على الرغم من التراجع الطفيف الذي شهدته أسعار النفط العالمية خلال تعاملات اليوم الخميس، على خلفية الحديث عن اتفاق روسي سعودي لزيادة إنتاجهما تعويضا للنقص المحتمل جراء العقوبات الأمريكية ضد إيران، المقرر تطبيقها الشهر القبل، إلا أن أسعار الخام لا تزال عند مستويات مرتفعة.
وبحلول الساعة 5:00 مساءً بتوقيت جرينتش، هبط سعر العقود الآجلة لخام “برنت” القياسي تسليم ديسمبر إلى 84.75 دولارا للبرميل، بنسبة انخفاض بلغت 1.5% بنسبة، فيما تراجعت العقود الآجلة لخام “نايمكس” تسليم نوفمبر بنحو 2.3%، بعد أن سجلت 74.68 دولارا للبرميل.
وقالت وكالة “رويترز” أمس الأربعاء، إن روسيا والسعودية أبرمتا اتفاقا خاصا الشهر الماضي لزيادة إنتاج النفط بهدف تهدئة الأسعار المرتفعة في الأسواق.
وتزامن ارتفاع أسعار النفط عند أعلى مستويات لها في أربع سنوات، مع تهديدات متكررة أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، برفع الحماية الأمريكية عن منظمة “أوبك” وبعض الدول المنتجة للنفط، ومنها السعودية، في حالة عدم زيادة إنتاجهم من الخام وخفض الأسعار.
رسالة بوتين لترامب
ومن ناحيته، وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال كلمه له بمنتدى أسبوع الطاقة الروسي في موسكو، أمس الأربعاء، رسالة لنظيره الأمريكي، قائلا: “إذا كنت تريد أن تبحث عن المذنب في أسعار النفط الآخذة في الارتفاع، يجب أن تنظر إلى المرآة”.
وأكد بوتين أن ارتفاع أسعار النفط يرجع إلى الإدارة الأمريكية، لافتا إلى العقوبات التي فرضتها واشنطن ضد إيران والمشاكل السياسية في فنزويلا وما يحدث في ليبيا.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا يخشى ترامب من ارتفاع أسعار النفط إلى درجة تهديد “أوبك” والدول المصدرة للنفط؟ وما هي انعكاسات أسعار النفط على الشارع الأمريكي؟ وهل تستطيع السعودية أحد أكبر منتجي النفط في العالم التدخل لخفض أسعار النفط إرضاء لترامب؟
اقرأ أيضا: هل يتخطى النفط حاجز الـ 100 دولار مع تطبيق عقوبات إيران؟
وعلى عكس تفاؤل البعض بشأن تراجع أسعار النفط على خلفية الاتفاق السعودي الروسي بزيادة الإنتاج، توقع وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، في تصريحات لإذاعة روسية، اليوم الخميس، أن تعاود أسعار النفط ارتفاعها، قائلا: “لا أستبعد بلوغ أسعار النفط العالمية مئة دولار للبرميل”.
وقال نوفاك، خلال جلسة حوار عقدت، اليوم الخميس، في منتدى “أسبوع الطاقة الروسي” بمشاركة وزير الطاقة السعودي خالد الفالح والأمين العام لمنظمة “أوبك” محمد باركيندو، بالعاصمة موسكو، إن سوق النفط العالمية بلغت نقطة التوازن من حيث العرض والطلب، لكنها لم تحقق التوازن من حيث السعر.
وأضاف نوفاك ، بحسب “روسيا اليوم”، أن عدم القدرة على توقع حركة الأسواق مرتبط بإيران، ثالث أكبر منتجي منظمة “أوبك”، والتي فرضت واشنطن عقوبات على قطاعها النفطي، مؤكدا أن روسيا لديها القدرة على زيادة إنتاجها النفطي، لكن يلزم المزيد من الوقت لتقييم حاجة السوق العالمية من الخام.
زيادة محدودة
ومن ناحيته، قال الخبير في شؤون النفط والطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات لـ “عربي21″، إن “أوبك” تستطيع رفع الإنتاج ولكن بكميات محدودة لأن هناك مشاكل إنتاج في فنزويلا وليبيا ونيجيريا.
