تخطى إلى المحتوى

ألهم تشي جيفارا وقاد الثورة على الإسبان والفرنسيين في المغرب.. قصّة “أسد الريف” عبد الكريم الخطابي القائل” ليس في قضية الحرية حل وسط” (صور)

67408354 148038566284377 3610949331802492713 n

القائل” ليس في قضية الحرية حل وسط”، عبد الكريم الخطابي أسد الريف الذي قاد ثورة ضد الاستعمار الإسباني والفرنسي ‏للمغرب، ألهمت الثائر تشي جيفارا

محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي اشتهر بين الريفيين بـ مولاي موحند أو عبد الكريم الخطابي ويُلقب بأسد الريف، رجل سياسي ‏وقائد عسـ.ـكري مغربي من منطقة الريف، وكان قائدًا للمقـ.ـاومة الريفية ضد الاستعمارين الإسباني والفرنسي للمغرب، خلال الفترة ‏من عام 1919م إلى عام 1929م. وهو مؤسس إمارة الريف الإسلامية.‏

يعتبر الخطابي أول من أشاع استعمال مصطلح المغرب الشرقي بشكل كبير، بعد أن أسس لجنة تحرير المغرب العربي، حيث ‏حدّد الخطّابي أهداف هذه اللجنة، في البيان الذي أصدره بمناسبة تأسيسها في 6 كانون الثاني، 1947 على النحو الآتي: “جمع ‏شمل كافة القوى والأحزاب الوطنية المناضلة في سبيل استقلال المغرب وتونس والجزائر، وإرساء أسس الوحدة الوطنية ‏المغربية التي تنادي بالإسلام والاستقلال التام وترفض أي مساومة مع المستعمر الأجنبي”.‏

عبد الكريم الخطابي أول من ابتكر فن حـ.ـرب العصـ.ـابات واستخدمه، وليس الثـ.ـائر الشيوعي تشي جيفارا كما يُشاع، فقد زار جيفارا ‏الخطابي في مصر، ليتعلم منه فنون النضال والكفاح. كما ألهم كفاح الخطابي أبناء فيتنام أثناء التصدي للأمريكيين.‏

thumb 264175 1200 1200 0 0 auto
عبد الكريم الخطابي أسد الريف

نشأة عبد الكريم الخطابي
ولد محمد بن عبد الكريم الخطابي في أجدير، سنة (1300هـ= 1882م)، وهو ينتسب إلى قبيلة بني ورياغل، والده عبد الكريم ‏الخطابي كان قاضي القبيلة. عرفت الأسرة الخطابية بالمكانة العلمية والسياسية لرجالاتها الذين شغلوا مناصب القيادة والقضاء في ‏منطقتي الريف الأوسط والغربي. ‏

تلقى الخطابي تعليمه الأولي المتمثل في حفظ القرآن والتعاليم الدينية في أجدير، قبل أن ينتقل للدراسة في مدينة تطوان ثم مدرسة ‏العطارين بفاس، ثم انتقل إلى مدينة مليلية التي نال فيها شهادة الباكالوريا الإسبانية. ‏

انتقل الخطابي بعد ذلك إلى الدراسة في جامعة القرويين بفاس، حيث تتلمذ على يد مجموعة من علماء الدين والسياسة كعبد ‏الصمد بن التهامي ومحمد بن التهامي ومحمد بن جعفر الكتاني. ‏

خلال فترة دراسته في فاس، كلف من طرف والده ببعثة سياسية لدى السلطان عبد العزيز سنة 1908، أبدى فيها دعم بني ‏ورياغل لمحاربة الجيلالي بن ادريس الزرهوني بو حمارة الذي هدد وحدة الكيان المغربي قبيل الفترة الاستعمارية بإيعاز من ‏الأطماع الاستعمارية الفرنسية والإسبانية في المغرب، في ظرفية سياسية صعبة من تاريخ المغرب. ‏

كان ختام مسيرته الجامعية في مدينة شلمنقة الإسبانية، والتي درس فيها القانون الإسباني بجامعتها لمدة ثلاث سنوات.‏

