بالنسبة لأي ناد يسعى للوصول إلى قمة الترتيب في أي دوري، فإن الصبر والمثابرة هما من السمات المهمة التي يجب أن يملكها، ستكون ثمة عثرات بالطبع وخسائر مفجعة وتنازلات هنا وهنالك، ولكن الشيء المؤكد أن نهاية الطريق ستكون أكثر إشراقاً ونجاحاً. وإذا بحثنا في أوروبا عن أي ناد يجسد المعطيات أعلاه،
وجدنا أن نادي أتلتيكو مدريد الإسباني يحمل هذه الصفات بلا شك، بدأوا المسيرة في بداية القرن الــ21 وهم يقبعون في الدرجة الثانية، فقدوا نجومهم عاماً بعد عام، وأحرزوا عدة ألقاب في البطولة الأوروبية الصغرى، وخسروا نهائياً أوروبياً بطريقة دراماتيكية، ولكن مع ذلك أصبح أتلتيكو مدريد قوة ثابتة في الدوري الإسباني يحسب لها حساب. موسم 2018-2019 سيكون موسم أتلتيكو مدريد الثامن تحت قيادة الأرجنتيني ديغو سيميوني وفي المواسم السبعة السابقة حقق النادي نجاحاً غير مسبوق، مع فوز سيميوني بعدة ألقاب أوروبية فقد حقق أتلتيكو أبرز الإنجازات في الفوز بلقب الدوري الإسباني في موسم 2013 -2014، الآن من خلال الجهود الخاصة بهم وغير ذلك يبدون مرشحين أكثر من أي وقت مضى لاقتناص الدوري الإسباني من تحت أقدام قطبي الدوري الإسباني من خلال عدد من العوامل التي ترجح كفته بصورة كبيرة على حساب ثنائي الدوري الأبرز:
صيف لا مثيل له
عند كل نجاح للفريق سواء على الصعيد الأوروبي أو المحلي، فإنه غالباً ما يكون ثمن هذا النجاح غالياً على الفريق من خلال خسارة أفضل وأبرز لاعبيه، على سبيل المثال خسارة اثنين من أفضل لاعبي الدوري الإنكليزي الممتاز حالياً (سيرجيو أغويرو وديفيد دي خيا) لاعبي أتلتيكو مدريد السابقين، حتى اثنين من أفضل نجوم أتلتيكو مدريد الحاليين (دييغو كوستا وفيليبي لويس) كانت لهم تجربة الانتقال إلى الدوري الإنكليزي قبل أن يعودا مجدداً للفريق. ومع ذلك كان هذا الصيف مختلفاً، واحد من أكثر فصول الصيف إثارة هو تحديد مستقبل النجم الأول في الفريق اللاعب (أنطوان غريزمان) فقد كان الفرنسي مرتبطاً بشكل كبير بالانتقال إلى منافسه برشلونة، وبدا أن أتلتيكو استعدّ لخروج لاعب رئيسي آخر في الفريق الأول، لكن غريزمان أوقف كل الشائعات وبدلاً من ذلك أعلن عن تمديد عقده مع أتليتكو. كما قام لاعبون آخرون في الفريق الأول مثل لوكاس هيرنانديز وخوسيه ماريا خيمينيز بتوقيع عقود جديدة في الصيف بينما احتفظوا بخدمات دييغو غودين وجان أوبلاك وسط اهتمام قوي من مانشستر يونايتد وليفربول على التوالي. بالإضافة إلى الاحتفاظ بأفضل لاعبيهم كانت تحركات الفريق في الانتقالات الصيفية لا تشوبها شائبة، واستبدلوا قبطانهم المخضرم غابي بأحد لاعبي خط الوسط الواعدين في الدوري الإسباني رودريغو هيرنانديز، كان الفريق يفتقر إلى اللاعبين أصحاب البنية القوية السريعة وتمت معالجتها مع وصول توماس ليمار وجيلسون مارتينز، ويمكننا القول أن التحركات الصيفية التي أجراها الفريق هذا الموسم من أفضل التحركات التي قام بها فريق في أتلتيكو مدريد في تاريخه الحديث.
