قدّمت استجابة الولايات المتحدة للأزمات الأخيرة في هايتي وكوبا لمحة عن مبدأ السياسة الخارجية الناشئة للرئيس جو بايدن ،
والتي تميّزت حتى الآن بدعمها الفعال للديمقراطية في جميع أنحاء العالم ومقاومة ملحوظة للتدخل الأجنبي ،
إلّا إذا كان ذلك التدخّل يتماشى مع تفسير أدقّ لمصالح أمننا القومي
وقد أعرب الرئيس بايدن عن دعم الولايات المتحدة للمتظاهرين المطالبين بالحرية في كوبا ودعا إلى استئناف السلام والديمقراطية في هايتي بعد مقتل الرئيس جوفينيل موس، وقاوم الضغط من أجل تدخّل مباشر أكثر
إذن ماذا سيفعل الرئيس بايدن حيال الأزمة في سوريا؟
بصفتي مدير منظمة “مواطنون من أجل أمن وسلامة أميركا”، وهي منظمة من الأمريكيين السوريين مكرّسة لإعادة سوريا إلى الشعب السوري ،
أعلم أن سياسة الرئيس بايدن الخارجية ستخضع لاختبار شديد عندما يتعلق الأمر بسوريا. يجب على الرئيس بايدن الاستجابة لأسوأ أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية ،
والضغط على بشار الأسد للتنحي ودعم انتقال سياسي سلمي وديمقراطي بقيادة سورية.
لا يمكن للولايات المتحدة قبول الرواية التي أقرّتها الدول الموالية للأسد ، مثل روسيا وإيران ، والتي تفيد بأن الحرب في سوريا قد انتهت وانتصر الأسد. بدلاً من ذلك ،
يجب على إدارة بايدن الإصرار على تخلي الأسد عن السلطة وفتح الطريق أمام انتقال سياسي سلمي بقيادة ومملوك من قبل السوريين.
وهذا يستلزم الانخراط مع شركائنا وحلفائنا والمجتمع المدني السوري لدعم المؤسسات الديمقراطية التي تدعم الانتخابات الدستورية الحرّة في سوريا
تعرقل التعاون بين الولايات المتحدة وشركائها الذين لهم نفوذ على الأرض في سوريا، وخاصة تركيا، من قَبل بسبب الخلافات حول قضايا السياسة الخارجية الحساسة ؛ ومع ذلك، هناك حاجة إلى تعاون أوثق بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن سوريا.
حيث تقوم تركيا بإدارة مساحة كبيرة من الأراضي السورية على طول حدودها الجنوبية التي تستضيف ما يُقدّر بنحو 4 ملايين شخص،
لذلك لدى الولايات المتحدة فرصة للعمل مع تركيا لدعم بناء المؤسسات الديمقراطية في هذه “المناطق الآمنة”،
بهدف نهائي هو إعادة سلطة القيادة للشعب السوري في شكل حكم ذاتي ديمقراطي ودستوري في كل أرجاء سوريا. علاوة على ذلك،
يمكن للولايات المتحدة العمل مع تركيا لإنشاء هيكل مركزي لتنظيم مختلف الميليشيات المناهضة للأسد العاملة في شمال غرب سوريا،
وتوحيد هذه الميليشيات تحت تسلسل قيادة سوري واحد ومستقل. من شأن ذلك أن يساهم في إضفاء الطابع المهني على الميليشيات المناهضة للأسد،
وردع هجمات النظام المدمّرة ضد المدنيين ، وحلّ العناصر المتطرّفة، ومكافحة انتهاكات حقوق الإنسان، وبناء الأسس لجيش سوري وطني جديد
على الرغم من خلافاتنا، تحتاج الولايات المتحدة أيضًا إلى العمل بشكل استباقي مع روسيا لاستعادة السيطرة على المناطق في سوريا التي تحكمها ميليشيات إيران وحزب الله.
ويُعدّ تقليص حجم الميليشيات المدعومة من إيران عنصراً ضرورياً في أي استراتيجية أمريكية لمواجهة نفوذ إيران الضارّ.
وتشير الضربات الجوية الأمريكية الأخيرة ضد الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا إلى أن إدارة بايدن تتفهم المخاطر التي تشكلها إيران على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ومستعدة لاتخاذ إجراءات محدودة للحدّ منها.
يمكن للولايات المتحدة تعظيم تأثير أي إجراء تتخذه في سوريا من خلال التنسيق مع القوى الأخرى ذات النفوذ على الأرض.
روسيا هي واحدة من الدول القليلة التي تعمل عسكرياً داخل سوريا، ولديها القدرة والنفوذ لقيادة تغيير يمكن أن يوقف الجماعات المدعومة من إيران في سوريا
اقرأ ايضا : اتفاق بين مفاوضي درعا وروسيا على حل للأزمـ.ـة بغـ.ـياب ممثلي بشار الأسد
من المنطقي أن تخطو إدارة بايدن بحذر لتجنب تورّط الولايات المتحدة في صراعات طويلة الأمد ومكلفة بعيدًا عن الوطن.
لكن لا يزال يتعيّن على الولايات المتحدة حماية وتعزيز مصلحتها الوطنية في العالم، خاصة عندما يعمل خصومنا على تقويضها، مثل روسيا وإيران وداعش في سوريا.
كل دقيقة تتقاعس فيها الولايات المتحدة عن اتخاذ أي إجراء يمنح روسيا وإيران وداعش فرصة لتعزيز مصالحهم الخاصة في سوريا وتشكيل الديناميكيات الإقليمية في الشرق الأوسط على حساب الولايات المتحدة
يركّز الرئيس بايدن بشكل متكافئ على التغلّب على أسوأ آثار الوباء وإعادة بناء الاقتصاد الأمريكي,
لكن الأزمات الأخيرة في كوبا وهايتي تذكّرنا بأن الولايات المتحدة لا تستطيع عزل نفسها عن الأحداث العالمية
لأن انسحاب الولايات المتحدة من العالم من شأنه أن يترك فراغًا يتوق خصومنا إلى ملئه
وإذا عادت أمريكا حقًا إلى المسرح العالمي، فعليها أن تُظهر ذلك في سوريا و يجب أن توضح إدارة بايدن
أن سوريا لا تنتمي إلى بشار الأسد أو روسيا أو إيران أو داعش أو أي منظمة إرهابية أخرى. سوريا ملك لنا نحن الشعب السوري ويمكننا بناء سوريا ديمقراطية وحرّة وعلمانية ومزدهرة بدعم من العالم الحرّ