80925979 0af0 4d52 8db0 48d8e5063ad6

الحياة المهنية لعبد الكريم الخطابي
كانت بداية الحياة المهنية لعبد الكريم الخطابي، في مليلية، التي زاول بها مهنة التدريس لفائدة الساكنة المسلمة، بين 1907 ‏و1913. مكنه تكوينه الجامعي وضبطه للغة الإسبانية علاوة على اللغتين المحليتين العربية والأمازيغية، للاشتغال مترجمًا ‏وكاتبًا بالإدارة المركزية للشؤون الأهلية بمليلية، سنة 1910. ‏

كما اشتغل الخطابي بالموازاة مع ذلك صحفيًا بيومية “تيليغراما ديل ريف” الناطقة بالإسبانية (بين 1907 و1915)، حيث ‏خصص له عمود يومي باللغة العربية.‏

على غرار والده، تم تعيينه سنة 1913 قاضيًا، ثم رقي سنة 1914 إلى منصب قاضي القضاة، بظهير شريف وبأمر من المقيم ‏العام الإسباني عن سن 32 سنة. وتبوأ بذلك أرفع درجة في سلك القضاء الخاص بالساكنة المسلمة للمدينة مليلية. وفي نفس ‏السنة، عين أيضا كمعلم بأكاديمية اللغتين العربية والريفية بمدرسة الشؤون الأهلية بمليلية.‏

الحـ.ـرب العالمية الأولى وتأثيرها على بلاد الريف
خلال الحـ.ـرب العالمية الأولى، تقاسمت إسبانيا وفرنسا النفوذ في المغرب، التي كانت تُعاني من ضعف وانقسام وصراع داخلي، ‏واستعانة بالقوى الخارجية، وترتَّب على هذا التقسيم أن صار القسم الشمالي من مَرَّاكُش خاضعًا للسيطرة الإسبانية، وهذا الجزء ‏ينقسم بدوره إلى قسم شرقي يُعرف ببلاد الريف، وغربي يُعرف بالجبالة، وتمتدُّ بلاد الريف بمحاذاة الساحل لمسافة تبلغ 120 ‏ميلًا، وتمتدُّ عرضًا لمسافة 25 ميلًا، وتسكنها قبائل ينتمي معظمها إلى أصل بربري، تأتي في مقدمتها قبيلة بني ورياغل، التي ‏ينتمي إليها الخطابي.‏

انخرط عبد الكريم الخطابي في النظام الحكومي الإسباني، وعُيـِّن كبير قضاة مليلة في عام (1332هـ= 1914م)، وأثناء الحـ.ـرب ‏العالمية الأولى عاقبت السلطات الإسبانية عبد الكريم لأنشطته المناهضة للاستعمار بتهمة التآمر مع القنصل الألماني د. ڤالتر ‏زشلن، وسـُجن في شفشاون من عام 1916م إلى عام 1917م.‏

بنهاية الحـ.ـرب العالمية الأولى، استعاد عبد الكريم الخطابي منصبه لفترة قصيرة، إلَّا أنه خوفًا من تسليمه للفرنسيين لنيل عقابه ‏منهم، سرعان ما عاد إلى بلدته أجدير في يناير (1919م= 1337هـ)، وقد أزعجه ظهور العملاء الإسبان في منطقة بني ‏ورياغل، وصمَّم على القتال للاستقلال.‏

في العام التالي بدأ عبد الكريم مع والده وأخيه حـ.ـربَ التمرُّد ضد الإسبان، وقد أصبح هدفه آنذاك توحيد كل قبائل الريف في ‏جمهورية الريف المستقلَّة.‏

E09CAA4A 98BB 404B 82E0 284635531AD2 1536x1024 1
عبد الكريم الخطابي رفقة شقيقه محمد الخطابي

حـ.ـرب الريف
بعد وفاة والده، ويُقال اغتـ.ـياله بالسم، تولى عبد الكريم الخطابي مقاليد الأمور في منطقة الريف، وكان يبلغ من العمر 39 عامًا، ‏استكمل ما كان أبوه قد عزم عليه من مواصلة الجـ.ـهاد، وإخراج الإسبانيين من البلاد.‏