منافسون ليسوا في أفضل حالاتهم
حتى لو كان أداء أتلتيكو مدريد في الدوري يقترب من الكمال، فإن الفوز بلقب الدوري يحتاج إلى أن يكون منافسوه الأبرز؛ فريقا (ريال مدريد وبرشلونة) منخفضي المستوى بشكل غير متوقع، ومع الوضع الحالي في ريال مدريد وبرشلونة فإن الأمر يبدو واعداً لأتلتيكو مدريد في أن يخطف اللقب منهما. بالنسبة لبرشلونة فإن رحيل أندريس إنييستا والمخاوف من الأفعال البراغماتية للمدير الفني أرنستو فالفيردي هي من الأسباب الرئيسية التي تدعو للقلق هذا الموسم، فنجد أن النادي الكتالوني قد أبدى صعوبة بالغة في التعامل مع رحيل أحد لاعبي الفريق الأول ذوي النفوذ عندما غادر كارلس بويول ثم تشابي هيرنانديز النادي، معظم مشجعي برشلونة سيوافقون إذا ذكرت أن بويول وتشابي لم ولن يتم استبدالهما أبداً، كما أنى رحيل أندريس إنييستا في الصيف الماضي ترك حداً مماثلاً في فريق برشلونة والذي لن يتم ملؤه بسهولة. القلق الآخر لبرشلونة هو الاتجاه الذي يتحرك فيه النادي تحت قيادة فالفيردي،
وبالرغم من حصول الفريق على الثنائية في الموسم الماضي، ولكن في هذا الموسم تحول فالفيردي من تشكيلة 2-4-4 التي نجح بها في تحقيق المزيد من الهجمات إلى تنظيم 3-3-4 واستخدام لاعبي الهجوم مثل عثمان ديمبيلي ولكن النتائج لم تكن مقنعة، والنتيجة برشلونة دون أي فوز في مبارياته الأربع الأخيرة في الدوري الإسباني، ثلاث مباريات انتهت بالتعادل وهزيمة مفاجئة من ليغانيس الذي يقبع في أسفل الترتيب. ففي الوقت الذي يقوم فيه فالفيردي باختراع وتجربة أساليبه وإشراك لاعبين جدداً في كل مباراة فإن أتلتيكو مدريد لا بد أن يحصد المزيد من النقاط في الدوري، حتى يبقى في صدارة الترتيب بشكل دائم أو قريباً منها لتكون حظوظه كبيرة في اقتناص اللقب. أما بالنسبة لريال مدريد فهم يمرون بمرحلة انتقالية يصعب التنبؤ بنهايتها، فرحيل (زيدان وكريستيانو) المفاجئ عن الفريق في الصيف الماضي، أحدث صدمة كبيرة في البيت المدريدي، فبعد خمسة أيام من فوز ريال مدريد للمرة الثالثة على التوالي بدوري أبطال أوروبا،
استقال زين الدين زيدان من منصبه بعد أن تولى مسؤولية النادي لمدة موسمين ونصف فقط، وأشار إلى «حاجة النادي للتغيير» كسبب وراء قراره. بعد حوالي شهر من رحيل زيدان كانت صدمة أكبر في انتظار مشجعي ريال مدريد حيث انتقل كريستيانو رونالدو إلى يوفنتوس بعد تسع سنوات قضاها في العاصمة الإسبانية، في التسعة مواسم هذه أصبح رونالدو أفضل هداف في تاريخ النادي بتسجيل (450) هدفاً في (438) مباراة كان أيضاً هداف النادي الرئيسي في المواسم الثمانية الماضية. اضطر ريال مدريد لإيجاد بديل لزيدان في شخص المدير الفني السابق للمنتخب الإسباني جولين لوبيتيجوي، ومع ذلك اختار النادي عدم إيجاد بديل مباشر لكريستيانو رونالدو، وهذا يزيد من الضغط على لاعبين آخرين مثل غاريث بيل وكريم بنزيمة وماركو أسينسيو. بدأت مهمة لوبيتيجوي كمدرب لريال مدريد بالهزيمة 4-2 أمام أتلتيكو مدريد في كأس السوبر الأوروبي، لم يقلق الكثير من الجماهير لكن هزيمة 3-صفر مؤخراً أمام إشبيلية تبعها تعادل بدون أهداف مع أتلتيكو مدريد في بيرنابيو ثم الخسارة أمام ديبورتيفو ألافيس بهدف في الدقائق الأخيرة أخبرت مشجعي الريال بأن الفريق في هذا الموسم سيعاني معاناة لم يختبرها من قبل. فترة عدم اليقين التي يمر بها قطبا الدوري الإسباني من الممكن أن تعطي فريق أتلتيكو مدريد دفعة ضرورية وهامة للوصول أولاً في سباق الحصول على لقب الدوري الإسباني.
تأثير دييغو سيميوني
مشجعو أتلتيكو مدريد ليس لديهم أي مخاوف من جماهيرهم المنافسة، فهم بالفعل لديهم أسلوبهم التشجيعي المميز بقيادة مدير فني غرس فيهم أن الفريق متى ما وجد الدعم والتشجيع من المدرجات فإن النجاح سيكون حليفه بغض النظر عن أسلوبه المحافظ نوعاً ما. مشجعو أتلتيكو مدريد ليس لديهم أي مخاوف من جماهيرهم المنافسة. لديهم مدير غرس عقلية رابحة في الجانب ووجد النجاح مع أسلوبه المحافظ. بالإضافة إلى ذلك يمكن القول إن قوة التأثير التي لدى المدرب تجاه اللاعبين وطريقة تشجيعه لهم وحمايتهم والدفاع عنهم متى ما تطلب ذلك، تعتبر من العوامل الهامة التي تُحسب للمدرب وتجعل اللاعبين يقاتلون للنجاح معه. ثماني مباريات حتى الآن في الدوري، بأربع انتصارات وثلاثة تعادلات وخسارة وحيدة تجعل الفريق الآن في المركز الثالث بفارق الأهداف عن الثاني برشلونة وعلى بعد نقطة واحدة عن المتصدر إشبيلية، تجعل الفريق يقف مرتاحاً في ترتيب الدوري ويرسل رسائل كافية بأن هذا الموسم سيكون موسم أتلتيكو مدريد بلا شك إذا آمنوا بحظوظهم وقاتلوا كما يجب.