وأضاف: “السعودية قالت إنها سترفع الإنتاج في نوفمبر، ربما إلى 11 مليون برميل، من 10.7 ملايين برميل الشهر الماضي، وروسيا سترفع الإنتاج بواقع 300 ألف برميل يوميا، ولكن هذه الزيادة لن تكفي لحل مشكلة ترامب، المتعلقة بارتفاع أسعار النفط”.
وأوضح إسماعيل أن العقوبات الأمريكية ضد إيران ستحرم أسواق النفط العالمية من 1.5 مليون برميل يوميا، والزيادة المتوقعة وفقا للاتفاق السعودي الروسي لن تغطي أكثر من ثلث هذه الكمية.
وأرجع الخبير في شؤون النفط والطاقة قلق ترامب المتزايد من ارتفاع أسعار النفط، إلى مخاوفه من معاقبة الناخب الأمريكي له في انتخابات التجديد النصفي الشهر المقبل، لافتا إلى أن سعر غالون البنزين ارتفع في الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 10 بالمائة منذ بداية العام الجاري، وبلغ سعر الغالون الواحد 2.88 دولار.
وأردف: “إذا اخترقت الأسعار الحاجز النفسي للغالون (3 دولارات للغالون) خلال الأسابيع القليلة المقبلة، أي مع اقتراب الانتخابات النصفية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، فقد يعاقب الناخبون الحزب الجمهوري، الذي ينتمي إليه الرئيس الأمريكي”.
عوامل أمريكية
وأشار إلى أن ارتفاع أسعار مشتقات النفط بالولايات المتحدة الأمريكية، ليس سببه الأسعار العالمية، وسياسة أوبك الإنتاجية فقط، مستطردا: “هناك أيضا أسباب داخلية مثل الطلب على المشتقات الموسمي الذي يزيد في بعض الحالات عن القدرة التكريرية، إضافة إلى تعطل بعض المصافي بسبب الأعاصير وبعضها يغلق لأعمال الصيانة.. الخ”.
وحول تأثير الاتفاق السعودي الروسي على أسعار النفط العالمية، قال إسماعيل، إن “أوبك” حذرة من إغراق السوق بالنفط، لتجنب انهيار الأسعار كما حدث في النصف الثاني من عام 2014، موضحا أن “أي زيادة كبيرة في الإنتاج السعودي الروسي إذا نتج عنها انخفاض كبير في الأسعار ستتضرر معها صناعة الزيت الصخري الأمريكي”.
وتابع: “لهذا شركات إنتاج النفط الأمريكي تعارض تهديدات ترامب وقانون “نوبك” الذي يعني “لا لأوبك الاحتكارية”، مؤكدا أن مواقف ترامب ستأتي بالضرر لاقتصاديات الدول المنتجة للنفط وللشركات الأمريكية.
وأوضح إسماعيل خلال حديثه لـ “عربي21” أن “أوبك” تحتاج إلى أسعار فوق الـ 80 دولارا لبرميل النفط، كي تتمكن من الاستثمار في تطوير حقول نفط جديدة لتلبية حاجة العالم، مضيفا: “السعودية في موقف صعب جدا حيث تريد إرضاء ترامب، ولكن في نفس الوقت تريد أسعار بحدود الـ 80 دولارا للبرميل، وهذا تحدي كبير للمملكة”، بحسب تعبير إسماعيل.
وتساءل إسماعيل قائلا: “حتى لو استجابت السعودية وأوبك لمطالب ترامب، هل ستنخفض أسعار المشتقات بتلك السرعة لإنقاذ ترامب انتخابيا؟ وما هي مقدرة أوبك على حل مشكلة ترامب من ناحية الكميات الإضافية التي تدخل السوق؟”، مستطردا: “إذا تم إغراق السوق ستنهار الأسعار وسيستفيد ترامب انتخابيا وسياسيا مؤقتا”.
تشويه السوق
وأكمل: “نحن في سوق حر يعتمد على العرض والطلب، والتدخلات السياسية تشوه السوق، وتؤدي إلى ضرر اقتصادي في ميزانيات الدول المصدرة للنفط”.
