تفـ.ـاجأ الشاب السوري، قصي تاجر، بوصول مبالغ كبيرة متتالية على حسابه البنكي لم يعرف مصدرها. كان التصرف الأفضل بالنسبة له هو إبلاغ الشـ.ـرطة وإعادة المال لأصحابه. رد فعل قصي كان بالنسبة له عادياً، لكنه أكسبه احتراماً وتقديراً.
ينحدر الشاب قصي تاجر من مدينة حلب السورية، التي اضطر لتركها والفرار بعد اشتداد الأزمة السورية وطلب اللجوء في ألمانيا، بعد فتح أبوابها أمام من ضاق بهم العيش تحت حصار الحرب ودمارها.
الشاب الثلاثيني، كان قد حصل على دبلوم في مجال الإلكترونيات، وعمل بعد الدراسة موظفاً في جامعة حلب. كانت حياته مستقرة وهادئة، لم يكن يتخيل أنه سيضطر للبدء من الصفر في بلد جديد.
رحلة اللجوء نحو ألمانيا
لجأ قصي إلى ألمانيا عام 2014 بعد اشتداد الحرب والحصار على مدينته، فرّ أولا إلى تركيا ومنها بدأ رحلة شاقة نحو ألمانيا رفقة واحد من أخواله آنذاك، ووصل إلى ألمانيا وطلب اللجوء فيها في ديسمبر/ كانون الأول 2014.
وعن حياته ما بعد اللجوء يحكي قصي “المجتمع مختلف والحياة هنا لا تشبه حياتي في سوريا، كانت الفترة الأولى في ألمانيا صعبة للغاية، كل تلك التغييرات أصابتني باكتئاب حينها”، يقول قصي.
بدأ الشاب السوري في دراسة اللغة الألمانية متأخراً، أي بعد سنتين أو أكثر من وصوله إلى ألمانيا. وقد كانت هذه الخطوة أكثر ما ساعده على التأقلم، وسهلت عليه بعضاً من الصعوبات، اللغة في نظر قصي “مفتاح فهم الحياة وسهولتها على اللاجئين والمهاجرين الجدد، وسبيل لتحقيق مستقبل أفضل”، حسب قوله.
كان الانفراج في حياة قصي ما بعد اللجوء، بعد عرض عمل تلقاه من عراقي يملك مطعماً في مدينة ماينز حيث يقطن. بعد سنتين ونصف من العمل بالمطعم، أصبح قصي حرفياً الآن ويعد أطباقا متقنة. كانت مبادرة الأصدقاء العرب مفتاحا لتغيير نفسية قصي، واستقرار حياته في ألمانيا.
مساعدات الدولة التي يتلقاها الشاب السوري صارت أقل بعد تحصيله عملا، لكن قصي يفكر بالمضي قدما في تعلم اللغة والوصول إلى مستوى أفضل، إضافة لذلك سيحتاج لعقد عمل أفضل، من أجل الحصول على الجنسية الألمانية لاحقاً.
ألمانيا تستحق الاحترام ورد الجميل!
يقول قصي في حديثه لمهاجر نيوز “صحيح أني لست في تواصل كبير مع الألمان، لكني تأقلمت على الحياة هنا، ساعدتنا حكومة هذا البلد، وتلقينا دعماً وترحيباً”. لذلك أي خطوة جيدة لرد الجميل هي أولوية بالنسبة لقصي.
لعل حادث وصول مبالغ ضخمة لحسابه بالخطأ كانت فرصته للتعبير عن امتنانه واحترامه لألمانيا. يوم 13 ديسمبر/ كانون الأول من السنة الماضية، توصل قصي بأول مبلغ يتجاوز 20 ألف يورو على حسابه البنكي، وقد صدم بذلك رغم معرفته بأنه كان تحويلاً بالخطأ.
يوم 17 ديسمبر/كانون الأول، وصل مبلغين كبيرين آخرين لحسابه مرة أخرى، ليصير مجموع ما تلقاه ما يناهز 400 ألف يورو. هنا كان تحرك قصي عبر تبليغ الشرطة بمدينة ماينز، التي اتجهت لمنزله على الفور للتحقق مما توصل به والجهة المسؤولة عن ذلك، وأوصوه بعدم التصرف فيه.
اقرأ ايضا : الكـ.ـشف عن الطـ.ـريقة الوحيدة للاستفادة من الأموال التي جمعها أبو فلة لأجل السوريين
التقدير مقابل احترام القانون!
بعد اتصال من قصي لبلدية المدينة التي كان يقطنها سابقاً، وهي الجهة التي حولت هذه المبالغ بالخطأ، سُحب المبلغ وعاد لأصحابه. هذا التصرف الذي وصفه قصي بالعادي والقانوني، جعله محط تقدير من أصدقائه ومحيطه من الألمان وأيضا من جرائد ومحطات تلفزيونية ألمانية سارعت لنشر القصة.
بلدية مدينة ماينز بينغن أيضا شكرت قصي بهدية رمزية ورسالة شكر، عبرت من خلالها عن امتنانها لإشعار الإدارة بالخطأ والتصرف بشكل قانوني، وعلى تعاونه في كل مراحلة استرداد المال من حسابه. كما احتفت مجموعة من الصحف والقنوات الألمانية بتصرفه النبيل، وسلطت الضوء على قصته.
يقول قصي في تعليقه على مجرى الأحداث “أنا في نظري لم أفعل إلا الواجب الذي تفرضه الأخلاق والقانون، كان ذلك خطأ ولابد من أن يتم التبليغ عنه ليعود الحق لأصحابه. لم أتوقع أن تصير هذه الضجة الإعلامية، كانت تلك أمانة عادت لصاحبها فقط ونوع من الالتزام برد جميل لبلد قدم لنا الكثير، هذا وطننا الثاني”.
من جهة أخرى، علق كثير من الأشخاص على تصرف قصي المحترم والقانوني بالكثير من الاستهزاء والتجريح بعد قراءة الخبر على وسائل التواصل الاجتماعي، معتبرين أنها كانت فرصة للاغتناء السهل. ومنهم من وصل به الأمر لوصفه بأوصاف قدحية، وهو أمر أزعج قصي للغاية.
يصر قصي على أن “الصبر ودراسة اللغة والالتزام بالقوانين والعمل الدؤوب”، هي مفاتيح الحياة الجيدة لكل مهاجر أو لاجئ جديد في ألمانيا. يفكر الشاب السوري في معادلة شهادته التي حصلها في سوريا والعمل في المجال الذي أتقنه في بلده، للسير قدما نحو مزيد من الرضا عن الذات. أما عن مغادرة ألمانيا فيقول قصي “حاليا العودة غير ممكنة، لكن اشتياقي لوطني وأهلي يدفعني للتفكير في ذلك في حال تغيرت الأوضاع للأحسن وعادت سوريا كما كانت”.