إنه القوة الدافعة وراء قصة النجاح المدوية هذه، إنه الرجل الذي أسس مايكروسوفت ، شريك بيل غيتس الأول، الذي غادر هذه الشركة قبل أن تصبح عملاق برمجيات في العالم. إذا كانت مايكروسوفت هي إحدى الشركات التي غيرت وجه العالم، فإذن بول ألين هو أحد الرجال الذي غيروا العالم، والآن هاهو يرحل بهدوء بعد حياة درامية مليئة بالمفارقات. ففي يوم الإثنين 15 أكتوبر/تشرين الأول 2018، توفي بول ألين الرجل الذي أسس مايكروسوفت مع بيل غيتس، عن عمر 65 عاماً حسبما قالت عائلته.
فألين هو الشريك المؤسس لشركة مايكروسوفت والرجل الذي أقنع زميله في الدراسة بيل غيتس بترك جامعة هارفارد لبدء ما سيصبح لاحقاً أكبر شركة برمجيات في العالم، وفقاً لتقرير لصحيفة The Daily Mail البريطانية. ألين عاش بعيداً عن الشهرة والنجاح المدويين اللذين حققتهما مايكروسوفت بعد أن تركها في عام 1983، قبل أن تصبح شركة ضخمة، وذلك بعد خلافٍ مع غيتس. لكن حصة ألين من شراكتهم الأصلية سمحت له أن يقضي بقية حياته وينفق مليارات الدولارات على اليخوت، والفن، وموسيقى الروك، والفرق الرياضية، وأبحاث الدماغ، والعقارات. في حين أصبح بيل غيتس الرجل السابع في قائمة فوربس في أقوى الشخصيات في العالم، والمشهور بأنه الرجل الذي أسس مايكروسوفت .
المرض اللعين يهاجمه مجدداً ولكنه ينتصر هذه المرة
توفي ألين بسبب إصابته بمرض اللمفومة اللاهودجكينية، (وهو أحد أنواع السرطان)، حسبما قالت عائلته في بيان. ولم تكن هذه أول مرة يصاب فيها الرجل الذي أسس مايكروسوفت بالسرطان. كان ألين قد أصيب من قبل بمرض لمفومة هودجكين، وهو نوع آخر من مرض السرطان، في بدايات الثمانينيات وذلك قبل أن يغادر مايكروسوفت، ولكنه شفي منه. وفي بدايات أكتوبر/تشرين الأول، كشف ألين أنّه يخضع لعلاج من مرض اللمفومة اللاهودجكينية، التي سبق أن خضع للعلاج منها أيضاً في عام 2009.
وبدأ الأمر عندما كان يعبث مع بيل غيتس ثم دفعه ليترك هارفارد
ولد بول غاردنر ألين في مدينة سياتل بشمال غرب الولايات المتحدة، في يناير/كانون الثاني عام 1953، لأبٍ كان يعمل أمين مكتبة وأمٍ كانت تعمل مُعَلِّمَة. كان ألين أكبر من غيتس بعامين عندما التقيا في غرفة الحاسوب بمدرسة Lakeside School الخاصة في سياتل عام 1968، واكتشف كلاهما شغفاً مشتركاً بينهما.
يتذكر غيتس في كتابه المنشور عام 1995 The Road Ahead: «في هذه الأيام، كنا نعبث، أو هكذا اعتقدنا». التحق ألين بجامعة واشنطن، لكنه تركها عام 1974 ليحصل على وظيفة مع شركة Honeywell في بوسطن. وأثناء وجوده في هذه الوظيفة، ألح ألين على غيتس، الذي كان يدرس في جامعة هارفارد القريبة منه، ليترك دراسته وينضم إلى الثورة الوليدة في الحوسبة الشخصية.