في تلك الأثناء كان الجنرال سلفستر قائد قطاع مليلة يزحف نحو بلاد الريف؛ لِيُحْكِمَ السيطرة عليها، ونجح في بادئ الأمر في ‏الاستيلاء على بعض المناطق، وحاول الأمير عبد الكريم الخطابي أن يُحَذِّرَ الجنرال سلفستر من مغبَّة الاستمرار في التقدُّم، ‏والدخول في مناطق لا تعترف بالحماية الإسبانية الأجنبية، لكنَّ الجنرال المغرور لم يأبه لكلام الأمير، واستمرَّ في التقدُّم ممنِّيًا ‏نفسه باحتلال بلاد الريف.‏

كانت قوَّات الجنرال الإسباني تتألَّف من أربعة وعشرين ألف جندي؛ مُجَهَّزِين بالأسلحة والمدفعية، ولم تُصادف هذه القوَّات في ‏زحفها في بلاد الريف أيَّ مقاومة، واعتقد الجنرال أن الأمر سهلًا، وأعماه غرورُه عن رجال عبد الكريم الخطابي الذين يعملون ‏على استدراج قوَّاته داخل المناطق الجبلية المرتفعة، واستمرَّت القوات الإسبانية في التقدُّم وتحقيق انتصارات صغيرة؛ حتى ‏احتلت مدينة أنوال في (7 من رمضان 1339هـ= 15 من مايو 1921م).‏

معـ.ـركة أنوال
بعد استدراج القوات الإسبانية للمناطق الجبلية، بدأ رجال عبد الكريم الخطابي هجومهم على كل المواقع التي احتلَّهَا الإسبانيون، ‏وحاصروا هذه المواقع حصارًا شديدًا، وفشل الجنرال في ردِّ الهجوم، أو مساعدة المواقع المحاصَرَة، وأصبحت قوَّاته الرئيسيَّة -‏التي جمعها في «أنوال»- مُهَدَّدة، بعد أن حاصرها وطوَّقها رجال الريف، وحين حاول الانسحاب بقوَّاته اصطدم بقوَّات الخطابي ‏في (16 من ذي القعدة 1339هـ= 22 من يوليو 1921م) في معـ.ـركة حاسمة عُرفت بمعـ.ـركة أنوال، وكانت الهزيمة الساحقة ‏للقوات الإسبانية.‏

مع انتشار خبر انتصار الخطابي ورجاله في معـ.ـركة أنوال، حتى هبَّت قبائل الريف تُطارد الإسبان أينما وُجدوا، ولم يمضِ أسبوعٌ ‏إلَّا وقد انتصر الريف عليهم، وأصبح وجود الإسبان مقتصرًا على مدينة تطوان وبعض الحصون في منطقة الجبالة.‏

اجتماع الاحتلالين الفرنسي والإسباني على عبد الكريم الخطابي
بسط الأمير عبد الكريم الخطابي سلطته على بلاد الريف بعد جلاء الإسبان عنها، واتَّجه إلى تأسيس دولة مُنَظَّمة، دون أن يتنكَّر ‏لسلطان مَرَّاكُش، أو يتطلَّع إلى عرشه؛ بدليل أنه منع أنصاره من الدعاء له في خطبة الجمعة‎.‎‏ وأعلن الخطابي أن أهداف حكومته ‏تتمثَّل في عدم الاعتراف بالحماية الفرنسية على المغرب، وجلاء الإسبان من المناطق التي احتلُّوها، وإقامة علاقة طَيِّبَة مع جميع ‏الدول.‏

فُوجئ الفرنسيون بانتصار الخطابي على الإسبان، وكانوا يتمنَّوْنَ غير ذلك، كما فُجعوا بانسحاب القوات الإسبانية من إقليم الجبالة ‏كله؛ لذا قرَّرُوا التدخُّل في القتال ضدَّ الخطابي ولمصلحة الإسبان، وكانت فرنسا تخشى من أن يكون نجاح الخطابي في ثورته ‏عاملًا مشجِّعًا للثورات في شمال إفريقيا ضدَّها، كما أن قيام جمهورية قويَّة في الريف يدفع المغاربة إلى الثورة على الفرنسيين ‏ورفض الحماية الفرنسية.‏

