عادت محافظة إدلب شمال غربيّ سوريا، لتتصدر واجهة الأحداث الميدانية في البلاد مجدداً، بعد تصاعُد وتيرة القصــ.ف الجوي
وصباح العاشر من حزيران/ يونيو، شنت الطائرات الروسية 6 غارات جوية على قرى وبلدات في “جبل الزاوية”، بالتزامُن مع تعرُّض المنطقة
وأدى ذلك إلى 12 ، معظمهم مدنيون من عائلة واحدة، إضافة إلى 3 من “هيئة الشام”، من بينهم المتحدث باسمها الملقب بـ”أبي خالد الشامي”، والذي تصادف وجوده في بلدة “إبلين” مع تعرضها ، حيث قامت النظام بقصف المنطقة 3 مرات متكررة لعرقلة عمل فرق .
وتجدد اليوم السبت، على منطقة أريحا، في “جبل الأربعين” ما تسبب في “كفرلاتة”، وتطوّر ليستهدف نقطة تركية في قرية “معرزاف” بإدلب.
أول أمس لم تكن فاتحة التصعيد، حيث سبق ذلك بأيام قيام قوات النظام قرى وبلدات سهل الغاب بريف حماة الغربي، ما أدى إلى 300 دونم مزروعة بالقمح والجلبان وحبة البركة، في قرى “المشيك” و”الزيارة” و”القرور”، بحسب ما أفاد به عضو المكتب الإعلامي في منظمة الدفاع المدني السوري “فراس الخليفة”.
وأشار “الخليفة” في حديثه لموقع “نداء بوست” إلى 16 منذ بداية التصعيد، عشرات الآخرين ، إضافة إلى نزوح عدد كبير من المدنيين نحو الحدود السورية التركية، موضحاً أن قسماً من الأهالي عادوا قبل أسابيع إلى قُراهم بهدف جني محاصيلهم الزراعية إلا أنهم اضطروا مجدداً لتركها.
ومن الملاحظ أن قصف قوات النظام تركَّز في بادئ الأمر على الأراضي الزراعية وبشكل خاصّ حقول القمح، بهدف الأهالي بأرزاقهم وحرمانهم من المحصول الذي طال انتظاره، كما أنها وسَّعتْ بعد ذلك دائرة الاستهداف لتطال المناطق التي بدأت تشهد عودة بعض النازحين إليها كـ”البارة” و”الفطيرة” في “جبل الزاوية”.
وتزامنت هذه الحملة مع الاهتمام الذي أبدته الولايات المتحدة الأمريكية بالملف السوري وبشكل خاص فيما يتعلق بتجديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وقيام مندوبتها الدائمة لدى الأمم المتحدة “ليندا توماس غرينفيلد” بإجراء زيارة إلى تركيا، وتأكيدها على أهمية التعاون بين واشنطن وأنقرة في سوريا والعمل على إنهاء خلافات الجانبين بهذا الملف.
أسباب التصعيد
أجمع عدد من الباحثين والخبراء في الشأن السوري، على أن الذي تتعرض له محافظة إدلب منذ أيام وبلغ ذروته يوم أول أمس الخميس، يأتي في سياق الرسائل التي اعتادت روسيا على توجيهها إلى المجتمع الدولي قبيل كل اجتماع حول سوريا.
ومن المقرر أن يلتقي الرئيسان التركي “رجب طيب أردوغان” ونظيره الأمريكي “جو بايدن” في الرابع عشر من الشهر الجاري، على هامش قمة زعماء حلف “الناتو” التي ستعقد في العاصمة البلجيكية “بروكسل”، وقد أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي “جاك سوليفان” أن الملف السوري سيكون حاضراً خلال اللقاء.
وبعد يومين من لقاء “أردوغان” و”بايدن” سيلتقي الأخير مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في مدينة “جنيف” السويسرية، وأكد البيت الأبيض أن الجانبين سيبحثان الملف السوري ومسألة إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود.
ومن وجهة نظر الباحث والناشط السياسي “ساجد تركماني” فإن الرسائل الروسية تشمل هذه المرة أكثر من جهة، وإن كانت تستهدف بالدرجة الأولى تركيا، حيث تسعى موسكو للضغط على أنقرة، لتثبيت التفاهمات السابقة وأيضاً التوصل لتفاهم حول بعض القضايا الأخرى، إضافة إلى كونها محاولة لانتزاع بعض التنازلات من الجانب التركي.
ورأى “تركماني” في حديثه لموقع “نداء بوست” أنه من المحتمل أن يكون هذا التصعيد نابعاً من رغبة روسيا بإجراء مقايضة مع تركيا، تتعهد خلالها بعدم استخدام حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن ضد مشروع قرار تمديد آلية إدخال المساعدات عبر الحدود، مقابل فتح معابر داخلية بين مناطق سيطرة النظام وريفَيْ إدلب وحلب.
وأشار “تركماني” إلى التصريحات الأمريكية التي تحدثت عن نية الرئيس “جو بايدن” في ممارسة ضغط شخصي على نظيره الروسي “فلاديمير بوتين” لتمديد آلية إدخال المساعدات العابرة للحدود، معتبراً أن ذلك “قد زاد من حساسية موسكو ودفعها لتوجيه هذه الرسائل “.