وأخيراً وافق غيتس على طلبه ليصبح الرجل الذي أسس مايكروسوفت
وافق غيتس أخيراً، وفي عام 1975 تشارك كلاهما في تطوير نظام BASIC لحاسوب Altair 8800، وهو حاسوب مكتبي ضخم كانت تكلفته بالكامل 400 دولار. انتقل كلاهما إلى مدينة ألباكركي في ولاية نيومكسيكو، بالقرب من مُصنعي الحاسوب Altair، وأسَّسا شركةً لهما. وأصبح ألين شريك بيل غيتس الأول في مشروعه الواعد. ليستحق كل منهما على السواء لقب الرجل الذي أسس مايكروسوفت.
شريك بيل غيتس الذي صنع أشهر البرمجيات واختار اسم الشركة
كانت فكرة ألين أن يطلق على الشركة اسم Micro-Soft (مايكرو – سوفت)، لتجمع بين الجزء الأول لكلمة Microcomputer (التي تعني حواسيب صغيرة)، والجزء الأول من كلمة Software (التي تعني برمجيات). ثم أُلغيت الفاصلة بين مقطعي الكلمة فيما بعد، لتصير Microsoft.
كان ألين مسؤولاً عن العمليات التقنية لمايكروسوفت في السنوات الثماني الأولى، مما جعله واحداً من أوائل الأشخاص القليلين الذين استحدثوا أولى البرمجيات، مثل MS-Dos و Word، وهي التي ساعدت في انطلاق الثورة الحاسوبية، ودفعت مايكروسوفت لمرتبة الصدارة.
غير أنه توقف فجأة عن التطوير، فقد كان يفتقد للصفة التي ميزت بيل غيتس
لكنه توقف عن أن يكون ضمن طليعة مطوري البرمجيات بحلول الثمانينيات. لم تبرز مطلقاً لدى ألين الغريزة التجارية التي يتمتع بها غيتس، حسب ما ورد في تقرير الصحيفة البريطانية. هذه الغريزة التي تميز بها الأخير يعود إليها الفضل في تمكين صعود مايكروسوفت وانتشارها في كل مكان في العقد الأخير من الألفية الماضية.
وعندما سمع صدفةً بالمؤامرة التي يحيكها بيل غيتس قرر الانسحاب
غادر ألين مايكروسوفت في عام 1983 بعد خلاف مع شريكه بيل غيتس ورفيقه الجديد، ستيف بالمر، وذلك في ديسمبر/كانون الأول 1982، بعد أشهر قليلة من تشخيص إصابته بمرض لمفومة هودجكين.
ومثلما قال ألين في مذكراته التي نشرها عام 2011 في كتاب بعنوان Idea Man، إنه سمع صدفة أن غيتس وبالمر يدبران لتقليل حصته في ملكية الشركة. وذكر ألين في كتابه: «كانا يشكوان من قلة إنتاجي مؤخراً، ويناقشان كيف أنهما قد يقللان من حصتي في مايكروسوفت من خلال إصدار عقود لنفسيهما ولمساهمين آخرين تعطيهم امتيازات إضافية في الشركة». اعتذر غيتس وبالمر لاحقاً، لكن الأذى كان قد وقع بالفعل وغادر ألين مايكروسوفت، بالرغم من أنه ظل ضمن مجلس الإدارة حتى عام 2000.
ولكنه حافظ على حصته بالشركة والتي جعلته من أثرياء العالم
تعافى ألين من السرطان بعد خضوعه لعلاج إشعاعي، ولكن في عام 2009 شُخّصت إصابته بمرض لمفومة لاهودجكينية، وهو شكل آخر من سرطان الدم. دخل ألين في فترة نقاهة خلال أبريل/نيسان 2010، لكن المرض ظهر مرة أخرى في 2018. وحافظ ألين على حصته من الشركة، إذ إن حصته البالغة 28% من الطرح الأوليّ من الاكتتاب العام لشركة مايكروسوفت عام 1986، جعلته على الفور من أصحاب الملايين.
وصلت ثروته إلى أعلى قيمة لها في أواخر عام 1999 لتبلغ حوالي 30 مليار دولار، وفقاً لمجلة Forbes، لكن ألين تأثَّر سلباً بالتراجع الكبير الذي أصاب أسهم مايكروسوفت بعد فقاعة dot.com عام 2000، إضافة إلى بعض الاستثمارات التكنولوجية غير الناجحة. في أكتوبر/تشرين الأول 2018، قدرت مجلة Forbes ثروته بـ21.7 مليار دولار، وقال إنه كان في المركز 44 ضمن قائمة أغنى الأشخاص في العالم.