استعدَّت فرنسا لمحاربة الخطابي بزيادة قوَّاتها الموجودة في مراكش، وبدأت تبحث عن مبرِّر للتدخُّل في منطقة الريف، فحاولوا ‏إثارة الأمير الخطابي أكثر من مرَّة بالتدخُّل في منطقته، وكان الخطابي يلتزم الصمت أمام هذه الاستفزازات؛ حتى لا يُحاربَ في ‏جبهتين، ويكتفي باستنكار العدوان على الأراضي التابعة له.‏

قام الفرنسيون بتشجيع رجال الطرق الصوفية على إثارة بعض القلاقل والاضطرابات في دولة الريف، فلمَّا تصدَّى لهم الأمير ‏الخطابي تدخَّلت فرنسا بحجة حماية أنصارها، واندلع القتال بين الخطابي والفرنسيين في (رمضان 1343هـ= أبريل 1925م)، ‏وفُوجئ الفرنسيون بالتنظيم الجيد الذي عليه قوَّات الأمير الخطابي، وببسالتهم في القتال، فاضطروا إلى التزام موقف الدفاع طيلة ‏أربعة أشهر، وأُصيبت بعض مواقعهم العسكرية بخسائر فادحة.‏

بالإضافة إلى ذلك لجأت فرنسا إلى دعم موقفها في القتال، فأغرت السلطان المغربي بأن يُعلن أن الخطابي أحد العصاة الخارجين ‏على سلطته الشرعية؛ ففعل السلطان ما أُمر به، كما قامت بتحريض بعض قبائل المجاهـ.ـدين على الاستسلام، فنجحت في ذلك.‏

وكان من نتيجة ذلك أن بدأت الخسائرُ تتوالى على الأمير عبد الكريم الخطابي في المعـ.ـارك التي يخوضها، وتمكَّن الإسبان ‏بصعوبة من احتلال مدينة أغادير عاصمة الأمير الخطابي، ثم تمكَّنت القوات الإسبانية والفرنسية من الاستيلاء على حصن ‏ترجست، الذي اتخذه الأمير مقرًّا له بعد سقوط أغادير في (11 من ذي القعدة 1344هـ= 23 من مايو 1926م).‏

واضطر الأمير عبد الكريم الخطابي إلى تسليم نفسه إلى السلطات الفرنسية باعتباره أسيـ.ـر حـ.ـرب؛ وذلك بعد أن شعر بعدم جدوى ‏المقاومة، وأن القبائل قد أُنهكت، ولم تَعُدْ مستعدَّة لمواصلة القتـ.ـال، وقد قامت فرنسا بنفي الأمير المجاهد إلى جزيرة نائية في ‏المحيط الهندي.‏

B7E60C6E 1424 437F 9479 B5FEB35DE8F2 1224x1536 1
“أمير الريف” في المنفى

نفي عبد الكريم الخطابي
نفت القوات الفرنسية عبد الكريم الخطابي وعائلته إلى جزيرة لارينيون وبعد أكثر من عشرين عامًا في المنفى، قرروا نقله إلى ‏فرنسا. وأثناء مرور الباخرة ببورسعيد طلب حق اللجوء السياسي من الملك فاروق، واستجيب فورًا إلى طلبه، وقد ظل مقيمًا ‏بمصر حتى وفاته. لجأ معه لمصر عمه الأمير عبد السلام الخطابي، وشقيقه “الأمير محمد عبد الكريم الخطابي” وزوجاتهم ‏وأولادهم. ‏

قال عنه الأستاذ محمود محمد شاكر: “فهذا البطل الذي نشأنا منذ الصغر ونحن نمجد اسمه، ونسمو بأبصارنا إليه، ونحوطه بقلوبنا ‏وإيماننا، ونجعله المثل الأعلى للعربي الأبي الذي لا يقبل ضيمًا ولا يقيم على هوان، هو نفسه الذي علمنا بفعله لا بلسانه أنه (لا ‏مفاوضة إلا بعد الجلاء والاستقلال)”.‏

وفاة ‏عبد الكريم الخطابي
توفي عبد الكريم الخطابي في الأول من رمضان 1382 للهجرة الموافق 6 فبراير/شباط 1963 بالقاهرة ودفن فيها في مقبرة ‏الشهداء.‏

Advertisements