تواصل حركة السكان في مدينة إسطنبول التراجع منذ فرض حظر التجول على من تقل أعمارهم عن عشرين عاما وعلى الذين تجاوزوا الــ 65 من العمر في عموم تركيا.
وتظهر الإحصاءات الرسمية لعام 2019، أن 34.4% من تعداد السكان يقعون في الشريحتين اللتين يشملهما منع التجول، بواقع 26.9 مليونا من الشباب و7.5 ملايين مسن يمثلون معا مصدر القلق للسلطات التركية في خطواتها لمكافحة فيروس كورونا المستجد.
ويوم الجمعة الماضي أعلنت الحكومة التركية سلسلة إجراءات لمواجهة انتشار العدوى تشمل حظر الدخول إلى 31 ولاية أو مغادرتها، ومنع دخول المتاجر أو الأسواق دون ارتداء كمامات الوجه، إضافة لمنع التجول الجزئي.
وعادت السلطات لإدخال تعديلات على منع التجول فاستثنت منه الفتية الذين تتراوح أعمارهم بين 18 وعشرين عاما من العاملين بانتظام في القطاع الخاص والعاملين في مجال الزراعة الموسمية.
التجول والشباب
ورد وزير الصحة، فخر الدين كوجة، السبب في فرض منع التجول على فئة الشباب إلى أن حركتهم وتنقلهم هي أحد أضعف النقاط في مواجهة الفيروس، خصوصا أن كثيرا منهم لا تظهر عليه أعراض الإصابة وبالتالي ينقل المرض للآخرين بسهولة.
ويبدي مولود صويباش -وهو طالب في السنة الأولى بجامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول- تفهمه لقرار منع التجول، لكنه يشير إلى أنه يضطر إلى خرقه في بعض الأوقات لاعتبارات مهمة وأحيانا بدافع الملل فقط.
ويوضح ،أن ساعات مكوثه خارج البيت انخفضت بشكل كبير، ولم تعد تتعدى الوصول إلى أقرب محل لشراء بعض الحاجيات والعودة مسرعا إلى البيت خشية توقيفه من قبل الشرطة وتوبيخه أو حتى فرض “الجزاء” عليه.
وأضاف “حتى عندما أخرج، لا ألتقي بالكثير من الأصدقاء، الكل يخشى الخروج، ولا يوجد مكان يمكن أن نذهب إليه، فالجامعة والأسواق والمقاهي مغلقة، وهذا يزيد التزامنا بالمنازل”.
وكانت شرطة إسطنبول قد أعلنت أنها فرضت غرامات إدارية على نحو ألفي مخالف للإجراءات المتبعة للتعامل مع فيروس كورونا خلال الأسبوع الماضي بقيمة زادت على مليون و480 ألف ليرة تركية.
وإلى جانب الاعتبارات الطبية التي ذكرها الوزير كوجة، فإن الباحث السياسي المختص بالشأن التركي، سعيد الحاج، يعتقد أن انتساب الشريحة الأكبر من الفتية الممنوعين من التجول إلى فئة الطلاب الذين لا يتوجهون حاليا إلى المؤسسات التعليمية بحكم تعطيلها يمثل عاملا سهّل شملهم بمنع التجول.
كما يرى أن قلة عدد العاملين ضمن هذه الشريحة الصغيرة في السن ساهم أيضا باتخاذ القرار بحصرهم في المنازل دون أن تكون لذلك تبعات سلبية على أسرهم أو مجتمعهم أو على النشاط الاقتصادي والاجتماعي.
وسجلت تركيا أول إصابة بفيروس كورونا في 10 مارس/آذار الماضي، لكن البلاد ما زالت تتّبع نظام عزل صحي طوعي دون أن تفرض السلطات فيها حظر التجول الشامل.
تسارع الإصابات
ومع بداية أبريل/نيسان الجاري، دخلت البلاد رسميا قائمة الدول العشر الأكثر تضررا، وحلت بالمركز العاشر عالميا بمعدل ثلاثة آلاف إصابة و75 وفاة كمتوسط يومي، دون أن تتغير الإستراتيجيات “الناعمة” في تعامل الدولة مع المرض.
