تخطى إلى المحتوى

هل تحدد معـ.ــ.ـركة إدلب القادمة مصير سرت؟

photo 2020 01 28 09 01 48

وصلت تعزيزات عسكرية للنظام السوري والمليشيات الإيرانية إلى تخوم إدلب، وبالمقابل أرسلت المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام تعزيزات عسكرية كبيرة على الجانب الآخر في مناطق سيطرتها، وما زالت تركيا مستمرة في إرسال العربات والآليات والجنود بشكل شبه يومي إلى نقاط تمركزها في المحافظة، والجميع على ما يبدو يتجهز لساعة الصفر، التي لا يعلم أحد متى تنطلق، ومع من ستكون صافرة البداية.

يضع الجميع يده على الزناد، منتظرين ساعة بدء المعركة؛ الطلقة التي ستعلن انطلاق أشرس معارك سوريا على الإطلاق، وبالتأكيد لن تكون نزهة لأحد، وسيكون وقعها الأشد محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، وربما تعلن البدء بمرحلة جديدة في التوازنات الدولية، على الأقل بين تركيا وروسيا، وسيصل صدى المعركة وشررها إلى ليبيا، وبالأخص مدينة سرت.

مخاضات معركة إدلب القادمة

من الصعب تحديد متى تنطلق معركة إدلب، المصيرية بالنسبة للمعارضة ولتركيا أيضًا، ولكن مخاضها قد بدأ بالفعل، إذ أكدت مصادر خاصة داخل الفصائل المعارضة في حديثها مع «ساسة بوست» أن الفصائل العسكرية التابعة لها، وأيضًا هيئة تحرير الشام، تعمل بشكل جدي وقوي لتثبيت خطوط دفاعية في مناطق سيطرتها.

وأكد أحد المصادر أن الفصائل العسكرية شيدت بالفعل ثلاثة خطوط دفاع عن إدلب، وفي حال سقط الخط الأول سيكون هناك خط ثانٍ وثالث، وجهزوا العديد من الخطط والكمائن، وحفروا الخنادق، ورفعوا السواتر الترابية، بل وضعوا خططًا للتقدم والهجوم وليس للدفاع فقط، وهو ما يعني أن التنسيق سيكون على مستوى عالٍ بين الجيش التركي والمعارضة المسلحة.

وأشار المصدر إلى أن الجيش التركي يتمركز بشكل كبير جدًّا، خاصة في جنوب وغرب إدلب، وهذا التمركز ليس دفاعيًّا فقط، بل هجوميًّا أيضًا، ويتضح هذا بالنظر إلى العتاد والأسلحة والعربات والمدرعات الموجودة في المواقع التركية، وأيضًا العدد الكبير جدًّا من الجنود الأتراك الذين يقومون في كثير من الأحيان بعمل جولات راجلة في المدن والبلدات.

في المقابل، أشار ناشطون معارضون إلى أنه من خلال الرصد والمتابعة للجبهات، يبدو أن جيش النظام والمليشيات المناصرة له يرسلان التعزيزات العسكرية إلى إدلب، وهذا ما أكده المتحدث العسكري باسم هيئة تحرير الشام، أبو خالد الشامي، في تصريحات صحفية أشار فيها لحشد واستعدادات لقوات النظام، المدعومة روسيا، من أجل عملية عسكرية في جبل الزاوية، واحتمالية تدهور الهدوء على الأرض في أية لحظة، مؤكدًا قيام النظام بعمليات تمويه على أسلحته، وترميم مواقعه العسكرية أيضًا.

من جانبها، وجهت روسيا ثلاثة اتهامات لفصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام، أولها محاولة استهداف مطار وقاعدة حميميم الروسية بطائرات مسيرة، والثاني اتهام روسي مباشر لهيئة تحرير الشام بالتحضير لهجوم كيماوي على مدينة إدلب يهدف لإلصاق الجريمة بنظام الأسد، وأشارت إلى أن الهيئة صنعت 15 عبوة ناسفة مزودة بعنصر سام غير معروف، وثالث اتهام هو أن الهيئة تخرق الهدنة وتستهدف مواقع النظام السوري.

