن انتصار بوتين في أوكرانيا -وخاصة إذا كان سريعاً- فإنه سيزيد من تمسُّكه بسوريا، وبالتالي دعم نظام الأسد بشكل أكبر، وهـ.ـذا يتوقف على مدى صلابة الأوكران وكذلك دول أوروبا وأمريكا لجهة دعم كييف من جهة، ومعـ.ـاقبة روسيا بشكل حازم من جهة ثانية.
وكان نظام أسد وإعلامه ومُوالوه احتفَوا بالغزو الروسي لأوكرانيا، مدَّعين أن موسكو أبلغت رئيسهم بشار بالعمـ.ـلية العسـ.ـكرية على أوكرانيا منذ زيارة وزير الدفاع الروسي “شويغو” الأخـ.ـيرة إلى حميميم، حيث اعتبر الموالون أن هـ.ـذه الخطوة تكشف عن “الأبعاد الإستراتيجية” و”النظرة القـ.ـوية” لسوريا كدولة “مهمة” في هـ.ـذا المحور على حد زعمهم.
يُذكر أن روسيا شـ.ـنّت فجر الخميس الماضي 24 /02/ 2022 عمـ.ـلية عسـ.ـكرية لغزو أوكرانيا بمشاركة أكثر من 100 ألف عسـ.ـكري وآلاف الدبابات والمدرعات من عدة محاور في شرق البلاد والجنوب الشرقي، وسط تنديد دولي كبير وعقـ.ـوبات مالية واقتصادية على البنوك الروسية وشخصيات مقربة من الرئيس بوتين.