لقد تسببت الهجـ. ـمات التي يشنها نظام الأسد بدعم روسي على إدلب منذ وقت، إلى نـ. ـزو ح قرابة مليون إنسان تاركين بيوتهـ. ـم وبلداتهـ. ـم، قاصدين تركيا كما هو متوقع، وتراهم الآن عالقين قرب الحدود. وخلال ذلك لا يعلو شيء على صرخات هذه المأ سـ. ـاة الإنسانية هناك.
الجميع يتساءل كيف يتخذ النـ. ـظا م السوري روسيا كأدة للقـ. ـتل، وكيف تتم الانتـ. ـها كات على الرغم من وجود تفاهمات سوتشي. وزارة الدفاع الروسية قامت خلال الآونة الأخيرة بتصريحات حول الوضع في إدلب، اتهـ. ـمت خلالها تركيا. حسب تلك التصريحات؛ “السبب الرئيسي للمشكلة التي تحدث، هو أن تركيا لم تقم بفصل المعـ. ـا رضة المعتدلة عن الإرهـ. ـا بيين”.
يا لها من تصريحات غير مسؤولة لا تملتك أي نصـ. ـيب من الإنسانية. لقد سألناهم على الفور: أي الشيئين أسهل من حيث الفصل بينهما؛ الفصل بين الأطفـ. ـال الرضع وبين الإرهـ. ـا بيين، أم الفصل بين المعـ. ـا رضة المسحلة المعتدلة وبين الإرهـ. ـا بيين؟ هل التفريق بين المرضى والجـ. ـر حى الذين في المستشفيات وبين الإرهـ. ـا بيين المسـ. ـلحين أسهل، أم التفريق بين اثنين مسـ. ـلحين معارضين للنظام، لكن أحدهما متحصن للغاية ويسيّر أفعاله بشكل خفي، أيهما أسهل؟.
هل نحن أمام مليون نازح نحو حدودنا لأن روسيا تقوم بالتفريق بشكل جيد للغاية بين المسـ. ـلحين المعـ. ـا رضين والمسـ. ـلحين الإرهـ. ـا بيين؟.
إن مشهد النـ. ـزو ح واللجوء الموجود الآن، لا يشير بأي حال إلى مكـ. ـا فحة إرهـ. ـا ب تقوم بها روسيا كما تزعم، بل هو عماوة في عدم التفريق بين “الإرهـ. ـا بيين” وبين الأطفـ. ـال والرضع. بل ربما الاحتمال الأسوء من مجرّد العماوة، هو أنها تفعل ذلك عمدًا، أي القيام بتهجير شعب بأكمله وارتكاب المجازر بحقه بشكل ممنهج. وإن لم يكن كذلك، فكيف بإمكانها تلك البراميل أن تعثر على “الإرهـ. ـا بيين” بين الأطفـ. ـال والمـ. ـد نيين، في المشافي والأفران؟.
حتى ولو افترضنا أن تركيا وجدت صعوبة في التفريق بين المعـ. ـا رضة المسـ. ـلحة والإرهـ. ـا بيين، ففي النتيجة يمكن أن يكون هناك بعض الإرهـ. ـا بيين يعتقدون أنهم كسبوا مزيدًا من الوقت. لكن أن يصل الحال لشنّ حملة بهذا الحجم تحت ذريعة استهداف الإرهـ. ـا بيين، كي تفتح الطريق أمام مأ سـ. ـاة إنسانية من هذا النوع؛ فأي منطق وحسابات وضمير تتحدثون عنه إذن؟.
إن أخلاقية وشرعية ما يسمى مكـ. ـا فحة الإرهـ. ـا ب، هو استهداف الإرهـ. ـا بيين الذين هم يقومون باستهداف المـ. ـد نيين والعزّل والذين لا طاقة لهم ولا حيلة. أما أن تخرجوا فجأة كي تقولوا نريد مكـ. ـا فحة الإرهـ. ـا ب، لتقـ. ـتلوا المـ. ـد نيين والأطفـ. ـال والرضع، وتهجّرون من بقي حيًّا في منتصف هذا الشتاء القارص، فإنكم لا تختلفون شيئًا عن الإرهـ. ـا بيين، إلا أنكم أداة إرهـ. ـا بية أكبر وأضخم وأكثر وحشية ودموية وغير أخلاقية.