لديه 42 براءة اختراع، وهكذا تنبأ بالإنترنت مبكراً
يُفضِّل ألين، الحاصل على 42 براءة اختراع أميركي، أن يصف نفسه بأنه شخصٌ ذو بصيرة تكنولوجية قاد النجاح الأول لمايكروسوفت ورأى مستقبل حوسبةٍ متصلةٍ ببعضها قبل وقتٍ طويلٍ من اكتشاف الإنترنت. كتب ألين في عمود نُشر له في مجلة Personal Computing عام 1977، أي قبل أن تصبح الحواسيب المحمولة شيئاً حقيقياً: «أتوقع أن يصير الحاسوب الشخصي نوعاً من الأشياء التي يحملها الناس معهم، وصاحباً يكتب الملحوظات، ويجري العمليات الحسابية، ويقدم تنبيهات تذكيرية، ويعالج آلاف المهمات الشخصية».
في نفس العام، صاغ تصوراً مبكراً لمجلة Microcomputer Interface حول شيء سيتضح بعد ذلك أنه الإنترنت. قال ألين: «ما أراه هو طرفاً منزلياً متصلاً بشبكة مركزية من خلال خطوط الهاتف، أو الألياف البصرية، أو بعض أنظمة الاتصالات الأخرى». وأضاف: «مع ذلك النظام، ربما يمكنك أن تعرض سيارتك للبيع أو تبحث عن منزل في مدينة أخرى أو تتحرّى عن سعر نبات الهليون في أقرب متجر لك أو تتحرى عن سعر سهم ما».
أطلق ألين لاحقاً على هذا الفكرة اسم «عالم متصل بأسلاك»، التي آتت بثمارها على نطاقٍ واسعٍ لاحقاً. لم يكن هو الوحيد الذي تنبأ بنظام حوسبة متصل، لكنه كان واحداً من أبرز مَن قاموا بذلك.
ولكن الرجل الذي أسس مايكروسوفت لم يحقق نفس النجاح خارجها
مشروعات ألين الأخرى بعد مايكروسوفت، التي ركّزت على مجالات اعتَقد أنها ستنمو مع قدوم عالمه المتصل بالأسلاك، لم يُكتب لها النجاح. فقد خسر 8 مليارات دولار في صناعة التلفزيونيات السلكية، وتحديداً من خلال رهان سيئ على شركة Charter Communications. وفي الوقت ذاته شكلت مشروعاته التكنولوجية التي موّلها، مثل Metricom، و SkyPix، و Interval Research، إخفاقات مُكَلِّفَة.
غير أنه حظه كان أفضل في الرياضة والعقارات
اشترى ألين فريق كرة السلة بورتلاند ترايل بلايزرز عام 1988. وصار بطلاً محلياً في 1997 في ولاية واشنطن، عندما اشترى فريق كرة القدم سياتل سيهوكس، بعد أن حاول مالكه السابق نقله إلى كاليفورنيا.
ألين منع نقل فريق سياتل سيهوكس لكرة القدم من ولاية واشنطن إلى كاليفورنيا/مواقع التواصل الاجتماعي
وفاز سياتل سيهوكس ببطولة الدوري الأميركي لكرة القدم عام 2014، وصارت القيمة التقديرية للفريقين أضعاف ما دفعه ألين فيهما. جمع ألين أيضاً ملايين الدولارات من إعادة تطوير ساوث ليك يونيون، وهي منطقة رديئة وسط مدينة سياتل صارت قِبْلَةً تكنولوجيةً لامعةً وموقعاً يضم مقر شركة Amazon المشهور بالكرات الزجاجية.