ومنذ بدء أزمة انتشار العدوى، اتخذت الحكومة التركية سلسلة إجراءات بدأت من تقليص عدد ساعات العمل في المتاجر والمؤسسات، ووقف صلاة الجماعة في المساجد بما فيها صلاة الجمعة، مع الدعوة للحفاظ على مسافات التباعد الاجتماعي واستخدام الكمامات وأدوات التعقيم.
وتمددت الإجراءات إلى حد إغلاق مواقع الاكتظاظ الأكثر قابلية لنقل العدوى كصالونات الحلاقة والتجميل، والأسواق الشعبية، ومنع التجمعات أو تناول الطعام في المطاعم التي قصرت أنشطتها على خدمة التوصيل.
ثم خفضت السلطات أنشطة وسائل النقل والمواصلات إلى حدها الأدنى، وأغلقت مطار صبيحة الدولي بمدينة إسطنبول وأوقفت الرحلات الجوية الداخلية بالكامل ونقلت تعليم المدارس والجامعات إلى النظم الإلكترونية.
وليلة أمس الثلاثاء، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، سلسلة إجراءات جديدة شملت وقف بيع الكمامات وتخصيص خمس كمامات مجانية أسبوعيا لكل مقيم في تركيا، كما أعلن عن تقدم الأشغال لافتتاح مستشفيين جديدين في إسطنبول بسعة ألف سرير لكل منهما، على أن يدخلا الخدمة خلال 45 يوما.
ووفقا للحاج فإن تركيا استفادت من الإجراءات المبكرة التي اتخذتها بناء على توصيات اللجنة العلمية التابعة لوزارة الصحة منذ ظهور الفيروس، حيث أوقفت الرحلات الجوية مع مدينة ووهان ثم أوقفت كافة الرحلات من الصين، وأغلقت الحدود البرية مع إيران فور انتشار الفيروس فيها، ثم بدأت الإجراءات والقرارات المتعلقة بالداخل التركي بالتدرج.
وقال الحاج إن المشهد في تركيا ما زال “غير كارثي”، وإن الحالات تسير وفق المتوقع، ولا تُظهر أي خروج عن السيطرة، موضحا أن تزايد أعداد المرضى أخيرا له علاقة بعدد السكان الكبير أولا ثم بأعداد الفحوصات المتزايدة يوميا.
وأشار إلى أن نسبة الوفيات والمرضى الذين يحتاجون إلى العناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي، وهي الشريحة الأهم، ما زالت مستقرة وهي بحدود 2% من عدد المصابين.
تبعات اقتصادية
ويعتقد الحاج أن التبعات الاقتصادية تمنع الحكومات في كثير من الأحيان من اتخاذ إجراءات كبرى، ولا سيما أن انتشار وباء كورونا أثر من الأساس على الاقتصاد التركي على صعيد التجارة الخارجية والاستهلاك المحلي والاستثمارات وقطاع السياحة وغيرها.
كما رأى أن خطة “درع الاستقرار الاقتصادي” التي أقرتها الحكومة بحدود مئة مليار ليرة تركية تستنزف المقدرات الاقتصادية للدولة، وبالتالي فإن فرض حظر تجول شامل يعني وقف الصناعة والاستهلاك الداخلي وتجميد الاقتصاد تماما.
ويقول إن الحكومة التركية ما زالت تشعر بقدرتها على التعامل مع المرض دون الحاجة لفرض منع التجول، فضلا عن الحساسية الخاصة في تركيا تجاه نشر الجيش بالشوارع في حال الحاجة إليه لفرض المنع.
لكن الحاج يؤكد أن كل ذلك لا يمنع تطور الإجراءات التي قد لا تصل قريبا إلى فرض حظر التجول الشامل، وإن كان الحجر الصحي مرشحا لمزيد من التشديد الذي قد يصل لحظر التجول في وقت ما.
ويمنح الدستور التركي في مادته رقم 13 الحكومة الحق بتقييد الحريات بالقانون، ومن ضمن ذلك فرض الحجر الصحي وإجراءات منع السفر للتعامل مع الطوارئ.
لكن بعض المختصين -ومن بينهم اختصاصية الميكروبات وعلوم الأحياء الدقيقة في مختبرات “ميفي هياة”، توركاي يبسون- يعتقدون أن التباين والاختلاف بين معدلات الإصابة وتفشي الوباء في ولايات تركيا يجعل فرض منع التجول الشامل أمرا غير ضروري.
المصدر: الجزيرة نت