وبحسب ما قالته مصادر محلية معارضة لـ«ساسة بوست»، فإن «الادعاءات الروسية بانطلاق الطائرات المسيرة من إدلب باتجاه قاعدة حميميم، هي ادعاءات باطلة، وذلك أنه لم ترد أي أخبار عن انطلاق صواريخ من قاعدة حميميم أسقطت هذه الطائرات المزعومة، ومن السهولة رصد هذه الصواريخ من قبل مراصد المعارضة، إذا جرى إطلاقها بالفعل».

ويُفهم من الاتهامات الروسية أمران، الأول أن موسكو تستخدم هذه الاتهامات المتكررة دائمًا للضغط على أنقرة، وتهديدها أن لديها الحجة الجاهزة لشن الهجوم على إدلب. ثانيًا، ربما يشير اتهام الهيئة باستخدام الأسلحة الكيماوية والتحضير لها، أنه إذا بدأت المعركة للسيطرة على إدلب فستتضمن استخدام النظام الأسلحة الكيماوية.

وما ينبئ باقتراب المعركة، هو التفجير الذي استهدف الدورية الروسية التركية على الطريق الدولي «إم 4»، في 14 يوليو (تموز) الماضي، وأدى لإصابة ثلاثة جنود روس، وعطب عربات تركية وروسية، وعلى إثره قامت طائرات حربية روسية، ترافقت مع قصف مدفعي وصاروخي عنيف، باستهداف البلدات والقرى الواقعة غرب وجنوب المحافظة، مما أدى لسقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين.

قبل هذا التفجير، كانت مدفعية النظام تستهدف القرى والبلدات الجنوبية والغربية بشكل متقطع قد يصل في اليوم الواحد لبضعة قذائف فقط، ولكن بعده زادت عمليات القصف واتسعت رقعتها، ويعتقد أنها تستهدف تحصينات فصائل المعارضة ومواقعها العسكرية، في سبيل منعها من تثبيت خطوط الدفاع.

«إدلب وسرت» ترابط عضوي

يبدو أن روسيا تمسك العصا من المنتصف؛ هي بالتأكيد لا ترغب بمواجهة عسكرية مباشرة مع تركيا، التي لا ترغب بهذه المعركة هي الأخرى، ولكن موسكو تجد صعوبة في الوقت ذاته في الحصول على تنازلات من أنقرة بخصوص الملفين السوري والليبي، وجرى بالفعل ربط مصير إدلب وسرت معًا، ويرى محللون أن المعركة إذا بدأت في إدلب سيصل شررها إلى مدينة سرت الليبية، إذ أصبحت المدينتان مرتبطتين عضويًّا، وما يحصل للأولى سيؤثر في الثانية، والعكس بالعكس.

ويبدو أن طرفي النزاع الرئيسيين، تركيا وروسيا، يؤجلان الحسم العسكري، ويضغط كل طرف على الآخر للحصول على تنازلات، ويتضح هذا بالنظر إلى الحشود العسكرية الضخمة في إدلب وسرت، وحجم اللقاءات والمشاورات التي يقوم بها مسؤولو الدول. لكن يبقى السؤال: ماذا سيحدث لو فشلت المفاوضات؟

رغم تعقيدات المشهدين الليبي والسوري والاختلافات فيما بينهما، يوجد تشابه كبير في بعض النقاط، خاصة في حجم التدخلات الدولية، ففي سوريا تدخلت أربع دول تدخلًا مباشرًا، هي روسيا وتركيا وأمريكا وإيران، أما في ليبيا فتدخلت تركيا، وروسيا، ومصر، والإمارات، والسعودية، وفرنسا، وأيضًا أمريكا، وإن كان بشكل غير مباشر، كما جندت روسيا سوريين للقتال مع قوات حفتر، وفي الجهة المقابلة جندت تركيا سوريين للقتال مع حكومة الوفاق.

