يؤكد عبد الرزاق (عامل سوري في تركيا) أنه يخشى أن ينقطع ولو ليوم واحد عن عمله، ليس لأنه “مرتاح” بالعمل وإنما خوفاً من فقدان مصدر رزقه، الذي يعيل به أسرته اللاجئة في تركيا.
ويعيش في تركيا نحو 3.5 مليون لاجئ سوري بينهم نحو 400 ألفاً في ولاية غازي عنتاب، إذ يسهم السوريون بـ 50% من المؤسسات الصناعية بالولاية، وفق تصريحات لرئيسة بلدية غازي عنتاب، فاطمة شاهين.
يعمل “عبد الرزاق” 12 ساعة باليوم مقابل 1200 ليرة تركية (نحو 200 دولار)، إذ يستيقظ كل يوم قبل طلوع الفجر (6 صباحاً) ليحضر “زوادة طعامه” ويلحق بعمله في إحدى المعامل بالمنطقة الصناعية في غازي عنتاب، ولا يعود لمنزله إلا بعد الساعة السابعة ليلاً.
يقول عبد الرزاق لـ روزنة، إن “إيجاد عمل في تركيا أمرٌ صعب بغض النظر عن ظروفه وساعاته وهذا طبعاً بدون حساب أي اعتبار لاختصاص الدراسة أو المهارات الشخصية السابقة”.
“تتلخص حياتي هنا في البحث عن مصدر رزق لعائلتي التي تركت سوريا فراراً من القصف”، هكذا يصف عبد الرزاق معيشته في تركيا.
حال عبد الرزاق يتطابق مع حال أغلبية العمال السوريين في تركيا، الذين لم يجدوا سبيلاً لكسب عيشهم سوى الالتحاق بأحد المعامل أو الورشات، بأجر زهيد غالباً أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور في تركيا، وبساعات عمل كثيرة (نحو ضعف ساعات العمل المنصوص عليها بالقوانين التركية).
لم ترفع أجور معظم العمال السوريين رغم انخفاض قيمة الليرة وارتفاع الأسعار
محمد حسو (قانوني ومتابع لقضايا العمال السوريين في تركيا)، قال لـ روزنة إن من الصعب جداً أن يجد العامل السوري العادي، أي الذي لا يملك مهارة عالية باختصاصه، فرصة عملٍ بدوام أقل من 12 ساعة يومياً، كما أن الراتب الشهري بالتأكيد لا يرقى للحد الأدنى للأجور في تركيا (1600 ليرة، نحو 250 دولار).
وأضاف حسو أن “ظروف العامل السوري في المعامل العائدة لسوريين سيئة بشكل أكبر من العاملين لدى أرباب عمل أتراك”، موضحاً أن المعامل التركية تضم عمَّالاً أتراك إلى جانب السوريين وبالتالي يكون وضع السوريين أفضل، مع بقاء تميُّز بالمكاسب لصالح العامل التركي لأنه يعمل بشكل قانوني.
ولفت إلى أن معظم المعامل العائدة لسوريين في غازي عنتاب خاصة، لم ترفع أجور العمال خلال الأشهر الأخيرة، على الرغم من رفع أسعار المنتجات بالتزامن مع خسارة الليرة التركية نحو 40% من قيمتها.
العمل في الورش والمحلات ليس أفضل حالاً من المعامل
سميح (شاب سوري يعمل في محل بقالة في غازي عنتاب)، يشتكي من انخفاض “جمعيته”، أي ما يتقاضاه من أجر أسبوعي، رغم عمله لأكثر من 12 ساعة يومياً طيلة الشهر، إلى يومي عطلة فقط.
ويوضح لـ روزنة، أن “جمعيته 300 ليرة تركية فقط أي 1200 شهرياً علماً أنه يقوم بدور المحاسب والبائع وكذلك العتال في محل البقالة”، وليس لدى سميح خيار ترك العمل لأنه الوحيد ضمن أسرته الذي وجد عملاً، كما يقول.
وتكرر في الآونة الأخيرة نشر شكاوى لعمال سوريين، على مواقع التواصل الاجتماعي، اتهموا أرباب عملهم السوريين أيضاً بطردهم من العمل دون سبب مبرر أو عدم إعطائهم أجورهم كاملة.
وحاولت روزنة الاتصال بأصحاب معامل أو ورشات سوريين في غازي عنتاب، للحديث عن وضع العمال السوريين لديهم، ولكن فضَّل من اتصلنا بهم عدم الإدلاء بتصريح.
قانون العمل التركي ينصف العامل… ولكن وضع السوري استثنائي!
المحاسب القانوني، صالح صالح، قال لروزنة، إن الحل الوحيد لضمان حقوق العمال السوريين في تركيا هو حصولهم على (إذن عمل) أي أنهم بالتالي يحصلون على حقوقهم كاملة.
وأضاف أنه “صاحب العمل في تركيا يُفضِّل تشغيل عامل سوري بدون إذن عمل، وبالتالي يتهرب من دفع رسوم التأمين الصحي للعامل، ناهيك عن عدم التزامه بالحد الأدنى للأجور وفق قانون العمل التركي”.
ولفت إلى أن “نسبة ضئيلة من العمال السوريين في تركيا يشتغلون بشكل قانوني”، مشيراً إلى أن “عدم دراية الكثير من السوريين بحقوق العاملين وفق قانون العمل التركي أو نقص أوراقهم الرسمية تجبرهم على العمل دون إذن عمل”.
ووصف صالح وضع السوريين في تركيا بـ “الاستثنائي”، وأضاف أن “العامل السوري حين يجد فرصة عمل لا يفكر بحقوقه ولا يأخذ ذلك بعين الاعتبار لأن هدفه الأساس هو الحصول على عمل أي كان”.
وذكر تقرير أعدته صحيفة (حرييت) التركية العام الماضي، أن 99.6% من الرجال السوريين العاملين في أراضي تركيا و100% من السوريات العاملات، غير مسجلين بشكل رسمي.
وتدفع الأجور المتدنية التي يتقاضاها العمال السوريون في تركيا، أغلبية الأسر السورية، إلى تشغيل أكبر عدد من أبنائها الذكور والإناث والأطفال أحياناً، كي تستطيع تأمين المعيشة.
يذكر أن عدد اللاجئين السوريين في تركيا يتجاوز الـ 3.5 مليوناً، أقام عدد منهم مشاريع عمل خاصة (معامل، محلات، ورشات، مطاعم)، في وقت قدّر اتحاد غرف التجارة التركية عدد الشركات السورية المرخصة في تركيا بأكثر من 7 آلاف شركة حتى تموز 2018.
المصدر: راديو روزنة