وكان يعشق وسائل الترفيه واشتهر بحفلاته الباذخة
وطيلة هذا الوقت، كان ألين، الذي لم يتزوج، يسعى وراء عددٍ من المشروعات الشخصية ووسائل الترفيه. فقد امتلك أكبر يخوت العالم، مثل يخت Octopus الذي تبلغ مساحته 400 قدم مربعة، والذي استضاف كثيراً من الحفلات الباذخة وكان مقراً لرحلات الغوص.
اليخت المملوك لبول ألين المسمى Megayatch Octopus أمام سواحل جنوب فرنسا/ISTOCK
ونظراً إلى أنه كان من عشاق موسيقى روك آند رول، امتلك ألين فرقة موسيقية كان يعزف معها عندما يريد ذلك. وأنفق أكثر من 250 مليون دولار لبناء متحفٍ مكرّسٍ لبطله جيمي هندريكس، الذي تحول إلى معرض للموسيقى والخيال العلمي من تصميم فرانك جيري.
وكان أول من أطلق صاروخاً غير حكومي
كان الرجل الذي أسس مايكروسوفت عاشقاً للطيران والفضاء، حسب ماورد في تقرير الصحيفة البريطانية. فقد أنفق بول ألين ملايين أخرى على مجموعة من الطائرات الحربية القديمة.
بول ألين كان من عشاق الطائرات القديمة/مواقع التواصل الاجتماعي
كما موَّل بفضل ثروته أول صاروخ غير حكومي ليسافر إلى الفضاء. جمع ألين كذلك مجموعة لا تقدر بثمن من التحف والأعمال الفنية لمونيه، ورودان، وروثكو ليضيفها إلى مجموعته الكبيرة.
وكرّس أموالاً طائلة للأعمال الخيرية
كان ألين، مثل غيتس، يكرّس جزءاً كبيراً من ثروته للأعمال الخيرية، فأنفق أكثر من مليار ونصف المليار دولار على الأعمال الخيرية خلال حياته. كما تعهد مؤسس مايكروسوفت الراحل بإنفاق أكثر من نصف ثروته على الأعمال الخيرية. ركَّز ألين مِنَحَهُ، من خلال طرق عديدة، على علوم الدماغ، وكان ما حفَّزه على ذلك إصابة أمه بمرض الزهايمر. إضافة إلى ذلك كرّس بول ألين مِنَحِاً من أجل الجامعات والمكتبات.
كان يفضل تجنب الأضواء لكنه لعب دوراً كبيراً في منطقته
تضم قائمة أصدقاء ألين، المُحِب للموسيقى، عدداً من الشخصيات البارزة في عالم الترفيه، بمن فيهم بونو، مغنى فريق U2. لكنه فضّل تجنب الأضواء في المجمع السكني الخاص به على بحيرة واشنطن في ميرسير آيلاند بسياتل بولاية واشنطن (ليس العاصمة الأميركية) ، وهي المنطقة التي نشأ فيها.
حافظ ألين على ولائه للإقليم الشمال الغربي الهادئ بالولايات المتحدة، ووجَّه بإنفاق أكثر من مليار دولار على المشروعات الخيرية المحلية، وتطوير المركز التقني الكائن في حي ساوث ليك يونيون بمدينة سياتل، وهو المكان الذي يضم مقر شركة Amazon. وفي هذا المكان شيَّد ألين مقرات معهده الخاص لدراسات الدماغ Allen Institute for Brain Science.
ولكنه لم يحظ بالتقدير الذي يستحقه
«إنه لا يحظى بالتقدير المستحق في سياتل»، هكذا قال ديفيد بروستر، مؤسس الموقع الإخباري المحلي Crosscut.com وصحيفة Seattle Weekly. وأضاف: «إنه بعيدٌ ومنعزلٌ. ثمة تشابه كبير مع هاوارد هيوز (مصنع الطائرات والمنتج الهولويوودي الشهير) في الطريقة التي يتصرف بها، وهو ما يجعل سياتل تُقدِّر حقاً الأشياء الكثيرة الجيدة التي يفعلها». وقال ساتيا نادالا، الرئيس التنفيذي الحالي لشركة مايكروسوفت، أمس الاثنين إنه رجلٌ «هادئ ومثابرٌ» غيّر وجه العالم.