الخبير في شؤون النفط والطاقة، قال إن “ترامب لديه خيار أو سلاح إضافي لمواجهة ارتفاع أسعار النفط، وهو اللجوء إلى المخزون النفطي الاستراتيجي الأمريكي البالغ 660 مليون برميل”، مضيفا أنه “إذا أطلق نصف مليون برميل يوميا لمدة شهر ستنخفض الأسعار دولارين للبرميل”، حسب تقديرات وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية.
وأكد الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله، أن سعر النفط هو المكون الرئيس لرفاهية المواطن حول العالم وليس في الولايات المتحدة فقط، لافتا إلى أن أسعار النفط تعد مكونا رئيسا في كل السلع الرئيسية والكمالية، كما أنها أهم عوامل تحديد تكاليف نقل السلع من أماكن الإنتاج إلى أماكن الاستخدام.
اقرأ أيضا: ترامب للملك سلمان: لن تبقى بالسلطة أسبوعين دوننا (شاهد)
وأضاف خلال حديث خاص لـ”عربي21″: “وبالتالي فإن أي زيادة في سعر النفط سيصحبها زيادة في كل أسعار السلع والخدمات التي تقدم للمواطن الأمريكي، وهو ما يقلل من رفاهيته التي اعتاد عليها طيلة الأربع سنوات الماضية، والتي انهار فيها سعر النفط إلى حدود الـ 40 دولارا للبرميل، وتقريبا هو المناخ الذي انتخب فيه ترامب”.
الانتخابات الأمريكية
وأشار ذكر الله إلى أن “انتخابات التجديد النصفي علي الأبواب، ولا شك أن الرئيس الأمريكي يشغله سعر الطاقة من زاوية انتخابية، خاصة أن خسارة حزبه لهذه الانتخابات ستزيد من تعقيدات المشاكل القانونية التي يتعرض لها حاليا وقد تقوض نهائيا أي فرصة لفوزه شخصيا، ولفوز الحزب الجمهوري في الانتخابات الكاملة سواء لمجلس الشيوخ أو حتي للرئاسة”.
وأردف الخبير الاقتصادي قائلا: “ومن هذا المنطلق يمكن قراءة استقواء ترامب علي السعودية، هذا الاستقواء الذي ذهب إلى مرحلة البلطجة السياسية، فبعد تخصيص المملكة لما يقارب 250 مليار دولار للولايات المتحدة تحت مسميات متعددة أثناء الزيارة الشهيرة لترامب وابنته للمملكة، استعجل ترامب الأمير الشاب محمد ابن سلمان ولي العهد السعودي بصورة متعجرفة قائلا له إنه لن يأخذ الأموال بالتقسيط، وأسرعوا، وها هو في أسبوع واحد يتعدي لفظيا علي الملك في إهانة بالغة، عندما قال له لن تتمكن من البقاء في السلطة أسبوعين بدون دعم الجيش الأمريكي”.
وتابع: “أعتقد أن هذه الإهانة هي لأغراض انتخابية، إلي جانب أغراض اقتصادية، على رأسها دفع المملكة إلي زيادة الإنتاج لتخفيض الأسعار، ولذلك ليس غريبا ما تم تسريبه بالأمس أن المملكة اتفقت سرا مع الولايات المتحدة على زيادة الإنتاج، وبدأ تنفيذ هذه الاتفاق بالفعل في محاولة لاسترضاء الولايات المتحدة”.
وقال ذكر الله، إن “برنامج ترامب اقتصادي في الأساس، ومع وجود المشاكل القانونية التي تواجهه، لم يتبق إلا رفاهية المواطن الأمريكي كملاذ أخير يمكن أن يحتمي به ترامب في الانتخابات القادمة”، مضيفا: “حتى لو استجابت السعودية، لن يحدث الانخفاض الكبير الذي يتمناه المواطن الأمريكي، ولكن تبقى فرض القوة والوصاية على الدول المنتجة للنفط ورقة انتخابية هامة”.
عربي 21