إن البعد الأهم لاتفاقيات سوتشي وأستانة، هو أن تقر روسيا وإيران اللتان تدعمان النـ. ـظا م السوري، بحقوق المعـ. ـا رضة في أن يكونوا معارضين، بعد أن قام النـ. ـظا م باستخدام كافة الوسائل لقمعهم، فحوّل سوريا لساحة دماء، ومكان غير صالح للعيش بالنسبة للشعب السوري، وارتكب المجازر تلو المجازر بحقهم. بمعنى آخر، إن النـ. ـظا م الموجود في سوريا يمثل مشكلة ويفتقد الشرعية بنظر شعبه، وهذه المشكلة أدت بشكل لا مفر منه إلى نشوء معارضة شرعية مسـ. ـلحة تريد الدفاع عن نفسها، ولقد تم قبول ذلك لأول مرة في أستانا ومن ثمّ في سوتشي، وتم الاتفاق على حل هذه المشكلة بين النـ. ـظا م والمعـ. ـا رضة عبر حل سياسي.
لا شك أن النقاش سيدور حول كيفية حصول ذلك. لكن المهم الآن أن نظام الأسد لا تتوقف حربه على المعـ. ـا رضة المسـ. ـلحة فحسب، بل إنه يستهدف جميع المـ. ـد نيين هناك، ولقد تسبب ذلك بحدوث موجات من الهجرة الجماعية. منذ بدء الحرب، هناك من وجد طريقًا له نحو خارج البلد فهاجر، ولكن هناك من لم يجد هذا الطريق وبقي عالقًا في سوريا، ولا يوجد لهم الآن ملجأ سوى إدلب. إن محافظة إدلب الآن من حيث كونها الملجأ الوحيد للمعارضين في سوريا، فإن وضعها وموقعها وخاصيتها واضحة أمام الجميع. إن إدلب هي نتيجة ممارسات النـ. ـظا م السوري الإجرامية وغير الإنسانية.
إن اتفاقية أستانا وسوتشي كانتا تلزمان نظام الأسد وروسيا، بعدم اتخاذ خطوات تفتح الطريق للقضاء على جميع المعـ. ـا رضين عبر القـ. ـتل والمجازر، من أجل التحكم بمستقبل سوريا. إن من المعلوم حجم فاتورة ما تتم ممارسته حتى الآن: قـ. ـتل مليون إنسان على الأقل، ومثل هذا العدد مغيبون، أو مصابون، مدن مهجرة ومدمرة، 12 مليون سوري مهجّر في الداخل والخارج.
إن النـ. ـظا م السوري لا يحارب ضد قوة خارجية، بل إنه يحارب شعبه بدون رحمة وبشكل لا إنساني، ويستمد الدعم من روسيا وإيران لقـ. ـتل هذا الشعب.
إن الحسابات التي تمشي عليها روسيا وإيران، خلال دعمهما لنظام مجرم يبيد شعبه، ليست مفهومة.
إن الاتفاق الذي نتج عن أستانة وسوتشي قد اعترف بالفعل بإدلب على أنها جزء من الحل السياسي ومن خلال مفاوضات، وإن جزءًا من المعـ. ـا رضة على الأقل تدخل في هذا الحل السياسي، إلا أن ما يجري الآن هو القضاء على جميع المعـ. ـا رضين تحت ذريعة وجود إرهـ. ـا بيين، ومن ثمّ تدمير أي أرضية تضمن الوصول لحل سياسي أو تفاهم.
لا يمكن بأي قبول ما يسعى له النـ. ـظا م السوري وبتوجيه مباشر من روسيا. لأن حماية نظام مجرم من أجل القضاء على غالبية شعبه بطريقة غير إنسانية ليس لها نظير، لها فاتورتها المالية التي ستُلقى بشكل خاص على عاتق تركيا.
إن ما يقوم به نظام الأسد للتخلص من معارضيه عبر دحرهم نحو تركيا، يمثل بالدرجة الأولى مشكلة أمنية بالنسبة لتركيا. حيث ما يحدث في سوريا قد خرج عن كونه مسألة داخلية منذ وقت طويل للغاية.
إن على روسيا التي تصر على حماية نظام مجرم، إن لم يردعها عن ذلك مبادئ الإنساينة والضمير، فإن عليها أن ترى بعين الاعتبار إذن أن ذلك يمثل مشكلة أمنية بالنسبة لتركيا، وبالتالي عليها أن تتراجع عن ذلك.
استمرار نظام الأسد مع روسيا بقـ. ـتل الشعب السوري، قد وصل إلى مرحلة لا مفرّ منها تمثل الهـ. ـجوم على تركيا بشكل مباشر. وهذه هي حقيقة ما يحدث، وفي المقابل إن تركيا التي تتأثر بذلك وتدفع فاتورته، ستفعل ما يلزم من أجل الدفاع عن نفسها.