أوراق روسيا وتركيا

تفكر أنقرة في الكثير من الحسابات الإقليمية قبل شن هجوم على مدينة سرت، أهم معاقل قوات حفتر، من قبل حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، خاصة مع التهديد المصري الذي جعل من سرت «خطًّا أحمرَ»، على عكس إذا ما شنت روسيا هجومًا على إدلب، فلا خطوط حمر هنا.
ربما تشرح هذه الأسباب التعزيزات التركية الكبيرة جدًّا في إدلب، التي يبدو من حجمها أنها استعدادات لحرب حقيقية، فهل تتراجع أو تتخوف روسيا من شن المعركة؟
أرسلت روسيا رسالة واضحة وصريحة لأنقرة، عبر استهدافها لمواقع النفوذ التركي المباشر في سوريا، إذ شنَّت طائرات حربية روسية غارات جوية استهدفت مدينة الباب، الواقعة ضمن منطقة درع الفرات شرقي حلب، بتاريخ 15 من الشهر الماضي، وسبقتها غارات جوية روسية أيضًا على منطقة نبع السلام، شمال الرقة والحسكة، في السادس من الشهر الجاري.
يفهم من هذه الرسائل أن موسكو لن تكتفي بإدلب فقط، بل ستذهب الى أبعد من ذلك، وكذلك أن ثمن تحرير سرت سيكون باهظًا جدًّا.

لكن الرد التركي لم يتأخر؛ إذ قامت مدفعيتها باستهداف مواقع للنظام في مدينتي سراقب وكفرنبل جنوب إدلب في 15 و16 من الشهر الماضي، وشنت طائرة مسيرة تركية غارات جوية، واستهدفت نقطة روسية جنوب بلدة الدرباسية، وأدت لإصابة جندي روسي وعدد المدنيين، حسب قوى الأمن الدَّاخلي التابعة لـ«قسد»، ما يعني أن تركيا مستعدة فعليًّا لمناطحة روسيا وتحديها.

إذًا، من المستبعد أن يأتي التوافق على ملفي ليبيا وسوريا بشكل منفصل، وأصبح كلاهما في سلة واحدة للتفاوض.

تشهد إدلب وقفًا لإطلاق النار، وكذلك الأمر في سرت، وهناك دعوات للبدء بحل سياسي في البلدين يرضي جميع الأطراف، وكل ذلك يدور وسط زخم واتصالات واسعة بين زعماء الدول لبحث القضيتين السورية والليبية، وأكدت جميع الأطراف ضرورة استمرار وقف إطلاق النار في إدلب وسرت معًا، ولكن الحقيقة أن الاستعدادات للمعركة تجري على قدم وساق في المدينتين، ولم يعد السؤال «هل ستبدأ الحرب»، بل «متى تبدأ؟».
تستخدم روسيا ورقة إدلب للحصول على تنازلات تركية في ليبيا، وهي في الحقيقة ورقة رابحة مع حجم التهديدات المختلفة التي تحذر من دخول سرت، خاصة من الجانب المصري الذي حصل على تفويض من البرلمان لشن مهام قتالية خارج البلاد، وهو ما قد يصعب مهمة أنقرة ويهدد مصالحها في ليبيا.

في المقابل، تستخدم تركيا ورقة سرت للضغط على روسيا للحصول على تنازلات في ليبيا وفي سوريا أيضًا، وهذه الورقة تعتمد على مدى استعدادات أنقرة وجهوزيتها لكل الاحتمالات، فسيطرة تركيا على سرت ستكون– على الأرجح– أسهل من سيطرة روسيا على إدلب، بالطبع إذا ما استبعدنا تدخل الجيش المصري المباشر، الذي ربما يغير المعادلة كثيرًا.

خلال الأربعة شهور الأخيرة الهادئة نسبيًّا، عملت تركيا على تثبيت وجودها في محافظة إدلب كاملة، ويعد هذا الوجود هو الأضخم والأوسع للجيش التركي خارج بلاده، كما عملت أيضًا على وضع الخطط لفصائل المعارضة بخصوص الدفاعات، وطلبت من الفصائل التوحد ضمن غرفة عمليات واحدة فقط لتلقي أوامرها، وهو ما نفذته هيئة تحرير الشام بالفعل من خلال إنهاء غرفة عمليات «فاثبتوا»، والتي شكلت تهديدًا حقيقيًّا لسيطرة الهيئة على إدلب.

أصبحت إدلب الآن ثكنة عسكرية، وهذا تعيه روسيا بشكل جيد، وتعلم أن معركة السيطرة عليها لن تكون سهلة أبدًا، وربما تخسر رهانها وأوراقها، وهو ما قد يجعل الحل العسكري للمدينتين مؤجلًا بعض الشيء. ولحين الانتهاء من التفاهمات الروسية التركية، ستبقى الأيدي على الزناد، وستستمر الحشود العسكرية الكبيرة في التجمع، في إنتظار إعلان صافرة البداية، أو ربما النهاية.

المصدر : ساسا بوست

Advertisements