من جانبه، قال العقيد “عبد الجباري العكيدي” في حديث لموقع “نداء بوست” إن روسيا تستبق أي استحقاق سياسي حول سوريا بالتصعيد على الأرض وقضم مناطق جديدة لصالح النظام السوري، منذ بدء مسار “أستانا” وحتى هذا اليوم.
ويرتبط التصعيد الأخير، وفقاً لما يرى “العكيدي”، بالقمة التي سيعقدها “أردوغان” و”بايدن”، وقمة “بايدن – بوتين”، كما هو مرتبط بالتفاهمات “التركية – الروسية” حول الطرق الدولية وفتح طريق “حلب – اللاذقية” (M4) الذي يمر جنوب إدلب أمام الحركة التجارية لإنعاش اقتصاد النظام.
ويعتقد الباحث في مركز “جسور” للدراسات، “عبد الوهاب عاصي”، أن تصاعُد حدة القصف في إدلب بعد فترة الهدوء النسبي مقترن بتعثر المحادثات “الروسية – التركية” التي جرت في موسكو قبل أيام، والتي تم خلالها تناول الملف السوري ومسألة تمديد تفويض آلية المساعدات العابرة للحدود.
ويوم الاثنين الماضي، أكدت مصادر خاصة لموقع “نداء بوست” توجُّه نائب وزير الخارجية التركي “سادات أونال” إلى موسكو لمحاولة إقناع المسؤولين الروس بعدم استخدام حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي، ضد قرار تمديد آلية إدخال المساعدات عبر الحدود.
ولم تعلن أنقرة أو موسكو التوصل إلى أي تفاهم حول هذا الموضوع، واكتفت وزارة الخارجية الروسية بتجديد ما يتم الحديث عنه عقب كل اجتماع حول سوريا، من التأكيد على ضرورة الحفاظ على سيادة ووحدة أراضي البلاد، وتنفيذ الاتفاقيات الهادفة إلى الحفاظ على نظام
وأشار “عاصي” في حديثه لموقع “نداء بوست” إلى أن روسيا وتركيا تختلفان في العديد من القضايا بملف إدلب، كمكافحة “، والانتشار العسكري التركي، ومصير حركة التجارة والنقل، وحدود المنطقة الآمنة، معتبراً أن تعثر محادثات موسكو ساهم في إعادة استحضار بقية قضايا الخلاف.
وبالرغم من أن روسيا تصر على تقويض آلية المساعدات، أو على أقل تقدير عدم تجديدها واقتصارها على التمديد الجزئي، إلا أنها قد تُبدي قبولاً بتمديد أو تجديد الآلية شريطة وضع آليات مراقبة تُشارك فيها، وتفعيل 3 معابر داخلية في حلب وإدلب التي سبق وأن طالبت بها في آذار/ مارس الماضي، وفقاً لـ”عاصي”.
هل يمهد هذا التصعيد لعملية جديدة في إدلب؟
استبعد العقيد “عبد الجبار العكيدي” أن تتعرض منطقة شمال غربي سوريا الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة لمحاولة من قِبل قوات النظام بشكل مشابه لما شهدته في عام 2019، بسبب استعدادات “الجبهة الوطنية للتحرير” والتحصينات التي قامت بها على محاور المنطقة، إضافة إلى وجود الجيش التركي الذي بات يمتلك عدداً من القواعد العسكرية وعدم قدرة قوات النظام على مواجهته، فضلاً عن الضرر الذي ستحدثه أي عملية برية على التفاهمات “التركية – الروسية”.
وفي الوقت ذاته، رأى “العكيدي” في حديثه لموقع “نداء بوست” أن تستمر عمليات البري والجوي، دون حدوث أي تغيُّر على الأرض أو في خرائط السيطرة خلال الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن روسيا تتخذ من ملف “تحرير الشام” وعدم قيام تركيا بتفكيكها ذريعة جاهزة لتبرير عمليات .
من جانبه، اعتبر الباحث “عبد الوهاب عاصي” في حديثه لموقع “نداء بوست” أنه لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأنّ إدلب مقبلة على عملية برية جديدة واسعة أو جزئية من قِبل النظام السوري وحلفائه، إلا أن ذلك لا ينفي قيام روسيا بمناورة على بعض المحاور في إدلب وحلب واللاذقية وحماة.
ويرى محدثنا أن التكلفة المحتمَلة لاستئناف العمليات ستكون عالية مقارنة مع ما حصل في شباط/ فبراير 2020، وبالتالي صعوبة تحقيق إنجاز ومن ثم تحويل ذلك لمكسب سياسي، فروسيا لم تستطع للحظة تحويل السيطرة الميدانية منذ عام 2018 إلى أي مكسب سياسي أو اقتصادي أو أمني.
جدير بالذكر أن روسيا وتركيا توصلتا في آذار/ مارس 2020 لاتفاق يقضي بوقفالنار في محافظة إدلب، وتسيير دوريات مشتركة بين البلدين على طريق “M4″، إلا أن المنطقة تشهد منذ ذلك الوقت خروقات متكررة وعمليات جوي وبري تتفاوت حدتها بين الحين والآخر.